آراء وتحليلات
نداء للشعوب في عصر إقامة الحجة
إيهاب شوقي
أضحى جليا بما لا يدع مجالا للشك أن محور المقاومة جدي في التصدي للعدو، وأن الشعارات المقاومة والقائمة على الصمود ورفض الذلة، ليست شعارات فضفاضة جوفاء، وانما شعارات صادقة تشكل برنامجا للعمل، وقد اختبرت مصداقيتها من الشام الى العراق الى اليمن الى ايران.
فلو كانت شعارات للاستهلاك لما صمد النظام السوري وسقط كثير من اعدائه والمتآمرين عليه، ولا زال القوس مفتوحا لسقوط المزيد.
ولو كانت عبارات فضفاضة مخادعة لتمكنت "داعش" ومن على شاكلتها من رقاب العراقيين، ونجحت في اقامة دولة على غرار الدولة السعودية ودولة العدو الصهيوني، واللتين قامتا بنفس الطريقة استغلالا لظرف دولي خلا من وجود مقاومة وانفرد فيه الاستعمار بتكوين ورعاية الدول الخادمة له وهندسة نظمها.
ولو كانت المقاومة تتاجر بالشعارات والدين والأمن القومي، لنجح العدوان على اليمن ولتولت حكومة عميلة السيطرة وتركت البلاد والشعب والمقدرات في يد الاستعمار عبر ذيل حاكم في الداخل.
ولو أن المقاومة اكذوبة لاستطاعت أمريكا منذ عقود هزيمة ايران واستعادة وجهها العميل والخادم للاستعمار بنسخته الشاهنشاهية.
لا نقول هنا إن المقاومة صمدت فقط وأثبتت مصداقية، بل نقول إن الأمر تعدى ذلك لنطاق تحقيق الإنجازات والمعاجز، مما تمكن معه بلد مخترق من كافة اطياف الاستعمار مثل لبنان، أن يصبح قلعة للصمود ويشكل شوكة في حلق العدو الصهيوني وراعيه الأمريكي، وتتحول امكانية غزوه في ايام والسيطرة على عاصمته في ساعات إلى كابوس ويصبح عنوانه هو عدم الجرأة في التفكير على اقتحام أي قرية فيه، بل واعادة التفكير والحسابات في مجرد الاقدام على قصف هدف فيه أو إدخال فرقة استطلاع او تسيير طائرة للتجسس. اليس هذا انجازا يصل لدرجة الاعجاز؟
ان هذا ليبطل حجة ان المقاومة خيار عبثي وأنها بمثابة الانتحار المجاني!
ولو كانت المقاومة شعارا فارغا، هل كانت صمدت دولة عربية كسوريا بتحالفها مع المقاومة ومحورها واصدقائها رغم كل الاستهداف وخلخلة الأمن والاختراق من كافة المحاور الاستراتيجية؟
هل العراق يستطيع مواجهة قوى ارهابية برعاية دولة لها نفوذ مثل امريكا ولها تدخل في الجيش وظلال احتلال لا تزال باقية بحكم ما حدث في العقدين الأخيرين، أم أن المقاومة فرضت نفسها على الساحة وعلى أمريكا وشكلت قوة استطاعت درء الخطر ولا تزال تقاوم النفوذ والاختراق الأمريكي بالداخل؟
هل كان لبلد منهك يعاني من الفساد والفقر مثل اليمن أن يقاوم قوة عاتية برعاية استخباراتية صهيو - أمريكية وتواطؤ دولي يشكل عارا دوليا وعربيا واسلاميا، لولا عقيدة المقاومة والايمان والصمود، لتصبح هذه المقاومة الآن ذات اليد الطولى وصاحبة المبادرة وتتحدث بكل عزة وإباء، بينما العدوان مرتبك ولا يستطيع حتى تقدير الموقف ولا لملمة أوراقه ليبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهه؟
هل كانت دولة محاصرة منذ اربعين سنة مثل ايران، ويتصاعد حصارها تدريجيا أن يتصاعد انجازها تدريجيا بتناسب عكسي مع الحصار والاستهداف، لولا عقيدة المقاومة ومصداقيتها؟
رأينا جميعا القوى والدول التي تتاجر بالدين وأيضا بالمقاومة، وفشلت في اختبارات الصمود والتحدي وقدمت التنازلات، وفشلها ناتج إما عن خلل في عقيدة المقاومة لديهم أو لأنها كانت شعارا كاذبا للمتاجرة.
والعبرة هنا ليست بالهزيمة وانقضاء المشروع وانحساره، وانما بالثبات حتى اللحظة الأخيرة، فلعل أنظمة سقطت ولم تفرط ولعل انظمة باقية وتقدم يوميا التنازلات. والحكم هنا يكون على الثوابت ومدى التمسك بها. وفي مصر كان هناك مشروع مقاوم ظل حتى النفس الأخير يعد للمعركة مثل مشروع عبد الناصر، والذي يؤرخ لانحساره وهزيمته ليس بهزيمة عسكرية في عام 1967، وانما بموت زعيمه وبداية التفريط منذ تسليمه لقيادة تابعة لا تؤمن بالمقاومة رغم انتصار عسكري ظاهري أخفت القيادة داخله هزيمة استراتيجية بالتخلي عن خيار المقاومة.
هل لو خلت القضية الفلسطينية من المقاومة واستسلمت لكافة الضغوط والتحولات لقوى مقاومة سابقة اعتمدت خيارات أخرى، هل كانت لتبقى من القضية أية اشلاء للحقوق، أم أن فلسطين كانت ابتلعت كما ابتلعت امريكا وتحول شعبها لهنود حمر جدد ، تحولوا الآن في أمريكا لبقايا عرقية تنقرض يوما بعد يوم؟
نحن الآن أمام مرحلة نستطيع باطمئنان أن نقول فيها إنها مرحلة اقامة الحجة، وثبوت بالدلائل القاطعة لحتمية خيار المقاومة وأنها ليست بديلا أو توجها، وإنما خيار حتمي وحيد، ونستطيع باطمئنان أن نقول إن هناك معسكرين يحملان في داخل كل منهما أطيافاً عدة.
فهناك معسكر للعدوان والاستعمار متحالف مع توابع وذيول، ويشمل هذا المعسكر أطيافا مسلمة سواء من (بعض السنة) او (بعض الشيعة) أو (المسيحيين) أو أطيافاً من اليسار والبعث والقوميين والناصريين والليبراليين وغيرهم من التنوعات.
وهناك معسكر مقاوم يشمل هذه الأطياف الدينية والمذهبية والسياسية.
نحن أمام مشروعين واضحين يخلوان من الشبهات والالتباسات، وهما معسكران تاريخيان، بل ويمثلان سنّة كونية، حيث عرف التاريخ دوما معسكرين، أحدهما للبغي، والآخر للمقاومة ورفض الذلة، وكانت هناك دوما مراحل متعددة في الصراع الوجودي بين المعسكرين، وتميزت بعض المراحل بالالتباسات مما عرفت بأنها مراحل فتنة، ولا نستطيع أن نقولإننا اليوم في فتنة، لأن الأمور جلية وواضحة.
فكل من يختار الانضمام لمعسكر منهما، فهو يعلم جيدا أي القيمتين اختار، البغي أو المقاومة.
ولا مجال لحياد يخذل الحق ولا ينصر الباطل. وأيا كان التباين في التقديرات بين حرب ستقوم أو مفاوضات ستعقد أو استمرار لوضع رمادي يعتمد على طول النفس وصراع للإرادات (وهو ما نميل إليه)، فإن الالتباس مفقود والحجة قائمة ولا مجال للتردد.
كما أنه لا مجال للتفلسف والتكلف والحياد المعيب لبعض القوى والشخصيات، بحجة أن الصراع قائم بين معسكرين لا يحملان ايدلوجية متوافقة مع التوجه السياسي أو الانتماء الفكري أو العقدي، فالصراع هو انساني قيمي عابر للايديولوجيات، هو صراع قائم على أسس وأصول مؤسسة للايديولوجيات، فهو صراع على الحقوق والكرامة والعدل والشرف، وهي قيم من المفترض أنها أسست لأًصول الأيديولوجيات المختلفة التي تدعي كل منها التأسيس للنهوض بهذه القيم وتحقيقها.
إن كانت للقوى السياسية حسابات ومصالح، وإن كانت لبعض الأشخاص نفوس مضطربة واهواء خاصة، فإن الخطاب موجه للشعوب بفطرتها النقية الخالية من حسابات المصالح الضيقة والتفلسف والفذلكات الفارغة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024