معركة أولي البأس

خاص العهد

القانون الدولي والعدوان الأميركي الاقتصادي على لبنان
14/09/2019

القانون الدولي والعدوان الأميركي الاقتصادي على لبنان

فاطمة سلامة

الولايات المتحدة الأميركية تشن عدواناً اقتصادياً موصوفاً على لبنان. هذه الحقيقة لا تحتاج الى اجتهادات لاستنباطها. واضحة وضوح الشمس، ولا لبس فيها. فكيف لدولة أن تفرض العقوبات الاقتصادية على بلد ذي سيادة كلبنان، وتنصّب نفسها الآمر الناهي الذي يحق له اللعب بمصير شعب بأكمله؟! من منحها هذا الحق؟ّ!. وإذا سلّمنا جدلاً أنها تفرض عقوبات على شخصيات في حزب الله "بذنب" وتهمة الانتساب الى المقاومة، فما ذنب الشعب اللبناني الذي يضع أمواله مثلاً في أحد المصارف اللبنانية "جمال ترست بنك" التي صنّفتها وزارة الخزانة الأميركية على أنها مصارف إرهابية عالمية؟!. والمفارقة تكمن في من يخرج في لبنان ليُصنّف أموال هذا المصرف بين ودائع شرعية وأخرى غير شرعية، في تماه واضح وفادح مع الإدارة الأميركية. 

في خطابه الثلاثاء، كان الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله واضحاً لجهة وصف العقوبات الأميركية بالعدوان الذي تمارسه الإدارة الأميركية للضغط المالي والاقتصادي على الشعب اللبناني. واشنطن استنفدت كل ما لديها من أساليب لـ"قهر" المقاومة وكسرها. دعمت ربيبتها "إسرائيل" بشتى الطرق، فلم تُفلح. اندحرت هذه المسماة "إسرائيل" على وقع الانتصارات المدوية للمقاومة. ابتدعت الجماعات الارهابية وغذّتها لتشن حروباً في المنطقة، لم تكن نتيجتها سوى الهزيمة. لجأت الادارة الأميركية الى العدوان الاقتصادي، ظناً منها أنها تستطيع تقليب الرأي العام على المقاومة، إلا أنها وفي النتيجة لن ينالها سوى الخيبة. 

رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والاستراتيجية وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وليد عربيد يُشدّد على أنّ ما تشنه الولايات المتحدة الأميركية على لبنان من عقوبات اقتصادية يشكّل بالتأكيد عدواناً لا بل حرباً اقتصادية واضحة المعالم. برأيه، فإنّ الحرب لا تقتصر على الحرب العسكرية، بل تتخطاها الى الحروب الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية حتى. وهذا الأمر لا تشنه واشنطن على لبنان فقط بل على الكثير من الدول التي تصفها بـ"الصغيرة". ويُشدّد عربيد على أنّ القانون الذي يُنظّم العلاقات بين الدول لا يُجيز أن تفرض دولة ولو كانت عُظمى عقوبات اقتصادية وتشن حرباً مالية على دولة ذات سيادة. هذا الأمر خارج المنطق والقانون، فلا يحق لأي دولة أن تفرض شروطها على الدول الأخرى. فأصل العلاقات الدبلوماسية بين الدول كان لمنع أي هيمنة من قبل دولة على دولة أخرى. إلا أنه وللأسف فإنّ واشنطن تنصّب نفسها دولة عظمى وتشن الحروب لفرض شروطها السياسية. 

ويلفت عربيد الى أنّ العلاقات بين الدول اليوم تشهد نوعاً من الذهاب نحو ما يُسمى بـ"موازين القوى" بين الدول الكبرى. وللأسف، فإنّ القانون الدولي العام الذي رسم حدود العلاقات بين الدول على أساس القيم، نراه اليوم يذهب باتجاه أحضان موازين القوى، بعد أن حاول القانون الدولي حتى بداية القرن العشرين تنظيم شرعة حقوق الانسان والمنظمات الدولية على أساس العدالة بين الشعوب واحترام سيادات الدول الأخرى، لكننا اليوم نرى أن هذا القانون يعمل تحت سلطة القوى التي تعتبر نفسها عظمى وكبرى كالولايات المتحدة الأميركية. 

 

القانون الدولي والعدوان الأميركي الاقتصادي على لبنان

 

ويلفت عربيد الى أن ما يشهده العالم اليوم يستدعي سؤالاً مهماً جداً: هل أن الديمقراطية وحقوق الانسان والانسانية لا تزال كما كانت في بداية القرن العشرين أم أنها تغيرت؟. بالتأكيد تغيّرت، يسأل عربيد ويجيب بلا تردد. فبعد الحرب العالمية الثانية التي انتصرت فيها واشنطن وروسيا على النازية تأسست الأمم المتحدة التي لا تدافع عن الديمقراطية الانسانية بل عن القوى الكبرى. ويُشدّد عربيد على أنّ العلاقات بين الدول تحاول ضرب ما يُسمى السيادة والاستقلال لبعض الدول سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، وهذا ما نشهده اليوم في الساحة العالمية لا سيما وأن هناك اليوم مصطلح سياسي جديد يقوم على عالم متجدّد ومتغيّر بسرعة تعمل فيه الدولة الكبرى للحفاظ على مكانتها عكس ما كان سائداً في بداية القرن العشرين حيث مفاهيم الديمقراطية. 

وبؤكّد عربيد أن المصطلح السياسي اليوم تحوّل باتجاه مفهوم المصلحة العليا للدول العظمى، وهذا ما يترجم ما تقوم به واشنطن لعكس مواقفها السياسية البعيدة عن الديمقراطية. هذا الأمر يبدو واضحا لدى محاربة واشنطن لبنان اقتصادياً بسبب مقاومته للاعتداءات "الاسرائيلية" وفشل الحروب العسكرية التي شنّتها "إسرائيل" ربيبة أميركا على لبنان، فنراها تعمل على فرض العقوبات الاقتصادية على المصارف والمؤسسات والشخصيات للسيطرة وفرض المشاريع المعادية للمقاومة في المنطقة وتفكيك دول في الشرق الأوسط كرمى لمصلحة وأمن كيان العدو. 

ويُشدّد عربيد على أنّ باستطاعتنا الرد ومواجهة هذا العدوان أقله بالطرق الدبلوماسية عبر استدعاء السفيرة الأميركية في لبنان، ما يُمهّد الطريق أمام تماهي الدول الأخرى بلبنان، ومحاربة المشروع الأميركي بكامله في المنطقة. بالنسبة لعربيد، باستطاعتنا مجابهة هذا العدوان بأساليب متعدّدة سيما اجتماعياً ودبلوماسياً، كما يمكن الرد على الحروب الاقتصادية من خلال الوحدة الوطنية والحفاظ على سيادتنا واستقرارنا، يختم عربيد.
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد