آراء وتحليلات
لبنان.. والحاجة لتأطير العلاقة بين المواطن والدولة
محمد علي جعفر
يوضح مسار تطور الدولة اللبنانية، غياب إطار يحكم العلاقة بين المواطن والدولة. والمشكلة ليست في غياب التحديد الدقيق للعلاقة فحسب، بل في تقاعس القيادات السياسية عن ممارسة دورها المطلوب في هذا المجال. ولعل طرح هذه المسألة يستوجب الوقوف عند عدة تساؤلات: هل تُدرك القيادات السياسية أهمية السعي لوضع إطارٍ يحكم العلاقة بين الدولة والمواطن؟ وفي حال إدراكها، فماذا تستفيد من تغييب هذا الإطار؟
وكيف يمكن أن تقوم دولة، دون معرفة القواعد التي تحكم علاقتها المُتبادلة بالمواطن وما يتخلله ذلك من حقوق وواجبات مشتركة ومتبادلة؟ وماذا لو علمنا أن مفهوم الدولة الحديثة اليوم، يتخطى مجرد سعي المواطن لتأمين مقومات الحياة، الى مشاركته مع الدولة في تطوير السياسات العامة؟!
ولعل غياب الحديث عن العلاقة بين المواطن والدولة في لبنان يدل على حجم الخلل في عدة مناحي تتعلق بمفهوم الدولة وأولوية ذلك في الخطاب السياسي اللبناني. الأمر الذي يمكن أن توضحه الفجوة الموجودة بين النخبة الحاكمة والمواطن وغياب السلوك المسؤول لدى هذه النخبة وتقاعس المواطن عن مطالبة الدولة بواجباتها. وهو ما يتضح من حجم السخط الذي باتت تُعبِّر عنه بعض الأقلام الصحفية والأكاديمية والأصوات الإعلامية والسياسية، لا سيما في ظل التحديات الراهنة.
اليوم، لا خلاف حول أن الأزمة المعيشية التي يعاني منها لبنان، باتت التحدي الأكبر والأهم أمام اللبنانيين. ولا خلاف أن لبنان يعيش مرحلة مفصلية تتعلق بمستقبله محلياً وإقليمياً، في حين يبدو الأفق مسدودًا أمام اللبنانيين في ظل دولة فاقدة للسياسات والتخطيط وسلطة غير قادرة على الحكم الرشيد وأجهزة حكومية غير فعالة. بإختصار يعيش لبنان مرحلة دقيقة وحساسة تنطوي على كثير من المخاطر وتحتاج الى معالجات مدروسة تتخطى الخطابات والوعود.
إنطلاقاً مما تقدم، يُصبح الحديث عن إطار يحكم العلاقة بين المواطن اللبناني ودولته حاجة مُلحة. وهو ما يجب أن تعتبره الأطراف السياسية نقطة البداية نحو مشروع بناء الدولة. ولعل النقاش النظري الدائر حول تقاعس الدولة وتقصير أجهزتها وغياب المواطن عن أولوياتها، حديثٌ لم يعد ينفع ولن يخدم مصلحة لبنان في ظل ضرورة تقديم مقاربات تعالج المشكلات وليس فقط تنتقدها. فقد بات من المُسلَّمات، أن البنية الإدارية للدولة اللبنانية مُترهلة وأجهزتها متقاعسة ويغيب عن المواطن الشعور بإحتضان الدولة، ولا داعي للتركيز على ذلك في محتوى الخطاب بل يجب التقدم خطوات الى الأمام نحو كيفية معالجة هذه المشكلات. لنقل أن تحديد إطار العلاقة هو البداية!
يبدأ مشروع إدارة الدولة من حيث يفقه المواطن حقوقه وواجباته وكذلك الدولة. في لبنان يُطالب المواطن بحقوق هي في الحقيقة حقوق بديهية جدًا حيث وصل حال اللبنانيين للمطالبة بالهواء النظيف! بات اللبنانيون مقهورون بأساسيات الحياة في وقتٍ تعيش الدول المتقدمة على سياسات تُقوم على الشراكة بينها وبين المواطن بشكلٍ يهدف لتطوير الحياة العامة. اليوم ومع ظهور تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، تغيرت طريقة إدارة الدولة وتغيرت معها مفاهيم السيادة والحكم. لم تعد الدولة مجرد أرض و شعب يعيشون في ظل نظام سياسي ضمن حكمٍ موحَّد، ولم تعد سيادة الدولة مجرد سلطة الدولة في حكم نفسها (الأرض والشعب). وبفضل الفضاءات المفتوحة انهارت معاني الجغرافيا وباتت الشعوب امتداداً لبقية العالم، وباتت المعلومات تُشكل معنى الحياة حتى المدنية منها؛ ضمن هذا الإطار تغيَّر معنى السيادة. ومع تغيُّر مفهومي الدولة والسيادة، يجب أن تُغيِّر الدولة من نظرتها تجاه المواطن وهو ما يعني بالنتيجة تغيير مفهوم حوكمة الدولة. باتت الحياة العامة مُعقدة بشكلٍ أكبر ما يستوجب تفكيراً جماعياً يبدأ من أعلى سلم الدولة إلى أدناه وصولاً الى المواطن. على أن يواكبه مستوى عالي من الشفافية.
بين مفهوم الدولة الحديثة القائمة على مشاركة المواطن بسياسات التطوير وواقع الدولة في لبنان، فجوة تحتاج للمعالجة. ففي لبنان ومع افتقار المواطن لمقومات الحياة الكريمة، وغياب الإطار الذي يُحدد علاقته بالدولة كنتيجة طبيعية لغياب هم المواطن عن أولويات الدولة، يموت الشعور بالإنتماء. فالشعوب لا تموت بسبب تحديات الخارج بقدر ما تقتلها التحديات الداخلية. في لبنان تتخطى هموم الشعب مسألة التحديات لتكون همومه كماً من التهديدات التي تواجه مستقبله ومستقبل أبنائه. وإذا كان المواطن مقهورا بأساسيات الحياة، فأنَّى له بالتفكير والإبداع!!
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024