إنا على العهد

آراء وتحليلات

مشهد تشييع الشهيد القائد من منظور إستراتيجي 
20/02/2025

مشهد تشييع الشهيد القائد من منظور إستراتيجي 

التزاماً بمدرسة الشهيد القائد الكبير سماحة السيد حسن نصر الله، فإن لحظات النعي أو التكريم لا تمر دون استخلاص العبر والدروس والرصد الإستراتيجي، وقد كانت عادته عند كل تأبين وهو يرصد المشهد من جميع جوانبه ويحلله تحليلاً دقيقًا برؤية ثاقبة وعقلية فذة، وهو ما يقود إلى قراءة تشييع الشهيدين الكبيرين، السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين من ذات المنظور الذي برع فيه الشهيد الكبير وكرسه في وعي الجماهير.

وكملاحظة أولية ومباشرة، وقبل الخوض في محاولة رصد المشهد المرتقب للتشييع من منظور إستراتيجي، فإن موعد التشييع لا تتعاطى معه جماهير المقاومة كمناسبة عادية للتأبين أو التكريم أو أداء للواجب، ولكن تتعاطى معه كمحطة مفصلية يؤجل لما بعدها الغضب والحزن والاستنفار، وهو التزام شعبي بالوفاء وتجديد البيعة وإعلان الصمود، في قراءة شعبية واعية مفادها أن هناك استفزازات ومؤامرات لتخريب المشهد المهيب المنتظر وأن البصيرة تقتضي تفويت الفرصة على من يستهدف هذا الإفساد، لأن المشهد في ذاته معادلة جماهيرية تقوم على الوفاء والتمسك بخط القائد، وترجمتها الإستراتيجية هي الحفاظ على المسار الإستراتيجي وعدم السماح بإعادة الزمن للوراء ولا المساس بالمعادلة التي تشكلت بالتضحيات والدماء.

والتشييع المرتقب لشخصية فذة وقيادة تاريخية بحجم سماحة السيد نصر الله وأخيه الشهيد هاشم صفي الدين، هو حدث له خصوصية وتفرد من عدة جوانب:

أولاً: من النادر أن تكون هناك قيادة تاريخية بهذا الحجم ولا ترتبط بمنصب رسمي مثل رؤساء الجمهورية أو الحكام التاريخيين، بل حفر الشهيد العظيم محبته وقَدْره وزعامته في قلوب الجماهير داخل وخارج لبنان وعلى امتداد حركات التحرر في العالم، ولو ترك الأمر لمشاركات شعبية لتخطى حجم المشيعين جغرافية لبنان المحدودة، ليصبح مشهد التشييع مشهدًا تاريخيًا عالمياً، وبالتالي فإن القيود والمحاذير على المشاركات الرسمية من ذوي المناصب الدولية تحول دون بيان تأثير القائد الكبير في السياسة الدولية، وكذلك الظرف اللبناني المعقد يحول دون بيان شعبية القائد وامتدادها على مستوى الأمة، بل وعلى المستوى العالمي.

ثانيًا: التشييع المتأخر بسبب ظروف المعركة لم يؤثر في سخونة الصدمة التي ضربت جمهور المقاومة، ولم يفعل الفاصل الزمني الكبير بين الشهادة والتشييع فعل الزمن في تخفيف الصدمات، بل على العكس، فإنه يستدعي حماسة الجماهير واستنفارها ويشكل حدثاً منفصلًا لتجديد العهد وللتعبئة النضالية.

ثالثاً: رهانات العدو على انزواء المقاومة وانكسار جمهورها تسقط مع كل وفاء للشهيدين الكبيرين يأتي في حديث لقادة الحزب وتأكيد على خط الشهيد في كلمة للأمين العام الشيخ نعيم قاسم، أو صور للشهيد ترفعها الجماهير وهي تحرر قراها وتخرج في تجمعاتها لتأكيد الولاء والانتماء.

من هنا تأتي أهمية هذا المشهد في أبعاده الإستراتيجية، بلحاظ العوامل تالياً:

1-  المراد صهيونيًا، هو العبث بمعادلة الردع، وترجمة ذلك إستراتيجيًا، هو إخلاء لبنان من المقاومة والعودة لما قبل العام 1982، ليتسق مع الإستراتيجية الصهيونية المستحدثة تحت عنوان عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر، والمنبثقة من الإستراتيجية الصهيونية العامة بخلق "الطوق النظيف" من المقاومة والتهديدات.

