معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

موازنة 2019: الانجازات المالية تتعدى على القواعد القانونية
26/07/2019

موازنة 2019: الانجازات المالية تتعدى على القواعد القانونية

يوسف الريّس

هلّت على اللبنانيين موازنة 2019 بعد اقتراب انقضاء السنة وبمخالفتين دستوريتين واضحتين تمثلتا بتخطي المهلة القانونية لاقرار الموازنة اضافة لتجاهل قطع الحساب. الاستنسابية المتبعة في عمل السلطات التنفيذية والتشريعية منح لهم المضي قدمًا بتخطي أحد أبرز مهام المجلس النيابي الرقابية.

بحسب المادة 87 من الدستور اللبناني "حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة". هذه المادة تهدف إلى استمرارية الرقابة المالية على السلطة التنفيذية بحيث يقارب النواب مدى التزام الحكومة بالموازنة التي تم اقرارها للعام المنصرم.

عمليًا، عمدت الهيئة العامة للمجلس النيابي الى رفع ايردات الدولة بقيمة 200 مليار ليرة عبر فرض ضريبة على المولدات الكهربائية ورسوم على مشاريع البناء الصديقة للبيئة لتجني الدولة بما يقارب المئة مليار ليرة عن كل منهما. كما ستحصل الدولة على ما يقارب الـ250 مليار ليرة من خلال رسم 3% على الواردات مستثنية البنزين والمواد الأولية للزراعة والصناعة. علاوة على ذلك، فقد أقرّت الهيئة العامة ضريبة على الفوائد المصرفية لتصبح 10% بعد أن كانت 10%. كما تضمنت الموازنة رفع الرسوم على العمالة الأجنبية وبعض معاملات الأمن العام. وتتضمن الموازنة على رسم ضريبي يتراوح بين 2%  و25% على الرواتب والأجور أو كضريبة للدخل للمهن الحرة.

لم تحقق الموازنة انجازًا على صعيد أرباح المصارف التي يستمر المصرف المركزي في دعمها لتزداد أرباحها على حساب القطاعات الأخرى

أما على صعيد النفقات، فقد اتجهت الهيئة العامة لخفضها بما يقدر بقيمة الـ384 مليار ليرة. أبرز بنود التخفيض كانت من خلال تخفيض سلفات الخزينة لمجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة إضافة لتخفيض النفقات على التجهيزات في وزارة الاتصالات.

هذه البنود ستنفذ في إطار الأشهر الخمس القادمة لتقلص العجز بحسب تقدير الحكومة ولجنة المال والموازنة إلى ما يقل عن 7%.

تظهر أبرز البنود التي ذكرت في الموازنة غياب الدراسة لتداعيات أي من الخطوات المقررة. رغم أن أبرز أسباب اختيار للسياسات المالية هي تداعياتها. التزامًا بشروط "سيدر" عمدت الحكومة على خفض متفرق للنفقات ورفع مضخم للنفقات لخفض العجز في الميزانية. لا يمكن إنكار ضرورة المضي قدمًا في خفض العجز في الميزانية نظرًا لابتعاد الدولة اللبنانية عن أي من قواعد الانتظام المالي. ولكن السياسة التقشفية التي تتبعها الدولة في هذه الميزانية تمثل صدمة للاقتصاد اللبناني المنهك أصلًا.

لا تقديرات واضحة لرفع الرسوم الضريبية على الوردات في ظل غياب الانتاج اللبناني. قد تنعكس هذه الخطوة سلبا بحيث يرتفع مستوى التضخم بدل أن تشجع هذه الخطوة الاستهلاك اللبناني. علاوة على ذلك، ابتعدت الموازنة في روحيتها عن اصلاحات ضرورية في السياق المالي أقل خطورة مثل الضرائب على ما يعتبر واردات رفاهية.

كذلك، لم تحقق الموازنة انجازًا على صعيد أرباح المصارف التي يستمر المصرف المركزي في دعمها لتزداد أرباحها على حساب القطاعات الأخرى.

لم يعد لبنان بوضعه المالي والنقدي يسمح للمزيد من التجاوزات الدستورية للمهل القانونية وأساسيات الانتظام المالي المتمثلة بقطع الحساب. يتبع المسؤولين توصيات "سيدر" لإغراق البلد بدين جديد مبتعدين عن إصلاحات حقيقية تعيده إلى مسار صحّي.

كان من المفترض أن تنجز الحكومة اللبنانية موازنة 2020 ويحضر المجلس النيابي لمناقشة قطع الحساب في النصف الأخير لعام 2019. ولكن لا تزال الهرتقات السياسية تحول بين إقرار الموازنة ونشرها في الجريدة الرسمية.

المحاسبة تكمن هنا، لا انجاز في اقرار موازنة بدون قطع حساب وبعد انقضاء عام انفاقها. لا إعلام يكفي لتجاهل الجريمة المالية لتأخير الموازنة. الواجب الدستوري واضح: اقرار موازنة 2020 قبل انتهاء العام الحالي.
 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات