آراء وتحليلات
ما وراء أزمة المطار: الضغط الأميركي- الإسرائيلي يعرّض توازن لبنان لمخاطر كبرى
هل تنجح المعالجات في طيّ الأزمة التي نجمت عن قرار منع رحلات الطيران الإيراني إلى مطار بيروت؟ وهل القرار في هذا الشأن لبناني محض؟ وهل من ترابط بين هذا القرار ومجمل التطورات الناجمة عن العدوان الصهيوني والتدخلات الأميركية المباشرة في الشؤون اللبنانية؟
خطفت قضية منع الطائرات المدنية الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت والاحتجاجات التي تلتها على طريق المطار، الأضواء عن بقية الأحداث في الأيام القليلة الماضية. لكن عزلها بعضها عن بعض يبدو أمراً في غاية الصعوبة نظراً لوجود خيوط ارتباط بينها قوامُها التدخل الأميركي – "الإسرائيلي" المتصاعد في ما يجب على السلطة اللبنانية أن تفعله وما لا تفعله.
وجاء قرار المنع في سياق تهديد "إسرائيلي" موجَّه إلى الحكومة اللبنانية، لكنه أيضاً يعكس توجهاً أميركياً في موضوع الإشراف الأمني على مطار بيروت، حيث ظهرت في الشهور القليلة الماضية ملامح تشدد أمني من قبل العناصر المولجة أمن المطار في تفتيش القادمين من إيران، ما يؤدي الى تأخير في تسليم الحقائب العائدة لهم. وهذا ينطبق على الحقائب الدبلوماسية العائدة للسفارة الإيرانية في بيروت، كما حدث بداية الشهر الماضي. ولم توفر الإجراءات الوفد المرافق للدكتور علي لاريجاني مستشار الإمام السيد علي الخامنئي خلال زيارته بيروت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وتتم هذه الإجراءات بإشراف أميركي فرض نفسه تحت سطوة التهديد بتصنيف مطار بيروت الدولي منطقة خطرة أمنياً في حال لم تتعاون السلطات اللبنانية مع الجهات الأميركية بهذا الصدد.
ويندرج هذا السلوك الأمني في إطار يأخذ بُعدين اثنين:
الأول: منع إيصال أموال إلى لبنان موجَّهة لمصلحة حزب الله. وتتكون هنا رؤية أميركية- "اسرائيلية" تقول بضرورة فرض رقابة على تحريك الأموال من إيران إلى لبنان بهدف "منع حزب الله من إعادة بناء نفسه" بعد الحرب الأخيرة التي شنها العدو الصهيوني على لبنان. لكن الهدف الأوضح هو منع استخدام هذه الأموال من أجل إعادة إعمار المناطق التي هدمها العدوان. وتعمل الولايات المتحدة منذ زمن طويل على تجفيف الموارد المالية لحزب الله، حتى تلك التي تذهب للرعاية الاجتماعية والمشاريع التنموية، عبر ملاحقة المتبرعين والقنوات التي تصل من خلالها الأموال من الخارج إلى لبنان، ما أدى إلى قيود مصرفية خارجية وداخلية على تحريك رؤوس الأموال، وتم اعتقال عدد من اللبنانيين في الخارج بدعوى المشاركة في تحويل الأموال إلى حزب الله. واضطلعت وزارة الخزانة الأميركية بدور مباشر في ملاحقة هذه التحركات وتمويلها. وما حدث بعد العدوان الصهيوني الأخير على لبنان أن الأميركيين والصهاينة باتوا يرون أنه يمكن تكثيف الضغط على تحريك الأموال "الكاش"، أي من خارج النظام المصرفي، من أجل إثقال كاهل حزب الله وهو يحاول معالجة آثار العدوان الأخير. كما يجري العمل على مطاردة الموارد المالية التي يمكن أن تسهم في إعادة الإعمار، وبدأنا نسمع عن شروط أميركية لا بد من توافرها قبل منح لبنان أية مساعدات مالية. وبالتأكيد، تعمل الإدارة الأميركية على منع تدفق أية أموال من حكومات عربية وأجنبية إلى لبنان قبل تلبية هذه الشروط وفي مقدمها نزع سلاح المقاومة.
وبالتزامن، تعمل جوقة الدعاية الأميركية في وسائل الإعلام التقليدية وعلى مواقع التواصل على التشكيك في قدرة حزب الله على الوفاء بوعده في إعمار المناطق المتضررة. وهي تستغل كل تفصيل، مهما كان صغيراً، للقفز إلى الاستنتاج بـ "إفلاس" الحزب.
وفي مقام التأكيد على أهمية الحرب الدائرة على الجبهة المالية، لا بد من التذكير بأن العدو الصهيوني لم يوفر جهداً خلال الحرب الأخيرة لضرب المراكز التي يعتقد أنها تحوي أموالاً ومنها مراكز القرض الحسن، إمعاناً في محاولة حرمان مجتمع المقاومة من القدرة على النهوض بعد الحرب.
الثاني: التضييق على العلاقات اللبنانية- الإيرانية. يتسم هذا الأمر بأهمية خاصة في ضوء المساعي الأميركية لإضعاف دور الجمهورية الإسلامية في المنطقة من أجل الإفساح في المجال أمام ترويج الصفقات والتسويات التي تعدّها واشنطن لمصلحة الكيان الصهيوني، والتي تقف إيران لها بالمرصاد.
واكتسبت هذه المساعي زخماً جديداً مع التطورات التي حصلت في سورية في أعقاب سيطرة "هيئة تحرير الشام" على دمشق، حيث رأت واشنطن في ذلك تطوراً هاماً في سياق المواجهة التي تقودها ضد إيران. ولوحظ في هذا المجال المسارعة الأميركية الى الانفتاح على "الهيئة" حتى قبل إسقاط تصنيفها من دائرة "المنظمات الإرهابية".
ويحاول بعض المعلّقين التقليل من أهمية قرار منع هبوط الطائرات الإيرانية في بيروت، تارة بالقول إنه يمكن التعويض عنها برحلات للطيران اللبناني إلى طهران، أو بسفر اللبنانيين إلى إيران عبر العراق، أو حتى باستبدال شركة إيرانية محل شركة إيرانية أخرى مع إخضاع الشركة البديلة لشروط أمنية مشددة. وكل هذه الحلول تأتي لإرضاء الجمهور الغاضب حيال هذه الإجراءات التي تأتي انصياعاً رسمياً لطلبات العدو والإدارة الأميركية، وهي ليست أكثر من محاولة التفاف هدفها الأول والأخير إضعاف روابط الجمهورية الإسلامية بلبنان وشعبه المقاوم.
وتنبع المشكلة من أن بعض المسؤولين هنا وهناك لا يقدّرون حقيقة أن جزءاً مهماً من النسيج اللبناني يرتبط بالجمهورية الإسلامية الإيرانية دينياً (العلاقة مع المرجعية والدراسة الدينية وزيارة العتبات المقدسة) وثقافياً (التبادل العلمي الجامعي) واجتماعياً (مصاهرة وعائلات لبنانية تتحدر من أصول إيرانية) واقتصادياً (التبادل التجاري والسياحة)، وبالتالي لا يمكن اختصار الموضوع برحلات عرَضية. وقد ارتكب الحكم اللبناني في عهد الرئيس أمين الجميل خطأ فادحاً عندما أقدم في العام 1983 على قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، مستنداً إلى وجود القوة المتعددة الجنسيات التي كانت منتشرة في بيروت وضواحيها في تلك المرحلة. ولا شك أن العلاقات بين لبنان وإيران قد نمت وتطورات على صعد عدة منذ ذلك الحين، مما يصعب معه فك الروابط الوطيدة بين البلدين.
توقيت القرار
جاء هذا القرار في توقيت دقيق يمر به لبنان، ويمكن الإشارة إلى بعض ملامح هذه المرحلة:
- تزايد الخروق "الإسرائيلية" لسيادة لبنان على جميع المستويات، والمماطلة في الانسحاب من المناطق المحتلة في جنوب لبنان.
- تزايد التدخل الأميركي الفاضح في شؤون لبنان، بالاستفادة من حصيلة العدوان الصهيوني الأخير، بهدف استكمال الإطباق على لبنان من البر والجو والبحر. ولا يكاد يمضي يوم واحد إلا ويدلي مسؤول أميركي بتصريح يحدد فيه الطريقة التي ينبغي على لبنان أن يتصرف فيها وفق المنظور الأميركي المتشدد، وكان أكثر هؤلاء وقاحة نائب المبعوث الأميركي إلى المنطقة مورغان أورتاغوس التي عبّرت من بيروت عن امتنانها لـ"إسرائيل" على عدوانها الأخير على لبنان وطالبت بعدم إشراك حزب الله في الحكومة اللبنانية.
- فتح جبهة على حدود لبنان الشرقية، من خلال الهجوم الذي شنته "جبهة تحرير الشام" على البلدات الحدودية في البقاع الشمالي، والذي ترافق مع تهجير الآلاف من اللبنانيين المقيمين في سورية وحرق أو نهب ممتلكاتهم، وهؤلاء يقيمون في قرى داخل الأراضي السورية محاذية للحدود اللبنانية ولهم فيها منازل وأراض ومصالح منذ زمن طويل.
- التشويش على التحضيرات لتشييع سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله والسيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين، والتي يُرتقب أن يشارك فيها شخصيات ووفود من إيران ودول عربية وغير عربية.
لا شك أن الظروف الحالية تختلف عن مرحلة ما قبل الحرب الأخيرة، وتشهد تسابقاً وتكاملاً بين أمريكا و"إسرائيل" على محاولة إملاء شروط مسبقة على لبنان في مرحلة تشهد بداية عهد جديد، الأمر الذي يلقي بثقله على بنية لبنان وتوازنه الهش. وقد تسببت الخطوات الأميركية و"الإسرائيلية" بإضعاف انطلاقة العهد الذي يرأسه العماد جوزاف عون. وفي حال استمرت الأمور على هذا النحو، فمن المحتمل أن يشهد لبنان تداعيات مقلقة على الصعيد السياسي ويفتح الباب أمام احتمال توسعها في اتجاه الشارع. وهذا يتطلب رفع سقف الموقف اللبناني في اتجاه الإصرار على إيقاف الخروق "الاسرائيلية" ووضع حد للتدخلات الأميركية التي تستعجل وضع اليد على لبنان، بالتزامن مع سعي مكشوف ووقح لوضع اليد على غزة وتحويلها إلى منشأة عقارية أميركية.
ومن الضروري كذلك العمل على تطويق أي احتكاك بين الجيش والجمهور في الشارع، في لحظة تتطلب سدّ الثغرات التي قد ينفذ منها العدو ومن يرعاه.
لبنانالولايات المتحدة الأميركية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
20/02/2025
مشهد تشييع الشهيد القائد من منظور إستراتيجي
19/02/2025
نحن "في الحرب" التي لم تنتهِ بعد!
18/02/2025
اليمن يضع خطته لمواجهة ترامب
18/02/2025
مخطط أميركي مكشوف للصدام بين الجيش والمقاومة
التغطية الإخبارية
لبنان| وصول الوفود العربية المشاركة في جولة المؤثرين إلى مكان تشييع السيد الهاشمي في دير قانون النهر
اللجنة العليا لمراسم تشييع سيد شهداء الامة والسيد الهاشمي عن الحضور الرسمي في يوم التشييع: لن ندخل في الأسماء لكن يمكن القول إن رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي أكدتا المشاركة
اللجنة العليا لمراسم تشييع سيد شهداء الامة والسيد الهاشمي: نحن في أعلى درجات الجهوزية لاستقبال الحشد المهيب في يوم 23 شباط 2025
اللجنة العليا لمراسم تشييع سيد شهداء الامة والسيد الهاشمي: 23 شباط 2025 موعد لن ينساه أحرار العالم
اللجنة العليا لمراسم تشييع سيد شهداء الامة والسيد الهاشمي: سيتمّ نشر شاشات لعرض المراسم في كل الطرقات ويمكن لمن يصل للباحة القريبة أن يتابع عبرها
مقالات مرتبطة

انطلاق جولة الناشطين والمؤثرين من مختلف الجنسيات إلى الجنوب

نحن "في الحرب" التي لم تنتهِ بعد!

حماس تشيّع الشهيد القائد محمد شاهين في صيدا

الخطيب يلتقي وجهاء عشائر بعلبك الهرمل: على الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها من الآن وصاعدًا

رئيس الحزب السوري القومي لـ"العهد": مطمئنون لحكمة المقاومة وتشييع السيديْن الشهيديْن سيكون مليونيًا

معركة على تعيين شخصية في البنتاغون قد تحدد وجه سياسة الحزب الجمهوري

سياسات ترامب خلقت فرصة لخصوم أميركا وخاصة الصين

هل يعترف ترامب بتشكل التعددية القطبية؟