وبالتالي يشكل الخطاب الصامد في ذاته إفسادًا للرهان، بينما تشكل الترجمة العملية لخطاب الصمود بالالتحام والالتفاف حول المقاومة وتجديد العهد تثبيتًا للمعادلات، ولا شك أن مشهد التشييع المرتقب هو مشهد إستراتيجي من منظور المعادلات الخاصة بوجود المقاومة وثباتها على أهداف السيادة وحماية لبنان من جهة، والانخراط في جبهة المقاومة الواسعة التي تضع التحرير وزوال الكيان هدفاً إستراتيجياً لها من جهة أخرى.

2- الرهان الأمريكي على فرض "إسرائيل الكبرى" كوكيل للمصالح الأمريكية لن يتوقف عند الهدنة في لبنان، أو خلق تهدئة ممتدة تتخذ عنوان القرار 1701، بل يتدرج للوصاية على الدولة اللبنانية  والسيطرة على مقدراتها وتوظيفها في خدمة الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة من حيث السيطرة الاقتصادية على مجال الطاقة والتموضع الجيوستراتيجي القاطع للطريق على خصوم أميركا، وهذا لا يمر سوى بخلو لبنان من المقاومة التي تمكن الدولة من الحفاظ على الحد الأدنى من السيادة.

وهنا يجب أن يشارك لبنان بأطيافه كافة في هذا المشهد المقاوم والذي يتخذ التشييع رمزًا وعنوانًا، لأنه الأمل المتبقي للبنان للحيلولة دون ابتلاعه أمريكياً وصهيونيًا.

3- مشهد الوفاء للقائدين الكبيرين بصفتهما الرسمية في الحزب هو دلالة على تماسك الحزب وقياداته وتراتبية القيادة ووحدة الكلمة، وبالتالي إيصال رسالة أن خط الشهيد الكبير مستمر، والعدو وخصوم المقاومة يعرفون جيدًا هذا الخط وما يعنيه من صمود وتضحيات وثبات وقدرة على تجاوز الضغوط والتهديدات، ومقدرة على الإنجاز وتجاوز المحن والمحطات القاسية بما يشبه الإعجاز.

4- يتزامن التشييع مع تحقق توقعات الشهيد القائد وثبوت صوابية قراءته ورؤيته لمعركة طوفان الأقصى وأنها وجودية وسيتوقف عليها مستقبل المنطقة، وأن "إسرائيل" التي هي أوهن من بيت العنكبوت لا تقاتل بمفردها بل أميركا هي القائد للعدوان، وأن الهدف هو تصفية القضية وتهجير أهل غزة وأن الطوفان زلزل أرجاء الكيان، وهي أشياء تثبت بدقة مع تطور الأحداث، وبالتالي فإن خيار سماحته بالمواجهة والصمود يثبت أنه الخيار الصائب، ومن يخرج في هذا المشهد المرتقب للتشييع هو ملتزم بهذا الخيار، وهو ما يعني أن التشييع يتخطى نطاق التكريم إلى نطاق الاستنفار وإعلان الجهوزية للمقاومة وإشهار للسيف أمام السيف الأمريكي والصهيوني المسلط بالمنطقة.

إن مشهد التشييع المرتقب لا يرغب العدو وخصوم المقاومة في رؤيته، ويحاولون قطع الطريق على ظهوره، بينما يتشوق المقاومون في لبنان وخارجها له لإعلان الوفاء والالتزام بالعهد، وهو ليس يومًا عاديًا من أيام الإحياء والمناسبات، وإنما يوم كاشف لبعض من مناقب الشهيدين الكبيرين وقدرهما، وكاشف لعظمة ما غرسه الشهيد القائد في بيئة المقاومة، وإعلان عن استمرارية خيار المقاومة بنفس معالم مدرسة نصر الله والتي تتخذ من البصيرة مرتكزًا ومن تصاعد المسار الإستراتيجي منهجًا، ومن عدم السماح بالعودة بالمعادلات للوراء كخط أحمر عريض لا يقبل التهاون.

تشييع سيد شهداء الأمةإنا على العهد

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات