على العهد يا قدس

آراء وتحليلات

محور "موراج" والتهجير.. هل باتت المواجهة مع مصر وشيكة؟
12/04/2025

محور "موراج" والتهجير.. هل باتت المواجهة مع مصر وشيكة؟

يتمادى العدو "الإسرائيلي" في عدوانه الإجرامي على غزة، لدرجة أعلنت معها الأمم المتحدة أن ثلثي الأراضي أصبحت الآن تحت أوامر التهجير القسري أو "مناطق محظورة" من قبل القوات "الإسرائيلية"، بما في ذلك مدينة رفح ومعظم جنوب غزة، وخاصة بعد إنشاء محور "موراج"، وهو ما يعد إهانة واضحة من الجانب الصهيوني والأمريكي للأنظمة العربية وخاصة مصر، لأنه رفض وتجاهل علني للخطة المصرية التي تبنتها القمة العربية الأخيرة.

ومما يعمق الإهانة لمصر والعرب، هو الإعلان الصريح للصهاينة عن أنهم ينفذون خطة التهجير، وأن إقامة محور "موراج" الجديد هو بمنزلة محور "فيلادلفيا 2"، أي تأكيد لتجاهل الطلب المصري الصريح للكيان بمغادرة محور "فيلادلفيا".

إلا أن الأمر يتخطى هذه الإهانة ليصل إلى خطورة حقيقية على مستقبل القضية بسبب خطورة الإجراءات العملية والخطط التي يتم تنفيذها على الأرض، كما ينطوي على نذر مواجهة مع مصر بسبب تطورات التموضع الصهيوني المصحوب بتحريض غير مسبوق عليها.

وهنا نناقش ملفين، الأول، يتعلق بالإهانة الموجهة للأنظمة العربية وتحديدا مصر، لأن هذا الأمر له انعكاسات وتداعيات خطيرة، والملف الثاني، هو خطورة الإجراءات التي تنفذ على الأرض وتداعياتها على مستقبل القضية ووضع الشعب الفلسطيني وعلى أمن المنطقة، وخاصة على الأمن القومي المصري.

أولًا: الإهانة الصهيونية الفجة لمصر والنظام العربي:

 لم يكتف الكيان بالصفعة التي وجهها للوسطاء وعلى رأسهم مصر بانتهاك وقف إطلاق النار، ولم يحاول حتى حفظ ماء وجه مصر والقمة العربية بأن يخفي نواياه في التهجير ويحاول ادعاء أهداف أخرى من استئناف عدوانه، بل أعلن صراحة  على لسان أعلى المسؤولين في الكيان، عن تنفيذ خطة ترامب وتحدي مصر بالبقاء في محور فيلادلفيا.

فقد أعلن نتنياهو أن  محور "موراج" الجديد الذي أقامته "إسرائيل" مؤخرًا لفصل مدينتي خان يونس ورفح في جنوب قطاع غزة سيكون "ممر فيلادلفيا ثانياً".

كما أعلن وزير الحرب "الإسرائيلي" يسرائيل كاتس، خلال زيارة للمحور الجديد، أن الجيش يستولي على مساحات واسعة من قطاع غزة، ويضيفها إلى مناطق عازلة أُخليت من سكانها، ودمجها في المناطق الأمنية "الإسرائيلية"، ما يقلل من مساحة غزة ويعزلها بشكل أكبر، وأشار صراحة وعلنًا، إلى أن "إسرائيل" تعمل على تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب "للهجرة الطوعية" لسكان غزة.

وخطورة الأمر هنا هو الصمت العربي المطبق، كأن العرب وصلوا لسقفهم الأعلى في البيانات وأدوا ما عليهم وأن ما يحدث هو بمنزلة قدر إلهي لا حول لهم به ولاقوة، وهو أمر خطير، لأنه ينذر بحدوث أحد أمرين:

 إما إعلان وفاة النظام الرسمي العربي بما لذلك من تداعيات على تمدد الاحتلال الأمريكي والصهيوني بالمنطقة والهيمنة الشاملة.

أو ثبوت نظرية تواطؤ الأنظمة مع أميركا والكيان، وأن البيانات لسيت إلا مجرد استهلاك محلي وإبراء ذمة، بما لذلك أيضًا من تداعيات شعبية خطيرة.

ثانياً: محور "موراج" والتهجير وأمن مصر القومي:

بعد فشل خطة الجنرالات في فصل شمال غزة عن مدينة غزة عبر محور "مفلاسيم"، وبعد الانسحاب الشكلي من محور نتساريم عقب تطبيق المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، لم تدخل  "إسرائيل" إلى المرحلة الثانية والتي تنص على انسحابها من محور فيلادلفيا، وهو ما يشي بنواياها المبيتة لخطة التفافية تعيد بها إجراءات السيطرة على القطاع بعد استلام الأسرى.

وبعد الفشل في خداع المقاومة وبعد صمود المقاومة أمام الضغوط والترهيب، اضطر العدو "الإسرائيلي" إلى الكشف عن نواياه بتقسيم القطاع والدفع لتهجير سكانه، عبر الدفع العكسي لسكان القطاع من رفح بعد ان كان الدفع من الشمال إليها.

ولكن دفع السكان من رفح هذه المرة يختلف عن إستراتيجية الدفع في بادئ الحرب، لأنه ليس باتجاه الشمال، بل باتجاه مناطق معزولة محاطة بسيطرة عسكرية صهيونية، حيث أعاد العدو السيطرة على ممر نتساريم، وبالتالي هناك ثلاثة محاور كبرى عزلت غزة بشكل كامل عن الحدود المصرية من جهة، وعزلت مناطق غزة عن بعضها من الجهة الأخرى.

وهذا التطور أوضحته وسائل الإعلام الصهيونية بشكل موجز حيث قالت "هآرتس" إن المنطقة الواقعة بين محور فيلادلفيا جنوباً ومحور موراج شمالاً، تمثل نحو خمس مساحة القطاع وكان يقطنها نحو 200 ألف فلسطيني قبل الحرب، إلا أنها أصبحت شبه مهجورة في الأسابيع الأخيرة بعد الدمار الواسع الذي ألحقه بها الجيش "الإسرائيلي" الذي طالب مَن تبقى فيها من السكان بالمغادرة، وأن توسيع المنطقة العازلة إلى هذا الحدّ ينطوي على تداعيات بالغة، ليس فقط لأنه يضم مساحة واسعة من القطاع، وإنما لأنه سيحوّل غزة فعلياً إلى جيب داخل أراضٍ محتلة ويعزله عن الحدود المصرية. 

وقد شكل "موراج" نقطة ارتكاز إستراتيجية بسبب موقعه الجغرافي، فالمحور الجديد من شأنه اقتطاع مساحة 74 كيلومترًا مربعًا من مساحة قطاع غزة، أي ما يعادل 20 بالمئة من إجمالي مساحة القطاع البالغة 360 كيلومترًا مربعًا.

وتنبع خطورة المحور من كونه أحد أهم شرايين الحياة لنقل الأفراد والبضائع بين جنوب القطاع وشماله، حيث تضم مدينة رفح وحدها اثنين من أهم 3 معابر تعمل في القطاع، وهما معبر كرم أبو سالم المخصص لنقل البضائع والمساعدات من "إسرائيل" للقطاع، إضافة إلى معبر رفح الفاصل بين القطاع ومصر، الذي يخصص لنقل الأفراد والبضائع من وإلى القطاع.

وبموازاة ذلك، فإن بقاء الجيش "الإسرائيلي" في المحور سيحرم القطاع من أهم موارده الزراعية، إذ تُعتبر مدينة رفح من أهم مصادر الغذاء والخضروات المتبقية في القطاع، حيث تغطي المساحات الخضراء أراضي المدينة، وبخاصة منطقة المواصي غربًا.

وبالتالي، فإن الخطة تبدو متسقة مع التهجير حيث أصبح السكان محاصرين تمامًا، وباتت غزة تتحول بشكل تدريجي سريع لمكان غير قابل للعيش.

والخطورة على الأمن القومي المصري هنا، تتمثل في أن محور موراج  يبعد نحو 25 كيلو متراً عن رفح المصرية، ومع هذه التطورات الأخيرة بات الجيش "الإسرائيلي" على حدود العريش، وفي منطقة كبيرة تمكنه من الحشد، حيث يحكم السيطرة على كامل رفح وليس ممر فيلادلفيا فقط.

وتتمثل خطورة وجود الصهاينة مع إمكانية حشد قوات قتالية في أن الكيان يبدو مصرًا على إتمام مشروع التهجير، ولا يخفي نواياه العدائية تجاه مصر، حيث اتهم مسؤولون مصريون "إسرائيل" بتأجيج التوترات من خلال ادعائها زورًا بأن تحركات القوات في شمال سيناء تشكل خرقا لمعاهدة السلام بين البلدين.

وقد فسرت ادعاءات "إسرائيل" بأنها تسعى إلى التحريض على الصراع مع مصر كجزء من خطة للتأثير على الرأي العام ضد مصر، سواء لتسهيل التطهير العرقي في غزة أو لتعزيز طموحات "إسرائيل" الإستراتيجية الإقليمية الأوسع.

ويجدر أن نختم هنا بما قاله عساف ديفيد، مدير برنامج "إسرائيل" في الشرق الأوسط في معهد فان لير في القدس، في تعليقه على التحريض والتحركات الأخيرة، حيث قال نصاً: "التحريض واضح. أعتقد أن إدارة نتنياهو تُصرّ بشدة على خطة التطهير العرقي. إذا تغير الرأي العام "الإسرائيلي" تجاه مصر، فسيكون الأمر أسهل. لذا، فإن المواجهة مع مصر تُمهّد الطريق."

مصرغزة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة