آراء وتحليلات
المقاومة وجهًا لوجه مع المستعمر الأمريكي الذي خلع قناع الوساطة
ربما الأمر الوحيد الذي نجحت فيه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تهجير أهالي غزة واستلام أميركا للقطاع لتحويله إلى "ريفيرا" الشرق الأوسط، هو التشويش على انتصار جبهات المقاومة الإستراتيجي، والذي أحبط الداخل الصهيوني وأوشك على الإطاحة بالائتلاف الحكومي لمجرم الحرب نتنياهو.
حيث شكلت هذه التصريحات الفجة، والتي لا تنتمي لعالم السياسة أو النظام الدولي الحديث حرفا للانظار عن مشهد عودة الأهالي بعد خمسة عشر شهراً من الحرب الجنونية التي دمرت القطاع وقتلت وأصابت ما يقرب من 7% من أهل غزة ومعظمهم من النساء والأطفال، ووجهت الأنظار إلى الأنظمة العربية ولا سيما النظامين المصري والأردني لمعرفة الكيفية التي سيتعاطى بها النظامان مع هذا الإملاء المحرج والمناقض لأمن الدولتين والذي يشكل حرجاً غير مسبوق لأي نظام عربي، مهما كان تابعًا وخاضعًا للهيمنة الأمريكية.
ولعل إصرار ترامب رغم محاولات التخفيف من فجاجة طرحه عبر أبواق دبلوماسية أمريكية، يؤكد صوابية تقدير المقاومة وجبهاتها منذ اليوم الأول عندما شخصت العدوان وحرب الإبادة بأنها حرب أمريكية بامتياز، ليس من جانب الدعم والتمويل والإمداد بالسلاح والذخائر الفتاكة فقط، وإنما من حيث المصالح الجيوسياسية والجيوستراتيجية بالمنطقة وبالصراع الدولي في ذات الوقت مع الخصمين الصيني والروسي.
كما يؤكد تسريب عرض بايدن على مصر ذات الطرح مقابل إسقاط ديونها، أن هناك تقاطعاً بين ترامب والرئيس السابق بايدن في نفس المشروع، وأن الإستراتيجية الأمريكية ثابتة، وأن رؤساء البيت الأبيض هم وجوه لعملة واحدة، ومجرد موظفين منفذين لإستراتيجية الهيمنة، وإن اختلفت طرق الطرح والعناوين.
هنا يجب التوقف والتأمل في الطرح الأمريكي وخاصة بعد لقاء نتنياهو وترامب وتصريحاته التي أعقبت لقاء ترامب، وتصريحات اليمين الصهيوني وما بدا أنه تحدٍ للمجتمع الدولي الذي سارعت دوله ومؤسساته إلى رفض خطة ترامب، كما بدا انه استهانة بل وإهانة للأنظمة العربية التي أعلنت تكتلها لمواجهة هذا الطرح، وذلك عبر هذه الملاحظات:
1- محاولات تخفيف طرح ترامب دبلوماسياً عبر بيان أنها خطة إنسانية وواقعية وأنها صفقة عقارية لم تغير من العنوان الرئيسي للطرح شيئاً وهو التهجير والتطهير العرقي، ولم تغير من الواقع الأمني للأنظمة العربية شيئًا، فلو كانت لحفظ ماء وجه الأنظمة حتى لا تبدو مفرطة، فقد فشلت لأن واقع مخاوف الأنظمة هو أمني بالأساس، لأنه بمنزلة توريط لهذه الأنظمة في الصراع بعد أن تخلت عنه وهربت إلى دور الوساطة وبعد أن تخلت عن دعم المقاومة وهربت إلى الدعم بالتصريحات السياسية الدعائية، وبالتالي فإن الأزمة قائمة بين ترامب وبين هذه الأنظمة وتتصاعد بشكل منتظم لتتحول إلى مبارزة إستراتيجية وعض للأصابع.
2- استمرار اتفاقية وقف إطلاق النار رغم هذه التصريحات يدل على أن أميركا والكيان لايملكان سبيلاً اخر لتحرير الأسرى غير التفاوض وغير الاتفاق مع حماس وفصائل المقاومة، واستمرار احترام المقاومة للاتفاق رغم الطرح الامريكي الناسف لأي تفاهمات هو دليل ثقة واقتدار، وبالتالي فإن تعميق العدوان على الضفة مع استمرار وقف إطلاق النار بغزة يشي بأن هناك نوايا عسكرية غادرة بالضفة فقط، بيينما النوايا في غزة لن تتخطى الضغوط السياسية عبر عرقلة إعادة الإعمار ومحاولة مقايضة ذلك بخروج قيادات حماس والتخلي عن أي ملمح للسيطرة أو الحكم في غزة وتحويل غزة إلى وضع يشبه "رام الله" محكوم بسلطة للتنسيق الأمني وملاحقة المقاومة، مع إضافة أن هذه السلطة مختلفة عن السلطة الفلسطينية التي ترفض "إسرائيل" تسليمها غزة لقطع أي ارتباط بين غزة والضفة وقطع الطريق على أي ملمح لدولة فلسطينية.
وبالتالي فإن المتوقع هو استمرار وقف إطلاق النار لحين انتزاع الأسرى الصهاينة وتخفيف الضغط على الداخل الصهيوني، والتملص من مرحلة إعادة الإعمار والتي جاء الاتفاق حولها في المرحلة الثالثة، وهو البند الذي تشي خطة ترامب وتصريحات نتنياهو بأنه سيكون محل الضغط السياسي، حيث المزمع هو تحويل قطاع غزة إلى مكان لا يصلح للعيش وطارد للسكان، وبالتالي يهاجر ساكنوه طوعًا، مثلما صرح نتنياهو واليمين الصهيوني حول التهجير بلغة مخففة بعنوان "التشجيع على الهجرة الطوعية".
3- الصفقة العقارية التي يتحدث عنها التاجر الأمريكي ترامب، هي مجرد بند من عدة بنود تشكل المصلحة الأمريكية بالمنطقة، والتي لم يكشف ترامب جميع أوراقها، فالمطامع الإستراتيجية في غزة عديدة ومتنوعة، بداية من حقول الغاز البكر والمشاريع الاستثمارية الساحلية، والسيطرة الجيوستراتيجية في شرق المتوسط، ناهيك عن تدمير أنفاق المقاومة وشق قنوات على غرار قناة "بن غوريون" وغيرها من الأوهام الإستراتيجية للعدو التي تفترض خلو غزة من المقاومة والسكان.
والخلاصة، أن أميركا والكيان لايستطيعان ضم غزة بقوة السلاح ولا التضحية بمزيد من الجنود الصهاينة ولا تتحمل أميركا مشهد عودة توابيت القتلى الأمريكان، وبالتالي فإن ما حدث هو تشويش على نصر المقاومة وتصوير أن اليد العليا للأمريكي الذي يأمر وينهى، وهي ممارسة لحرب نفسية على أهل غزة ونوايا مبكرة لعرقلة إعادة الإعمار وبالتالي تيئيس الشعب الفلسطيني وإجباره على الهجرة، وهو ما ينتقل بالمعركة من السلاح إلى نطاق آخر يخص الإرادة والصمود، وهو ما واجهته المقاومة مبكراً برفعها للافتات "نحن اليوم التالي" في أثناء مشاهد تسليم الأسرى الصهاينة، وهو ما تواجهه جبهة المقاومة بالكامل في لبنان واليمن وإيران بالتأكيد على متانة التحالف والإعلان الدائم عن الجهوزية لاستئناف القتال، وهو ما يجعل المواجهة اليوم بين المقاومة والأمريكي وجهًا لوجه بعد أن خلع الأمريكي قناع الوساطة الزائفة.
فلسطين المحتلةغزةبنيامين نتنياهودونالد ترامبالمقاومة
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
11/03/2025
ملامح الخطط الأمريكية الشيطانية للبنان
11/03/2025
غزة بين الجحيم والتهديد والحيل
10/03/2025
الساحل السوري: خطاب التكفير يقود الى إبادة
التغطية الإخبارية
فلسطين المحتلة| اندلاع مواجهات عنيفة بين الشبان وقوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيت فوريك شرق نابلس
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تقتحم مدينة قلقيلية
مستوطنون يحطمون مركبات الفلسطينيين قرب قرية مادما جنوب نابلس
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تنكّل بالشبان خلال اقتحام قرية أوصرين جنوب نابلس
مقالات مرتبطة

تواصل الخروقات "الإسرائيلية" في غزة: 10 أيام على إغلاق المعابر وشهيدة جنوب القطاع

تناقض بين أميركا و"إسرائيل" حيال غزة: مفاوضات أم إعادة احتلال؟

من المغرب ...تحية نسائية نضالية للمرأة الفلسطينية

عضو مجلس أمناء حركة التوحيد الإسلامي لـ"العهد": العدوّ الصهيوني الغدار لا تردعه إلا القوّة والمقاومة

فلسطينيون يشيدون بموقف السيد الحوثي تجاه غزّة: نشكر أهل اليمن

غزة بين الجحيم والتهديد والحيل

رغم التصريحات عن "أبواب الجحيم": أميركا لا تريد استئناف النيران في قطاع غزة

السعودية وقطر تدينان قطع "إسرائيل" الكهرباء عن قطاع غزة

توتر بين نتنياهو ورئيس الشاباك والأخير يغيب عن اجتماع الكابينت

أسرى صهاينة مفرج عنهم يُطالبون نتنياهو بتنفيذ الاتفاق بالكامل دون مماطلة

حماس: جهود الوسطاء مستمرة لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار

حماس تُطالب بالتحرك العاجل لوقف جريمة التجويع والحصار في غزة

هآرتس: "إسرائيل" المحيطة بأربعة أسوار.. انهارت في ساعة الاختبار

ترامب يواصل حربه التجارية على كندا ويهدّد بإغلاق قطاع تصنيع السيارات فيها

ملامح الخطط الأمريكية الشيطانية للبنان

خطاب الإمام الخامنئي حول المفاوضات مع أميركا تصدّر الصحف الإيرانية

قاليباف: تصريحات ترامب حول المفاوضات هدفها الخداع ونزع السلاح من إيران

هل أضاع العرب قمة الفرصة الأخيرة بمخرجات تخلو من الأنياب؟

العرب بعد قمة القاهرة.. إلى أين؟

في نينوى.. معرض فني عن قادة النصر والمقاومة
