آراء وتحليلات
الأسباب الخفية لتكثيف التهديدات الأمريكية لإيران
أصبح خبر العدوان الأمريكي المرتقب على إيران الخبر اليومي الرسمي لمعظم وسائل الإعلام الأمريكية والخليجية، ولا يخلو الخبر وتفاصيله من خبث في الصياغة للإيحاء بأن إيران هي من تتوسل الحوار والتفاوض وأن أميركا تصر على ضربة عسكرية، رغم تناقض ذلك مع الواقع ومع توصيات خبراء السياسة والإستراتيجية الأمريكيين للإدارة الأمريكية، وهو ما يشي بأن هذا التعميم له مآرب سياسية أخرى متعددة الأبعاد.
ولا شك أن أميركا توظف التوقيت الراهن لخدمة أهدافها من وراء هذه التهديدات، حيث يتزامن التهديد والوعيد مع عدوان أمريكي على اليمن، ويد طليقة صهيونية في العدوان على غزة واستباحتها بدعم أمريكي صريح، وحشد أمريكي مكثف لإتمام عملية التخويف لإيران وجبهات المقاومة.
كما يستغل الصهاينة التوقيت عبر عدوان مكثف على سورية وتدمير كل الأصول العسكرية واحتلال المزيد من الأراضي، وكذلك التمادي في الخروقات في لبنان، وسط صمت القبور العربي وتعامي السلطات الجديدة في سورية، وما يشبه العجز لدى الدولة اللبنانية التي تعطيها المقاومة الفرصة الكاملة لإثبات نظريتها بإمكانية التسويات وطرد الاحتلال دون مقاومة مسلحة كنوع من إقامة الحجة على الدولة وسعيًا لتشكيل إستراتيجية دفاعية تعترف بالمقاومة كمكون رئيسي عبر التوافق وبعد تجربة جميع الخيارات وثبوت فشلها دون مقاومة.
وهنا يجب إلقاء الضوء على أهداف أميركا الخفية من تكثيف التهديدات عبر محاولة الإجابة عن سؤالين:
الأول: لماذا تنتظر أميركا ولا تقوم بالعدوان بشكل فوري إذا كانت واثقة من هزيمة المقاومة وضعف إيران؟
الثاني: لماذا تتنتاقض التصريحات الأمريكية المعلنة مع توصيات المراكز الإستراتيجية الكبرى؟
أولاً: لماذا تنتظر أميركا؟
إذا كانت أميركا واثقة بالفعل من أن المقاومة تلقت هزيمة نكراء كما يحلو لبعض المنابر الأمريكية والصهيونية القول، فلماذا يتردد العدو الصهيوني في استباحة لبنان وخلق منطقة عازلة واحتلال الجنوب رغم التفويض الأمريكي الشامل لنتنياهو، ولماذا تتردد أميركا في العدوان على إيران واستهداف المنشآت النووية بدلاً من التهديدات اليومية والإيحاءات بأن الضربة وشيكة؟
ولعل ما يحدث باليمن يجيب عن كثير من التساؤلات، حيث فشل العدوان الأمريكي المكثف على اليمن في ثني أنصار الله عن استهداف العمق الصهيوني وعن استهداف حاملات الطائرات الأمريكية وإسقاط الطائرات المسيرة، وفشل في انتزاع أي تنازل من اليمن.
واليمن كما تعلن أميركا هي جزء من محور المقاومة أو "ذراع إيرانية" وفقًا لادعاءات أميركا، فما بالنا برأس المحور وقوته الدفاعية والهجومية واليد الإيرانية الطولى في كامل منطقة الخليج التي تضم القواعد الأمريكية، وصواريخه ومسيراته التي أثبتت عمليًا وصولها لعمق الكيان بفاعلية تدميرية كما ظهر في عملية "الوعد الصادق 2".
إن أميركا تعلم أن إيران لن تصمت على أي حماقة وعدوان وأنها تمتلك الردع، وهو ما جعل ترامب يستخدم سياسة الضغط الأقصى سياسيًا واقتصاديًا، ويكتفي بالتلويح العسكري لخدمة سياسة الضغط.
كما أن تكلفة العدوان العسكري ليست هينة، وهو ما لا تقوى أميركا على احتماله وخاصة لو كان غير ذي جدوى كما الحال في اليمن، ولعل التقرير الذي نقلته شبكة "سي إن إن" يكشف هذه المعضلة الأمريكية، حيث نقلت الشبكة عن مصادر قولها، إنّ تكلفة العملية الأميركية ضد حركة "أنصار الله" في اليمن تقارب مليار دولار بأقل من 3 أسابيع رغم محدودية تأثيرها، مشيرةً إلى أنّه من المرجح أن يحتاج الجيش الأميركي لطلب تمويل إضافي من الكونغرس لمواصلة الضربات في اليمن، وقالت نصًا: "لقد دمرنا بعض المواقع، لكن ذلك لم يؤثر في قدرة "الحوثيين" على مواصلة قصف السفن في البحر الأحمر أو إسقاط الطائرات الأميركية المُسيَّرة".
والسؤال هنا سيكون عن كلفة استهداف إيران سواء من الناحية الهجومية، أو الدفاعية مع الانتقام الإيراني الشامل متعدد الاتجاهات، والتي ستتضاعف لو قرر الكيان المشاركة في العدوان.
ثانيًا: لماذا تتناقض التصريحات الأمريكية مع التوصيات الإستراتيجية؟
بعيدًا عن وسائل الإعلام وحربها النفسية وصبغتها الدعائية، نجد أن مراكز الفكر الأمريكية والتي يقدم كاتبوها شهادات ولجان استماع بالكونجرس وتعرض أوراقهم على لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وكذلك تعرض على الإدارة الأمريكية، تقدم توصيات تتمحور حول الحل الديبلوماسي، وتثمن التهديدات العسكرية كمناورة للضغط وإثبات للجدية وحفظًا للتحالفات مع دول المنطقة المعادية للمقاومة.
وتذهب هذه الشهادات والتوصيات إلى أن القوة العسكرية والعقوبات عناصر حاسمة في الإستراتيجية، إلا أنها غير كافية، حيث ينبغي على أميركا أن تعتمد على الدبلوماسية وكذلك دعم القادة الجدد في المنطقة الذين يعارضون مساعي طهران لإعادة بناء محور المقاومة.
وتوصي بتنفيذ إستراتيجية شاملة تحتاج معها أميركا إلى تمكين دبلوماسييها، وتعزيز التعاون مع الحلفاء والشركاء، واستعادة برامج المساعدات وتحقيق الاستقرار، بالإضافة إلى الحفاظ على وجود عسكري قوي والتزامات أمنية راسخة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومن ضمن المحاذير لضرب إيران، كان هناك تقدير بأن أي عملية نشر عسكري موسعة ستترتب عليها أثار من الدرجة الثانية والثالثة على الوجود الأمريكي في العالم، لأنه في كل مرة يتم فيها تعديل أو تمديد انتشار حاملة طائرات خلال نزاع معين، تتأثر جداول الصيانة الضرورية والتدريبات المقررة، بالإضافة إلى فترات الراحة اللازمة للتكيف مع هذا التغيير.
وتؤثر هذه التأخيرات في عمليات الانتشار المستقبلية في مناطق أخرى ذات أولوية، ما يؤثر بالتالي على الجاهزية العسكرية الأمريكية لمهام أخرى، بما في ذلك الأولوية الرئيسية لإدارة ترامب، المتمثلة في ردع الصين.
كما أن عمليات الانتشار المطولة تزيد من المخاطر التي يتعرض لها أفراد الخدمة، الأمر الذي قد يكون له انعكاسات سلبية على الروح المعنوية.
وكان من ضمن التوصيات ما يستدعي الانتباه، حيث أوصت بدعم القادة الجدد في دمشق وبيروت تحت مسمى تحقيق الاستقرار في بلدانهم ورفض هيمنة طهران عليهم.
وهنا ينبغي التوقف عند هذا النوع من التوصيات، حيث المستهدف في سورية هو الاحتلال الصريح وتدمير القوة العسكرية وتحويل سورية لبلد ضعيف ومخترق وجزء وظيفي في الإستراتيجية الصهيو-أمريكية لحصار المقاومة وتوظيفه اقتصاديًا لخدمة الأجندة الأمريكية، ولعل مواقف النظام الجديد الصامتة وممارساته الداخلية تشي بالتوافق على هذه الإستراتيجية.
أما لبنان فمن المجازفة أن تتوافق الدولة مع هذه التوصيات لأن ذلك سيخلق منها دولة وظيفية وينتزع سيادتها ويحولها لدولة محتلة، ولعل استغلال الكيان لوقف إطلاق النار وصبر المقاومة الإستراتيجي يشي بجانب من هذه النوايا، حيث سارع الكيان للتنقيب عن الغاز في أماكن تشترك مع المياه القبرصية واللبنانية ظنًا منه أن المقاومة تراجعت عن معادلات "كاريش"، ووهمًا لديه أن المعادلات تغيرت.
لا شك أننا أمام أيام فاصلة في كامل المنطقة، وأن مناورات أميركا وأهدافها بانتزاع تنازلات إيرانية، تهدف لإنهاء محور المقاومة وفك الارتباط بين الجبهات وانتزاع تعهد إيراني بالتخلي عن المقاومة وحركاتها للانفراد بكل جبهة وتصفيتها، وهو ما ترفضه إيران، بل وترفض التفاوض المباشر تحت التهديد والوعيد، كما أن الجبهات لم ولن تتنازل وإن طال صبرها فجعبتها مليئة بالمفاجآت التي ستثبت فشل تقديرات الكيان وراعيه الأمريكي.
الولايات المتحدة الأميركيةايران
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
التغطية الإخبارية
إعلام العدو: إطلاق صاروخ من قطاع غزة اتجاه غلاف غزة
وزيرة البيئة لـ "العهد": عملية استكمال الوثائق اللازمة تتطلب مهلة تقارب الشهرين على أن يُصار بعدها إلى تقديم الدعوى الرسمية لمحاسبة العدو على انتهاكاته المتعلقة بالبيئة
وزيرة البيئة لـ "العهد": العمل جارٍ بالتنسيق مع عدد من الجهات المختصة لتوثيق الأثر البيئي الكبير الذي خلّفته الاعتداءات الصهيونية تمهيدًا لتضمينه ضمن الشكوى التي ستُقدَّم إلى مجلس الأمن
وزيرة البيئة تمارا الزين لموقع "العهد": الوزارة بدأت فعليًا بإعداد التقرير البيئي المتعلّق بجرائم العدو الصهيوني التي طالت البيئة في لبنان خلال عدوانه الأخير
البيت الأبيض: الجانبان الأميركي والإيراني اتفقا على الاجتماع مرة أخرى يوم السبت المقبل
مقالات مرتبطة

مفاوضات مسقط: حظوظها وضوابط الإمام الخامنئي لها

الولايات المتحدة تُسلِّم بالأمر الواقع وتخضع أمام صلابة الموقف الإيراني

الصحف الإيرانية: مفاوضات عمان مع واشنطن تنطلق وسط تشاؤم بعض التيارات

تقرير أميركي: كذبة واشنطن عن حقوق الإنسان تفضحها دماء غزّة

كاتب أميركي يشكك في فاعلية التصعيد الأميركي ضد أنصار الله

"أجواء إيجابية".. انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة

إيران: لا هدف لنا في محادثات مسقط غير تأمين مصالحنا الوطنية

طبول الحرب تقرع في المنطقة ولا عقلاء لكبحها

فيديو| الضابط الأميركي المتقاعد سكوت ريتر: إيران ليست دولة ضعيفة واستهدافها غباء
