آراء وتحليلات
السيد يُرعبهم شهيداً ... كما في حياته
قد يكون من المفارقات النادرة في العصر الحديث أن يثار كل هذا الضجيج حول جنازة، كمثل ذلك الذي سبق ويسبق تشييع سيد شهداء الأمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وخليفته السيد هاشم صفي الدين.
فمنذ أن أعلن الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في الثاني من شباط/ فبراير عن تحديد موعد التشييع في 23 الجاري، على أن يكون جماهيرياً مهيباً تحضره شخصيات ووفود من داخل لبنان وخارجه، سال حبر كثير وانطلقت موجة شائعات وتحذيرات على أنواعها لتثبيط المشاركة في هذا الحدث، بعدما لمست جهات معادية خارجية وداخلية أن المشاركة ستكون حاشدة وعابرة للطوائف والحدود.
وقد يعود الأمر إلى أن الجهات المعادية لمست في المشاركة الواسعة استنهاضاً جديداً للأمة وبثّاً لروح السيد الشهيد حسن نصر الله في كل أوصالها، وأنّ سرديتها التي تروّجها ليل نهار حول هزيمة حزب الله وانتهاء المقاومة منذ وقف إطلاق النار في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مهددة في بحر الحضور الشعبي الذي سيقرر مرة أخرى أن المقاومة عقيدة لا تموت ما دام فيها هذا الوفاء للشهداء والتعهد بالسير على خطاهم. وقد أصيبت الجهات المعادية بالارتباك نفسه عندما رأت الحضور الجماهيري في ميدان الجنوب ينازل العدو وجهاً لوجه يوم الزحف على البلدات المحتلة مع انتهاء مهلة الانسحاب في 26 من الشهر الماضي. يومها استفاقت الدوائر الإعلامية المعادية على صدمة الشعور بهذا الحشد الذي توقعت له أن يخبو ويستسلم للقدر "الإسرائيلي" بعد تلك الحرب الضروس، وفوجئت بهذا الاستعداد الواسع للتضحية من أجل تحرير الأرض المحتلة والعودة إليها مهما كانت الأثمان. الآن، يتكرر هذا الحضور الملحمي على نطاق أوسع ليؤكد أن روح السيد العظيم حاضرة في كل ساح وتقود الشعب المقاوم نحو رفض التراجع ونبذ الخوف من آلة العدو الجهنمية وتصرّ على التقدم.
وحاولت الجهات المعادية بمختلف الأساليب أن تنال مسبقاً من الحضور المرتقب للتشييع ونوجز أبرزها بالآتي:
1- ترويج أخبار غامضة تفيد بأن العدو "الإسرائيلي" ربما يلجأ إلى قصف مكان التشييع انتقاماً من السيد الشهيد وجمهور المقاومة. وأخذت هذه الأخبار طابع التخويف، انطلاقاً من أن العدو لم تعد لديه محاذير من فعل أي شيء بعد "طوفان الأقصى" والمجازر التي شهدنا في غزة ومن ثم في لبنان.
2- إثارة جو من القلق والخوف من أن يوم الأحد لن ينتهي أمنياً على ما يرام. وعزّز ذلك تحذيرٌ من السفارة الأميركية في بيروت للرعايا الأميركيين من سلوك الطرقات التي سيسلكها موكب التشييع في بيروت في ذلك اليوم.
3- ترويج أخبار عن مقاطعة جهات دينية وسياسية لبنانية حدث التشييع الكبير، ثم تبينَ أن بعض هذه الاخبار ملفّق (مثال: الخبر المتعلق بمقاطعة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، وقد نفى المجلس ذلك في بيان رسمي).
4- ممارسة دول مهيمنة على المشهد اللبناني ضغوطاً على قيادات وفاعليات محلية من أجل إعلان مقاطعة التشييع أو التغيّب على الأقل. وقد اعتبر عضو مجلس النواب الأميركي جو ويلسون (جمهوري) في تصريح له أنّ أي سياسي لبناني سيحضر تشييع السيد نصر الله "إنما يقف مع النظام الإيراني". وهذا يُعدّ ضمن المحاولات الأميركية المتزايدة لإملاء السلوك على القيادات اللبنانية بشكل مباشر ودون مواربة.
5- قيام جهات نافذة في بعض المؤسسات بالضغط على الموظفين لديها وتهديدهم بعقوبات في حال بادروا إلى حضور التشييع، بعنوان أنها مؤسسات "محايدة" !
6- استعادة مناخ انقسام ساد البلاد عام 2005، واللجوء إلى تسويق بضاعة الفتنة المذهبية مجدداً عن طريق استخدام الشماتة في بعض المنصات الإعلامية .. وتناسى المعنيون في هذه المنصات ما يدّعونه من تحضّر وقيم في محضر الموت والفجيعة، حيث تفرض الأدبيات والشرائع مجموعة من قواعد السلوك الإنساني.
7- إشاعة أخبار ملفقة حول التحضيرات للتشييع من قبيل ادّعاء فرض رسوم على الدخول إلى المدينة الرياضية في بيروت، حيث ستقام المراسم.
8- إطلاق مزاعم عن تكاليف مراسم التشييع وأنها تبلغ عشرات ملايين الدولارات وأنه كان من الأَوْلى صرفها على الإعمار، وهي مزاعم يطلقها من يعمل في خدمة الذين يعرقلون وصول الأموال من أجل إعادة الإعمار.
9- انتقاد اختيار المدينة الرياضية مكاناً لإقامة مراسم الجنازة بدعوى أنها مؤسسة رسمية، وتهديد الدولة اللبنانية باعتبار ذلك "خضوعاً" منها لحزب الله وحركة أمل، بحسب المتموّل الإماراتي المسيّس خلف الحبتور.
10- توظيف توقعات الطقس لتثبيط همم الجمهور والحيلولة دون حضوره، فقد تحدثت التوقعات عن عاصفة قطبية شديدة لم يسبق أن عرفها لبنان منذ فترة طويلة وأنها ستطال بآثارها منطقة الساحل اللبناني، ومن ضمنها بيروت، في يومي السبت والأحد. وتبينَ، وفق التقديرات الجدّية، أن هذه التوقعات كان مبالغاً فيها جداً إلى حد أثار سخرية المعلقين على مواقع التواصل، وبقي التساؤل مطروحاً عن دوافع إطلاقها وربطها بمناسبة 23 الجاري.
وغنيّ عن القول، إن هذه الحملة لا تختلف عن أساليب الحملة الموجَّهة ضد إعادة إعمار ما هدمه العدوان الصهيوني، والتي تقوم على التشكيك والتخويف من عدم وجود الأموال للإعمار وشروط عربية وغربية وغير ذلك. وهاتان الحملتان تتفرعان من جهد إعلامي ضخم يدار من قبل دول ذات إمكانات مادية هائلة بهدف شيطنة المقاومة وترهيب جمهورها وزعزعة الثقة بها وتفكيك تحالفاتها.
صاغت أجهزة الدعاية المعادية صورة افتراضية لجمهور المقاومة في مرحلة ما بعد الحرب على أنه مهزوم ومحبَط، وأكثر من ذلك يحمّل المقاومة وسيدها مسؤولية الدمار الذي أحدثه العدو في البنى المدنية. ولذلك، يغيظها وينسف هذه الصورة التي تم تعميمها في التقارير والمقالات وأشكال إعلامية مختلفة أن ترى حضور جماهير المقاومة في لبنان ومن أنحاء العالم تحية للسيد الكريم الذي استشهد في ساحة الحرب، في غرفة العمليات المركزية وهو يقارع أسوأ عدو متوحش شهدته البشرية في العصر الحديث. ويتبدى كذلك أن المستكبرين بطبقاتهم المختلفة: السياسية والأمنية والإعلامية يخشون جنازة رجل كان بالكلمة والخطاب يملك ألباب الجماهير ويفنّد الرواية المعادية، دون أن يحتاج إلى الماكينات الضخمة التي تُصرف عليها المليارات.
وفي نهاية المطاف، تثبت هذه الأمة مجدداً أن الشهادة هي بداية حياة جديدة، فكيف إذا كانت شهادة القادة، وعلى الأخص شهادة القائد التاريخي للمقاومة الذي رافق انطلاقتها وتطويرها، ولعب دوراً بارزاً في مواجهة الهيمنة الأميركية على المنطقة، وسجّل موقفاً تاريخياً في إسناد فلسطين عام 2023 دفع فيه روحه بدون تردد على طريق القدس. وهو من خلال جمهوره الوفيّ على امتداد لبنان والعالم يرعب المستكبرين شهيداً، كما في حياته، مصداقاً لقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ، وَالْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ".
تشييع سيد شهداء الأمةإنا على العهدتشييع السيد الهاشمي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
22/02/2025
رسائل تجديد البيعة لمدرسة سيد شهداء الأمة
22/02/2025
السيد يُرعبهم شهيداً ... كما في حياته
21/02/2025
في الوداع وإلى الملتقى
20/02/2025
مشهد تشييع الشهيد القائد من منظور إستراتيجي
19/02/2025
نحن "في الحرب" التي لم تنتهِ بعد!
التغطية الإخبارية
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تقتحم بلدة عزون شرق قلقيلية
نادي الأسير الفلسطيني: تأخير الاحتلال في الإفراج عن الدفعة السابعة يمثل شكلاً من أشكال الإرهاب المنظم
غارة صهيونية استهدفت جرد قوسايا عند المنطقة الواقعة بين لبنان وسورية
بالفيديو| تسليم عدد من الأسرى الصهاينة في إطار الدفعة السابعة ضمن المرحلة الأولى من "صفقة طوفان الأقصى" لتبادل الأسرى
فلسطين المحتلة| الاحتلال يدفع بتعزيزات إضافية لقواته في جنين عبر حاجز الجلمة
مقالات مرتبطة

الضاحية تلبس سواد عاشوراء في وداع سيد شهداء الأمة

رئيس فرقة أنصار الله الإنشادية للعهد: القربان الذي قدمه حزب االله سيكون فاتحة نصر كبير إن شاء الله

زحف جماهيري كبير من البقاع إلى بيروت للمشاركة في التشييع

الإعلامية غدي فرنسيس: فكر الشهيد السيد حسن نصر الله لا يموت

حماس والجهاد وفتح: فقدنا معلمًا من معالم الجهاد والبطولة والمقاومة

مسؤول وحدة المهن الحرة في حزب الله: غدًا سيدكم ينتظركم
