الانتخابات البلدية والاختيارية 2025

آراء وتحليلات

أزمة الكيان المركبة وتناقضها مع أوهام نتنياهو
16/04/2025

أزمة الكيان المركبة وتناقضها مع أوهام نتنياهو

يعيش الكيان الصهيوني في مأزق وجودي غير مسبوق؛ يتناقض مع تصريحات الثقة غير المسوّغة التي يطلقها مجرم الحرب نتنياهو، والتي لا تستند إلى قوة عسكرية أو إجماع شعبي أو جبهة داخلية موحدة على استراتيجية حرب الإبادة التي يشنها، ولا محاولات تمدد الكيان في الإقليم.

هذه الأزمة الصهيونية المركبة من عدة أبعاد عسكرية وسياسية ومجتمعية، مع ما يرافقها من إصرار على تصدير صورة نصر تتمادى بالإجرام المعتمد على الدعم الأميركي المفتوح سياسيًا وعسكريًا، له تداعيات خطيرة على مستقبل الكيان، ومستقبل الأنظمة العربية الصامتة على الجرائم، والتي بإمكانها استغلال مأزق العدو لكبح جماحه، ولكنها لا تفعل ذلك، ولا تحاول اتخاذ مواقف قوية مع أميركا، بل تستمر في الضغط على المقاومة لتقديم التنازلات!

في هذا السياق؛ نناقش مظاهر أزمة العدو الصهيوني المركبة، والتي تشمل تقديم عرائض احتجاج من التشكيلات العسكرية كافة؛ والتي تنذر بتمرد واسع في الجيش الصهيوني، وتتزامن مع انضمام أكاديميين للاحتجاجات، بالإضافة إلى التظاهرات الشعبية المستمرة، وما قد يسببه ذلك التناقض مع الإصرار على استمرار الحرب والتوسع الإقليمي من خطوات إجرامية تعتمد كليًا على سلاح الجو والدعم الأميركي.

مظاهر الأزمة المركبة للكيان:

يعيش الكيان أزمة مركبة غير مسبوقة منذ نشأته المشؤومة، فقد وصل الانقسام الأفقي بين اليمين المتطرف واليسار وبقية التنوعات السياسية إلى مستويات قياسية. كما وصلت الانقسامات إلى الجيش ما ينذر بتمرد واسعة النطاق يشمل الأسلحة المقاتلة كافة، فضلًا عن أجهزة الاستخبارات وانقساماتها وصولًا إلى نقص العديد وأزمة في التجنيد لا تتوافق وتهديدات نتنياهو وخططه التوسعية. 

يمكن رصد هذه الأزمة على الشكل الآتي:

1- توسع عرائض الاحتجاجات وتنوعها: في الأسبوع الأخير فقط، توسعت عرائض الاحتجاجات وتنوعت لتشمل عدة جهات عسكرية وأكاديمية، وخطورة الأمر تكمن في ثلاثة عوامل رئيسة:

الأول: سرعة الانتشار بما يوحي بأن الأمر يتدحرج ويتسع سريعًا.

الثاني: الانتقال بين جميع الوحدات والجهات المختلفة العسكرية والمدنية ما ينذر بتمرد جماعي.

الثالث، طريقة تعاطي نتنياهو الحمقاء ورئيس الاركان بفصل الجنود على الرغم مما يعانيه الجيش من أزمة في التجنيد.

إذ مؤخرًا، وقّع أكثر من 200 عضو حالي وسابق، في وحدة "الكوماندوز" النخبوية التابعة للبحرية "الإسرائيلية" المعروفة باسم "شطيت 13"، رسالة طالبوا فيها رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو باستعادة جميع الرهائن فورًا، حتى لو تطلّب ذلك وقف العمليات العسكرية، وقالت رسالة وحدة "الكوماندوز" أنها ندعم رسالة الطيارين الصادرة في 9 أبريل/نيسان الحالي.

كما كانت رسالة الطيارين بمثابة البؤرة التي جمعت بقية العرائض، فقد انضمت إليها جملة من الرسائل الاحتجاجية المماثلة التي قدمها 1525 عسكريًا من سلاح المدرعات، وأكثر من 1600 من قدامى الجنود في لواءي المظليين والمشاة، وعشرات العسكريين في سلاح المدرعات، و150 ضابطًا سابقًا في سلاح البحرية، و100 طبيب عسكري من قوات الاحتياط "الإسرائيلية" ومئات من جنود الاحتياط في الوحدة 8200 الاستخبارية "الإسرائيلية".

الأمر الأكثر ألمًا بالنسبة إلى الصهاينة كان دخول لواء غولاني على الخط، حين وقّع نحو 150 جنديًا "إسرائيليًا" خدموا في لواء غولاني على عريضة احتجاج. كما وقّع نحو 3500 أكاديمي "إسرائيلي" وأكثر من 3 آلاف من العاملين في مجال التعليم، وما يزيد عن ألف من أولياء الأمور على عرائض تطالب بإعادة الأسرى وإنهاء الحرب في غزة.

ما يفاقم الأزمة هي طريقة تعاطي نتنياهو الحمقاء ورئيس الأركان إيال زمير، والذي وصف هذا التحرك أنه رفض للخدمة في الجيش "الإسرائيلي"، وتوعد نتنياهو ووزراء في حكومته بفصل موقعي هذه العرائض من جنود الاحتياط. وصدّق زمير على قرار فصل قادة كبار ونحو ألف جندي احتياط من الخدمة، وذلك بعد توقيعهم على رسالة تدعو لإنهاء حرب غزة.

2- أزمة التجنيد والنقص العديد في الجيش

تأتي هذه الاحتجاجات بالتزامن مع نقص العديد في الجيش بسبب رفض الخدمة العسكرية من جهة، وفشل في حل قضية تجنيد "الحريديم" من جهة أخرى. وتناقلت التقارير تحذير رئيس الأركان "الإسرائيلي" الجديد إيال زمير للحكومة من وجود نقص كبير في عدد المقاتلين في الجيش، وأنه أبلغ نتنياهو أن نقص الجنود المقاتلين قد يحد من قدرة الجيش على تحقيق طموحاته السياسية في غزة، وأن الإستراتيجيات العسكرية وحدها لا يمكنها تحقيق جميع الأهداف في غزة، لا سيما في غياب مسار دبلوماسي مكمل.

لبيان حجم أزمة النقص العددي؛ الأمر بحاجة إلى بعض الإحصائيات الكاشفة، حيث تفيد معطيات الجيش بأنّ معدلات مشاركة جنود الاحتياط الحالية في الوحدات القتالية تتراوح ما بين 60 إلى 70%، وقد أبلغ نتنياهو وكبار الوزراء بذلك بالكامل. إلا أن هناك تشكيك بهذه الأرقام. فقد ذكرت مجلة 972 "الإسرائيلية" أن الأرقام المتداولة عن عدد جنود الاحتياط الذين يبدون استعدادهم للخدمة العسكرية غير دقيقة، حيث تحدثت عن تقارير أخرى عن نسبة تحوم حول 50% فقط.

كما هناك صعوبات كشفها تقرير ليوآف زيتون المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، منها نقص القوى البشرية والضغوط التشغيلية والنفسية، والتحديات اللوجيستية التي تهدد قدرته على الحفاظ على استقرار الجبهات المختلفة. واعترف زيتون بأنّ الجيش "الإسرائيلي" خسر أكثر من 12 ألف جندي منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة، بين قتلى وجرحى. بالإضافة إلى ذلك، هناك الزيادة في عدد القوات المطلوبة للدفاع عن الحدود، وتوسيع الوحدات العسكرية؛ مثل وحدات المدرعات والهندسة، والتي أدت إلى عجز كبير في عدد الجنود المتاحين.

كما كشف تحقيق نشره الموقع الإلكتروني "شومريم" أن الجيش "الإسرائيلي" قرر، وبهدوء، تمديد فترة خدمة ربع المجندات اللاتي التحقن بالجيش في العام 2023 لمدة 8 أشهر إضافية، في محاولة للتعامل مع النقص المتزايد في القوات، في ظل تعثر تمرير قانون التجنيد واستمرار تهرب أبناء التيار الحريدي من الخدمة العسكرية، وهي مشكلة لمّ يتوصلوا بعد إلى حل لها.

كذلك وفقًا لتقارير نشرها معهد دراسات الأمن القومي، في "تل أبيب"، الأزمة تعود إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها طول أمد الحرب وانعدام الأفق السياسي والتأثير النفسي العميق على المجتمع "الإسرائيلي" بأسره، خاصة بعد سقوط مئات الجنود والضباط منذ بدء العملية في تشرين الأول 2023.

السيناريوهات المتوقعة:

ممّا لا شك فيه أن استمرار الحرب لا يصبّ في مصلحة الكيان؛ وذلك لعدة أسباب؛ أهمها:

1- شهدت وحدات الاحتياط، والتي تشكل العمود الفقري لأي حملة طويلة الأمد، تراجعًا في نسب الاستجابة للاستدعاء، ما اضطر القيادة العسكرية إلى اتخاذ إجراءات استثنائية، شملت تمديد الخدمة الاحتياطية قسرًا، وتقليص أوقات الراحة الممنوحة للجنود، مع إعادة نشر بعض الوحدات في مناطق ساخنة بعد أوقات قصيرة جدًا من الاستراحة.

2-  الأزمة لم تعد تقتصر على الجنود العاديين أو على وحدات الدعم اللوجستي، بل وصلت إلى وحدات النخبة التي طالما وُصفت بأنها الأكثر صلابة وانضباطًا. 

3- خلخلة في الإجماع الوطني اعترف بها الصهاينة، مثل اعتراف مراسلة الشؤون العسكرية لهيئة البث العامة "الإسرائيلية" كرميلا منشه، والتي قالت نصًا: "على الرغم من أن المؤسسة السياسية والعسكرية "الإسرائيلية" غالبا ما تُظهر تماسكا في أوقات الحرب، فإنّ وجود أصوات معارضة من داخل منظومتها الأمنية والأكاديمية قد يحدث خلخلة في الإجماع الوطني، ويضع ضغوطا متزايدة على القيادة السياسية".

4- التوقعات بتوسع رقعة الاحتجاجات، مع تزايد الخسائر البشرية وضغط المجتمع الدولي، كما أن احتجاج الأكاديميين يمكن أن يُلقي بظلاله على الرأي العام "الإسرائيلي"، ويعزز الانقسامات المجتمعية حيال استمرار العمليات العسكرية.

هذا الأمر يعني الاعتماد كليًا على سلاح الجو، بدعم أميركي مباشر، من دون قدرة على إحداث تغييرات على الأرض، أي حلقة مفرغة من الجرائم. وهذا ما يقود الكيان وراعيه الأميركي إلى ردود فعل شعبية وسياسية عنيفة، كما سيقود المقاومات إلى خيارات أخرى تختلف عن سياسة الصبر الاستراتيجي أو ترك المجال للتسويات، إذا بدا أن التسويات هي كسب للوقت تستمر معها الجرائم.

الولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيونيبنيامين نتنياهو

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل