على العهد يا قدس

آراء وتحليلات

السيناريو الأميركي للبنان: الإصلاحات ولجان التفاوض وتغيير التوازنات
08/04/2025

السيناريو الأميركي للبنان: الإصلاحات ولجان التفاوض وتغيير التوازنات

على وقع الخروقات "الإسرائيلية" المتكررة لوقف إطلاق النار مع لبنان، وفي ظل اعتداءات العدو المتكررة على السيادة اللبنانية، والتي لم يكن آخرها وربما أخطرها استهداف الضاحية الجنوبية لمرتين، أتت زيارة نائب المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، إلى بيروت. هذه الزيارة تأتي في وقت حساس يعيشه لبنان، في ظل التحولات التي تعصف بالمنطقة بأسرها، لتعكس استمرار الولايات المتحدة في ممارسة ضغوطها على الحكومة اللبنانية تحت ذريعة تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية تخفي خلفها مطالب أكثر خطورة.

زيارة أورتاغوس وخلواتها المتعددة مع أكثر من جهة وشخصية سياسية ومالية لبنانية، تجعلنا نقف ونسأل عن السياسات التي تنتهجها واشنطن في التعامل مع الملف اللبناني، خاصة ما يتعلق بالإصلاحات المالية والاقتصادية، والمفاوضات مع العدو والتي يمكن أن تجرّ لبنان إلى التطبيع، فضلاً عن مسألة نزع سلاح المقاومة، والتصعيد الحاصل إقليمياً على وقع التوتر الأميركي الإيراني وتهديدات ترامب المتكررة للجمهورية الإسلامية.

ما لا يبعث على الأمل في تحركات المبعوثة الأميركية التي تتبجّح بعرضها لنجمة داود بشكل متكرر، هو أن عدم التلويح بالتهديد لا يعني أن خطاباتها لا تحمل رسائل تهديد مبطنة، تشدّد فيها على أن أي تأخير في تنفيذ الإصلاحات، أو في حل ملف سلاح حزب الله، سيؤدي إلى المزيد من العزلة للبنان على الساحة الدولية، وإعاقة الدعم الخارجي، خاصة في ظل الضغوطات التي يتعرض لها لبنان في ما يتعلق بمسألة تشكيل مجموعات دبلوماسية للتفاوض مع العدو "الإسرائيلي".

وقد أعادت أورتاغوس طرح "اللجان الثلاثية" بالتنسيق مع العدو "الإسرائيلي"، وهو طرح يثير مخاوف كبيرة، خاصةً في ظل محاولة كسب الوقت لمصلحة "إسرائيل"، وتحويل احتلالها للنقاط اللبنانية إلى أمر واقع وربما الأخطر هو التغطية على أهداف "إسرائيلية" أوسع، خاصةً أن كل ذلك يأتي على وقع الخروقات "الإسرائيلية" المتكررة لوقف إطلاق النار، وكذلك الاعتداءات المتمادية على السيادة اللبنانية، مع الإشارة إلى أن المبعوثة الأميركية لم تقدم التزاماً أميركياً بوقف الاعتداءات "الإسرائيلية"، ما يعكس ازدواجية في التعاطي مع القرار 1701 لصالح كيان العدو.

وعلى الرغم من تقليل العديد من التقارير الإعلامية من حدة لهجة المبعوثة الأميركية في التعامل مع المسؤولين اللبنانيين، فإن ذلك لا يعني أن أورتاغوس تراجعت عن أفكارها التي طرحتها سابقاً حول مشروع واشنطن الثابت بشأن نزع سلاح حزب الله. ورغم غياب الأسلوب الصلف، فإن الطرح الأميركي حيال سلاح حزب الله بقي على حاله، حيث إن اللغة الدبلوماسية لا تعني أن المسار الأميركي سيتوقف، وهذا ما يجعلنا نسأل عن السيناريوهات البديلة في حال فشل لبنان في تحقيق تقدم: فهل سنكون أمام استخدام أدوات ضغط سياسية ومالية إضافية، وربما عسكرية؟ والأخطر من ذلك، استخدام واشنطن لحلفائها في لبنان من خلال إدخال اللبنانيين في مرحلة أمنية خطرة.

ويمكن الجزم أن حركة المبعوثة الأميركية تؤكد أن واشنطن تحاول اللعب على التوازنات، من خلال اللقاءات الرسمية والخلوات، إذ تسعى أورتاغوس إلى تهيئة مناخ داخلي مناهض لحزب الله بل للثنائي الشيعي، عبر دعم خصومه سياسياً وانتخابياً، ومحاولة مصادرة قرار الطائفة الشيعية، ما قد يفتح الباب على تصعيد داخلي خطير لإعادة رسم التوازنات السياسية.

ولا يخفى أن المطالب الأميركية المتعلقة بنزع سلاح حزب الله تترافق مع مسألة الإصلاحات الاقتصادية التي تصرّ الولايات المتحدة على ضرورة إتمامها كمقدمة أساسية لأي نوع من الدعم المالي أو المساعدات الخارجية للبنان، وهذا ما يزيد الضغوطات على الدولة اللبنانية. فالربط بين نزع السلاح والإصلاحات الاقتصادية بدا واضحاً في كلام أورتاغوس التي تؤكد على ضرورة أن يشرع لبنان في تنفيذ إصلاحات جوهرية، تشمل تعزيز الشفافية في القطاع المالي، وإعادة هيكلة المصارف، بالإضافة إلى إصلاحات في القطاع العام. لكن الأخطر هو كيفية إدارة ملف لبنان مع صندوق النقد الدولي، وجعل لبنان بحاجة دائمة للدعم الخارجي من أجل تخفيف الأزمة الاقتصادية، والشروع في ملف إدارة الإعمار.

ولا يمكن النظر إلى زيارة أورتاغوس بمعزل عن التطورات والتحولات الإقليمية، خصوصاً في ظل التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة وإيران. إذ يمكن القول إن الضغوط الأميركية ـ "الإسرائيلية" على لبنان لا تنفصل عن إستراتيجية واشنطن تجاه طهران، حيث يُعتبر لبنان جزءاً من ساحة الصراع بالنسبة لواشنطن، إذ تسعى الأخيرة إلى إضعاف المقاومة كجزء من صراعها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبالتالي، فإن الضغوطات الأميركية في لبنان تأتي كمحاولة لخلق توازن يتيح لواشنطن مزيداً من النفوذ داخل لبنان. هذا فضلاً عن السياق الإقليمي الذي تراه واشنطن في ظل مساعي ترامب لترتيب منطقة الشرق الأوسط وتعزيز التعاون العربي مع العدو "الإسرائيلي" الذي يُعتبر جزءاً من إستراتيجية أميركية أوسع تهدف إلى تحقيق تطبيع بين العرب و"إسرائيل".

وفي ظل كل ما أشرنا إليه آنفاً، يواجه لبنان تحديات متعددة، تجعله أمام اختبار لتحمّل الضغوطات الدولية والإقليمية، لا سيما تلك المتعلقة بمسألة المساعدات الاقتصادية، ومواجهة الاحتلال "الإسرائيلي"، وحماية السيادة اللبنانية، والاستقرار الداخلي، من خلال المحافظة على التوازنات الموجودة. فالمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، العمل على تمتين الوحدة الداخلية، وفهم خطورة المشروع الأميركي الذي يمكن أن يأخذ لبنان إلى محطات أخطر من تلك التي تعرض لها خلال العدوان "الإسرائيلي" الأخير.

لبنانالولايات المتحدة الأميركية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة