آراء وتحليلات
بغداد وأنقرة.. ما المطلوب؟
منطقيًا، لا يتوقع أحد، أن تكون الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى تركيا حاسمة في حل المشاكل والقضايا العالقة بين الطرفين، ولا في إعادة بناء الثقة بالمستوى المطلوب، ولا في الاتفاق والتفاهم على جملة أمور تتعلق بالمصالح الثنائية المتبادلة والمشتركة من جانب، وبالأوضاع الإقليمية العامة من جانب آخر.
فتراكم المشاكل والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية بين العراق وتركيا على امتداد عقود من الزمن، لا يمكن حلها وتذويبها في زيارة رسمية لا تتعدى الأربع وعشرين ساعة، إن لم يكن أقل من ذلك، بل يقتضي ذلك عملاً وجهداً متواصلَين، يرتكزان على نوايا سليمة، وإرادات صادقة، وقراءات واقعية بعيدًا عن عُقد الماضي وأوهام المستقبل.
فطيلة فترات زمنية طويلة، كانت لغة التصعيد والتأزيم بين العراق وتركيا هي السائدة والمهيمنة على مجمل مسيرة علاقاتهما المحكومة بالعديد من العقد والإشكاليات التاريخية التي تمتدّ بعض جذورها إلى أواخر عهد الدولة العثمانية وما أفرزته الحرب العالمية الأولى من نتائج ومعطيات ومخرجات، جعلت العراق يتحول من سطوة الأستانة في إسطنبول إلى سطوة الإنكليز في لندن.
وإذا كانت الظروف السياسية لكلٍّ من العراق وتركيا قبل سقوط نظام حزب "البعث" عام 2003 قد أبقت الملفات الخلافية محصورة في مساحات معينة محدودة، فإن المراحل اللاحقة شهدت خلطاً كبيراً للأوراق، بسبب استغلال تركيا السيئ لظروف العراق السياسية والأمنية والاقتصادية الاستثنائية، مع غياب مسار واضح ورؤية موضوعية عراقية لكيفية التعاطي معها، ومع غيرها من الأطراف القريبة إلى العراق والبعيدة عنه.
ربما يرى الكثيرون أن الملفات الخلافية الشائكة والمتداخلة بين بغداد وأنقرة ترتبط بشكل أو بآخر بأحداث ووقائع سياسية "جديدة" بعيدة كل البعد عن أحداث الماضي ووقائعه. وقد يبدو ذلك صحيحاً وواقعياً بالنسبة إلى ملفات من قبيل ملف حزب "العمال الكردستاني التركي المعارض"(PKK) الذي ظهر على مسرح الأحداث في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم، وملف المياه الذي بات يشكل هاجساً يؤرق مختلف أطراف المجتمع الدولي منذ نحو نصف قرن، ولا سيما مع بروز عوامل التغير المناخي واستفحالها، والقراءات الاستشرافية المتشائمة عن ارتفاع أسعار المياه لتكون أغلى من النفط، وكذلك ملف الدخول التركي على خط الخلافات والصراعات الداخلية العراقية المنطلقة من محركات قومية وطائفية ومذهبية وإثنية، غذتها عوامل خارجية إقليمية ودولية مختلفة.
وبالنسبة للسوداني، فإنه بعد توليه منصب رئاسة الوزراء في تشرين الأول-أكتوبر 2022، زار تركيا للمرة الأولى في أواخر شهر آذار-مارس، 2023، ومن ثم زارها مطلع شهر تشرين الثاني-نوفمبر 2024، في مقابل ذلك، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زار العراق أيضاً في مثل هذه الأيام من العام الماضي، (22 نيسان-أبريل 2024)، هذا إلى جانب العديد من الزيارات المتبادلة لشخصيات ووفود سياسية واقتصادية وأمنية رفيعة المستوى من البلدين.
وفي الواقع، لم يحدث كل ذلك الحراك تحولاً وتغيرًا ملموسًا في مسيرة العلاقات العراقية-التركية، ولم تصل الحوارات والنقاشات إلى نهايات واضحة ومخرجات مثمرة للقضايا الكبرى.
ولعل التوصيف الدقيق للعلاقة بين بغداد وأنقرة هو "الدوران في حلقة مفرغة" أو أنَّ الحوار بينهما كان –وما زال- أقرب إلى "حوار الطرشان"، والدليل على ذلك هو عدم تغير شيء، بل إن الأمور اتجهت في بعض المحطات والمنعطفات إلى المزيد من التأزيم والتصعيد السياسي والعسكري والمائي، رغم أن أغلب الذين تعاقبوا على رئاسة الحكومات العراقية خلال العقدين المنصرمين زاروا أنقرة باحثين عن حلول للمشكلات ومفاتيح للأبواب المؤصدة، لكن من دون جدوى، إذ إنَّ أنقرة كانت تريد كل شيء من دون أن تتنازل عن أي شيء، فيما كانت بغداد تأتي بلا رؤية واضحة أو برؤية ضبابية عائمة.
قد تبدو الصورة مع زيارة السوداني لأنقرة مختلفة نوعًا ما، ارتباطًا بمتغيرات الظروف في العراق، والمنطقة على وجه العموم. بيد أن التساؤل المهم والجوهري، هو هل أن تركيا جادة وقادرة على تغيير وتعديل سياساتها الخاطئة ومواقفها وتوجهاتها السلبية حيال العراق؟. لا شك أن الإجابة على مثل هذا التساؤل تنطوي على قدر من الصعوبة، بسبب حجم التعقيدات والتشابكات والمؤثرات التي تحكمت في مسارات العلاقات بين بغداد وأنقرة في مختلف المراحل والحقب التاريخية والراهنة، مع التأكيد على حقيقة أن زيارة السوداني لتركيا، تأتي في خضم انشغال الأخيرة بكمٍّ كبير من المشكلات السياسية والاقتصادية الداخلية، والمآزق الخارجية المرتبطة بمطامح ومطامع التوسع والهيمنة والنفوذ في ميادين قريبة وبعيدة، كأنها تحاكي حقبة الإمبراطورية المترامية الأطراف، وتتطلع إلى استعادة أمجاد الماضي المندثر تحت ركام المعارك والحروب العالمية والإقليمية على امتداد ما يزيد على قرن من الزمن.
ولا شك أن قيام تركيا بمراجعة مسارات علاقاتها مع العراق، يعد خياراً واقعياً وعقلانياً لا بد منه بالنسبة إلى ساسة أنقرة، مثلما أن العراق في ظل حكومته الحالية وما طرحته من برنامج خدمي إصلاحي تنموي انفتاحي، وضع في أولوياته التعاطي مع كل الأطراف وفق قاعدة المصالح المتبادلة، وتكريس نهج الانفتاح، وتوفير عوامل الجذب الاقتصادي، والتعامل مع الملفات الخلافية بطريقة متوازنة، بحيث لا تفضي إلى المزيد من الصدامات والاختلافات وكذلك فإن علاقات إيجابية مثمرة بين بغداد وأنقرة من شأنها أن تعطي زخماً كبيراً لمسار المصالحات الإقليمية، وتوفر بيئة مناسبة وفضاءات أوسع للحوار والتفاهم بين الفرقاء والخصوم الإقليميين، بعيداً من الأجندات والمشاريع الدولية التي ثبت بما لا يقبل الشك أن الهدف منها هو إغراق المنطقة بالمزيد من المشكلات والأزمات والصراعات والحروب بمختلف عناوينها ومسمياتها وأشكالها ومظاهرها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
التغطية الإخبارية
إعلام العدو: إطلاق صاروخ من قطاع غزة اتجاه غلاف غزة
وزيرة البيئة لـ "العهد": عملية استكمال الوثائق اللازمة تتطلب مهلة تقارب الشهرين على أن يُصار بعدها إلى تقديم الدعوى الرسمية لمحاسبة العدو على انتهاكاته المتعلقة بالبيئة
وزيرة البيئة لـ "العهد": العمل جارٍ بالتنسيق مع عدد من الجهات المختصة لتوثيق الأثر البيئي الكبير الذي خلّفته الاعتداءات الصهيونية تمهيدًا لتضمينه ضمن الشكوى التي ستُقدَّم إلى مجلس الأمن
وزيرة البيئة تمارا الزين لموقع "العهد": الوزارة بدأت فعليًا بإعداد التقرير البيئي المتعلّق بجرائم العدو الصهيوني التي طالت البيئة في لبنان خلال عدوانه الأخير
البيت الأبيض: الجانبان الأميركي والإيراني اتفقا على الاجتماع مرة أخرى يوم السبت المقبل
مقالات مرتبطة

إعادة انتخاب المالكي أمينًا عامًا لحزب الدعوة في العراق

المعرض السنوي للتراث الإيزيدي في العراق: حفاظٌ على الهوية

الفياض: قانون الحشد الشعبي سيُشرّع قريبًا كخطوة لإعادة تأسيس هيئته

في 9 نيسان .. العراق يستذكر الشهيد الصدر وسقوط نظام صدام

الخارجية العراقية: العدوان الصهيوني على سورية انتهاك صارخ للقانون الدولي

كيان الاحتلال وتركيا يُقيمان آلية لتفادي "الاحتكاك العسكري" في سورية

تقدير "إسرائيلي" يتوقع انقلابًا ضدّ أحمد الشرع

السوداني إلى تركيا قريبًا ومطالبات بمواقف عراقية حازمة

لهذه الأسباب لم تستقبل دمشق الوفد اللبناني.. و"نبوءة حاصباني نحو التحقق"
