معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

التهويل الأميركي حول
11/07/2019

التهويل الأميركي حول "داعش".. تمنيات لا مخاوف!

عادل الجبوري

شهد الأسبوع الفائت، أكثر من حدث ملفت للانتباه، استحق قدرًا كبيرًا من الرصد والمتابعة والتحليل والاهتمام، وكان واضحًا أن هناك تناقضات وتقاطعات في مسارات بعض تلك الأحداث، واختلافًا في طبيعة المواقف ازائها، ناهيك عن ما يمكن أن تفضي اليه من نتائج ومعطيات.

وقد يكون الحدث الأهم والأبرز، هو تسريبات المحادثات الصوتية والتحريرية (المكتوبة) بين قائد عمليات الأنبار اللواء الركن محمود خلف الفلاحي وعميل لجهاز المخابرات المركزية الاميركية (C.I.A)، التي أوضحت قيام الفلاحي بتزويد الطرف الآخر بمعلومات واحداثيات عن أماكن تواجد قطعات الحشد الشعبي وتحركاته، وتعهدات بالعمل على انهاء وجودها في محافظة الانبار وتوابعها.

لماذا التهويل الاميركي المتواصل من قوة وخطر تنظيم "داعش"؟

التصورات والقراءات الأولية المستندة الى معلومات وأرقام ومؤشرات من هنا وهناك، تذهب الى أن ما تم تسريبه ليس بالشيء المفبرك، ولا هو بالبعيد عن الواقع، وأغلب الظن، أن هناك أشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل، لم يماط اللثام عنها، لسبب أو لآخر، ولا شك أن عشرات ـ ان لم يكن مئات ـ الضربات الجوية التي تعرضت لها قطعات من الحشد الشعبي، وكذلك الجيش العراقي خلال الحرب ضد تنظيم "داعش" الارهابي، من قبل ما يسمى بقوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الاميركية، ارتكزت في جانب كبير منها على ما كان يجود به عملاء وذيول واشنطن وجواسيسها داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، ومن بعض أفراد المجتمع، من الذين كان يتاح لهم بحكم عوامل وظروف معينة الاطلاع على اسرار وخفايا خاصة.

وفي خضم تفاعلات تسريبات محادثات الفلاحي مع العميل الاميركي، راح يثور جدل حاد، بشأن الجهة التي يمكن أن تكون قد سربت تلك المحادثات، وماهي مصلحتها في ذلك، ويرى البعض، أنه من غير المستبعد أن تكون واشنطن هي التي تقف وراء افشاء الفضيحة.

يؤسس هذا البعض اتهاماته لواشنطن، على فرضية أن الأخيرة دائمًا ما تلجأ وتتوسل بكل الأساليب والوسائل من أجل خلط الاوراق وارباك الاوضاع في الساحة السياسية العراقية، عند منعطفات ومحطات معينة، مثل تحقيق الانتصار العسكري الشامل على تنظيم "داعش" الارهابي، او تأكيد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي على التمسك بالحشد الشعبي والتعهد بعدم حله وانهائه، او في نطاق اوسع ارتباطا بملفات وقضايا اقليمية معقدة وشائكة لم تجني واشنطن من ورائها اية مكاسب وامتيازات.

وسواء صحت تلك القراءة او لم تصح، فأن تورط واشنطن ومعها تل أبيب في مجمل المشاكل والازمات والتحديات الامنية والسياسية التي واجهها ومازال يواجهها العراق، لم يعد بالامر الذي يحتاج الى المزيد من الادلة والبراهين.

وفي الوقت الذي يتأكد للجميع، ان الادارة الاميركية ومن يتحالف معها ويسير ورائها، تعمل بكل جهدها وطاقتها على انهاء الحشد الشعبي، تتوالي التقارير  والدراسات والابحاث والمقالات في وسائل الإعلام ومراكز الابحاث والدراسات الاميركية والغربية، التي تحذر من عودة تنظيم "داعش"، وتطرح السيناريوهات التشاؤمية المقلقة في هذا الخصوص، وبالتزامن مع الترويج لفكرة اهمية استمرار التواجد العسكري الاميركي في العراق، رغم الرفض الشعبي والرسمي الواسع لذلك الامر.               

ولعل اخر ما ظهر في هذا السياق، تقرير أعده معهد دراسات الحرب (ISW) الاميركي، يدعي فيه ان تنظيم "داعش"، لم ينهزم، وهو يستعد للعودة مجددا وعلى نحو أشد خطورة، رغم خسارته للأراضي التي أعلن عليها إقامة ما يسمى "دولة الخلافة" في سوريا والعراق.

ويشير التقرير  المؤلف من ستة وسبعين صفحة الى ان "داعش" اليوم اقوى من سلفه تنظيم القاعدة في العراق في عام 2011 حين بدأ يضعف، بأعتبار ان الاخير كان لديه مابين سبعمائة الى الف مسلح انذاك، في حين وصل تعداد عناصر "داعش" في العراق وسوريا حتى شهر آب/ أغسطس من عام 2018 الى حوالي ثلاثين الف مسلح، بحسب وكالة المخابرات المركزية الاميركية.

وفي ذات الاتجاه يحذر المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا والسفير السابق في العراق جيمس جيفري من خطورة عودة  ونشاط تنظيم "داعش" إلى الوجود، مؤكدا ان هناك أعدادا كبيرة من مسلحي التنظيم يعملون كخلايا نائمة في سوريا والعراق.

ويشير جيفري في كلمة القاها بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، في الرابع من شهر حزيران/ يونيو الماضي، الى "ان هناك مؤشرات على احتمال عودة "داعش"، علما أن ثمة ما نسميه خلايا نائمة وربما هناك عشرات الآلاف من الإرهابيين في العراق وسوريا".

وحتى الان، من غير الممكن القول ان تنظيم "داعش" انتهى ولم يعد له وجود، الا ان التهويل الاميركي، يثير الكثير من المخاوف، ويبرر قلق البعض، ودعوته الى الوقوف بوجه مخططات واشنطن وحلفائها.

فمدير الاستخبارات العسكرية العراقية اللواء الركن سعد العلاق يقول في تصريحات صحفية، "لدينا معلومات حول وجود خلايا نائمة لتنظيم "داعش" في القرى النائية وأطراف المدن وبعض المناطق السكنية العراقية، حيث صدرت لهم أوامر من زعيمهم أبو بكر البغدادي، بضرورة حلق اللحى والاندماج مع السكان المدنيين وتهيئة مضافات بعيدة عن أنظار الأجهزة الأمنية".

لا مستقبل لتنظيم داعش الإرهابي بعد الضربة القاصمة التي تلقاها على يد القوات الأمنية والحشد الشعبي

ويوضح بأن "خلايا داعش الإرهابية لا تستطيع إعادة نشاط التنظيم إلى المناطق المحررة كما كان سابقا، بسبب الخسائر التي تكبدتها على يد القوات الأمنية من خلال المعارك، وقتل أغلب قادة التنظيم، والانكسار النفسي والمعنوي، إلا أن "داعش" أصبح يعتمد في تنفيذ هجماته على الخلايا النائمة في مراكز المدن والمفارز الإرهابية التي تتخذ من المناطق الصحراوية ملاذات آمنة له وجعلها مناطق لعملياته الإرهابية".

ولا يبتعد مستشار الامن الوطني فالح الفياض عن ذلك، حينما يصرح قائلا: "لا مستقبل لتنظيم داعش الإرهابي بعد الضربة القاصمة التي تلقاها على يد القوات الأمنية والحشد الشعبي، ولا ينغص على العراق نصره شيء سوى ما يجري في سوريا".

ويؤكد الفياض "نحن نواجه جيوب وبقايا كيان منهزم وسنكرس هزيمته بالكامل، وان اهالي المناطق المحررة أصبحوا الحصانة والضمانة لعدم عودة داعش".

والملفت في خضم فضيحة محادثات الفلاحي المسربة، واثارات واشنطن حول عودة داعش، بدا واضحا ان واشنطن تعمدت التعاطي بلا ابالية مع العمليات العسكرية الاخيرة ضد فلول "داعش" الارهابي، في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين، المسماة عملية "ارادة النصر"، والتي كان لقوات الحشد الشعبي دور كبير ومحوري فيها، هذا في الوقت الذي تتحدث اوساط سياسية وامنية مطلعة عن تواصل الضغوطات الاميركية على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لتحجيم الحشد وتهميشه.   

ويؤكد الخبير الأمني عباس العرداوي في هذا الاطار أن "الكثير من الوعود الاقتصادية والمالية تحصل عليها الحكومة من الجانب الاميركي مقابل الضغوط التي تمارسها واشنطن والسعودية لتغيير سياسية الحكومة حيال الحشد الشعبي"، موضحًا "ان الحشد الشعبي يحمل الصفة العقائدية ويعد جهازاً امنيا رصيناً غير معرض للخرق، ما يجعله يشكل تهديداً لاميركا ولـ"داعش" الارهابي الذي يحاول ان يمارس دوراً ضد رجال الامن بهدف الضغط والابتزاز".

ومن خلال هذه النقطة الاخيرة، يمكن فهم واستيعاب دلالات التسجيلات الصوتية بين ضابط كبير في الجيش العراقي وعملاء من المخابرات الاميركية، ومن خلالها يمكن ان نفهم لماذا التهويل الاميركي المتواصل من قوة وخطر تنظيم "داعش"، والتشويه والتسقيط المنظم والمبرمج للحشد.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات