خاص العهد
العودة الى القصير: شهادات الأهالي تدحض سنوات من التحريض
محمد عيد
عادت بلدة القصير لتتصدر المشهد الإعلامي بعد وصول دفعات جديدة من الأهالي إليها عقب تشريدهم من قبل الإرهابيين خارجها لسنوات. العودة الممزوجة بمشاعر الفرح والحزن، لم تسلم من حبر الأكاذيب السوداء التي حاولت أن تغطي بياض الصورة، بالزعم أن الجيش السوري والمقاومة في الطرف اللبناني للحدود يعملان على إحداث تغيير في البنية السكانية للبلدة ومنع عودة الكثير من أهلها. وهي الكذبة التي فندها واقع شاهدناه بأم العين حين زرنا البلدة برفقة أهلها العائدين إلى بيوتهم، حيث أكدوا لموقع "العهد" الاخباري أن أحدًا منهم لم يلحظ وجهًا غريبًا يجاوره في المكان، وإن لاحظ البعض أن سنوات البعد الطويلة عن البلدة قد تركت آثارها على الوجوه المشتاقة لأهلها وجيرانها العائدين جماعات في الباصات الحكومية السورية.
حين بكت عائشة
كادت عائشة إدريس تعانق حيطان بيتها الذي فارقته قبل سنوات طويلة حين اشتعلت المعارك في بلدتها القصير. عادت إليه اليوم تتأمل من وراء الدمع ذكريات الطفولة والشباب فيه. مفاجآت عائشة السارة لم تنقضِ بعد فقد بلغها أن وزارة الصحة السورية وانسجاما مع رغبة الحكومة في تشجيع العائدين إلى بيوتهم في القصير قد وافقت سريعا،على طلب النقل الذي كانت قد قدمته من أجل العودة مجددًا إلى المركز الصحي في بلدتها. لكن فرحة عائشة الكبرى قد تجلت في مشهد عناقها الطويل مع جارتها ماري واكيم التي تقاسمت وإياها هزيعًا طويلًا من وجوه العمر المختلفة في السراء والضراء، فهذا مشهد تكرر بين أعداد كبيرة من الجيران الذين سهلت الحكومة السورية عودتهم حين مهدت بكل إمكانياتها لتيسير هذه العودة الميمونة.
الدكتور يحيى الأشقر رئيس المركز الصحي في القصير استقبل عائشة خير استقبال ووضعها وإيانا في صورة الجهود الحكومية لإعادة تأهيل المركز على وجه السرعة. أخبرنا أن جهود ترميمه وتجهيزه لم تقتصر على الحكومة بل تعدتها إلى الأهالي وإلى وجوه الخير حيث قام أحد المتبرعين الميسورين بتجهيز المركز بجهاز أشعة حديث.
القصير تنتظر عودة بقية أهلها
جلنا برفقة السيد عبد الكافي الذي يشغل منصب رئيس مجلس مدينة القصير. حدثنا الرجل عن ظروف عودة الأهالي وما حاولت "وسائل الإعلام المغرضة" ترويجه حول هذه العودة. استعراض موجز لتاريخ عودة الأهالي التي بدأت قبل شهرين سرده الرجل أمامنا مؤكدًا أن الأسبوع الحالي سيشهد عودة المزيد منهم وعلى مدى أربعة أيام متتالية حيث "كل شيء بات مؤمنا" من الماء والكهرباء والصرف الصحي والبنى التحتية والمؤسسات الخدمية والعاملين في مؤسسات البلدة من أبنائها كحال السيدة عائشة. رئيس مجلس البلدة أكد أن نسبة الأضرار في البيوت ضئيلة جدًا، وهي لا تتجاوز العشرة في المئة. ومحافظة حمص تعمل جاهدة على تقديم كل الخدمات وتيسير الأمور للعائدين "الذين يسكنون مباشرة في بيوتهم"، فضلًا عن قيام المحافظة بالتواصل مع الأهالي الذين لم يعودوا بعد من أجل تأمين هذه العودة على وجه السرعة "فقد عاد تسعمائة شخص حتى الآن إلى القصير ونحن الآن بصدد استقبال خمسة آلاف شخص آخرين خلال الأيام القادمة مع توفير كل الظروف المسهلة لهذه العودة".
لا تصدقوا الأكاذيب
دعوة رئيس مجلس مدينة القصير لبقية الأهالي للعودة بسرعة إليها قادنا إلى سؤاله عما تحاول بعض وسائل الإعلام إشاعته عن قيام الحكومة السورية والمقاومة اللبنانية في الطرف الآخر من الحدود بوضع العقبات أمام عودة بعض أهالي القصير إليها والسعي لإسكان غرباء من خارج البلدة فيها. تبسم الرجل وهو يسمع هذا الكلام معلقا "أتحدى إثبات وجود غريب واحد بين العائدين، وكل حديث عن تغيير ديموغرافي هو كذبة ساذجة وسمجة لا تنطلي على أحد، وإن كان من أحد يتوجب علينا توجيه الشكر له لعودتنا الميمونة هذه فهو الجيش السوري والمقاومة اللبنانية وأقول لبقية أهلنا في القصير ممن لم يعودوا بعد لا تصدقوا هذه الأكاذيب واعلموا أن الدولة السورية حريصة كل الحرص على عودتكم دون معوقات".
توجهنا بالسؤال نفسه إلى العائدين من الأهالي، فكأنما كان لسانهم جميعًا ينطق بجواب واحد "كل العائدين من أهالي القصير والباقون من أهلها سيعودون خلال المدة القادمة بعدما تواصلوا مع الحكومة السورية". أما بالنسبة للمقاومة فقد علق جورج ابن مدينة القصير بالقول "سلوك رجالها الإستثنائي والخلوق نار على علم، لها كل الحب والتقدير".
تنوع ضمن نسيج وطني واحد
كانت الآنسة ميس جلول مديرة مدرسة جبرائيل الشاعر تنادي الطلاب وهم يدخلون إلى صفوفهم، وقد عكست أسماؤهم المختلفة أجواء التنوع الديني والطائفي والمذهبي بين سكان البلدة التي تحتوي على مسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة لم تنجح لغة التحريض في إحداث الشقاق بينهم. صور العناق بين أهاليهم بقيت شاهدة على تماسك النسيج الوطني في القصير وصيانة الملكيات الخاصة والعامة داخل البلدة بفعل المقاومة اللبنانية التي شجعت على تعزيز هذا المسار. مسار "يحتاج إلى عقول كبيرة لم تعدم القصير وجودها" تقول المديرة لموقع "العهد" الإخباري، وساعدت على ذلك أيضًا أجواء الانفراج الاقتصادي الذي بدأت تشهده البلدة الزراعية إثر عودة دورة الاقتصاد بقوة وإشغال المحلات التجارية والصناعية والعمل بقوة على استثمار الأراضي الزراعية وتسويق منتجاتها.
بدت القصير مدينة آمنة مطمئنة تجوب شوارعها باصات العائدين وفرحة ارتسمت على الشفاه اختصارا لفرحة لم يشهدها الأهالي منذ سنوات طويلة.