آراء وتحليلات
لماذا يرفض العراق ورشة المنامة الاقتصادية؟
بغداد:عادل الجبوري
قبل حوالي أسبوعين، أصدرت وزارة الخارجية العراقية بياناً أوضحت فيه موقف العراق من الورشة الاقتصادية المزمع عقدها في العاصمة البحرينية المنامة، يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من شهر حزيران - يونيو الجاري، قالت فيه: "ان العراق لن يشارك في مؤتمر البحرين، وذلك يعود لموقفه الثابت من القضية الفلسطينية، وهو حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الموحدة وعاصمتها القدس الشريف، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف".
وزارة الخارجية العراقية، عبرت في بيانها عن موقف بغداد الرسمي، من حدث مرتقب، اثار -وما زال- الكثير من السجال والجدل في مختلف الاوساط والمحافل السياسية والاعلامية والفكرية والثقافية.
وقد اقترن الموقف الرسمي العراقي، بمواقف غير رسمية، عبرت عنها شخصيات ونخب سياسية وشعبية متنوعة، عززت موقف الحكومة، واطلقت رسالة قوية وعميقة، أجابت عن تساؤل مهم وحساس عن موقف العراق ازاء ما يجري في المنطقة، من بعض التوجهات الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية عبر صفقات كواليسية مريبة تتبناها الولايات المتحدة الاميركية ومعها الكيان الصهيوني وعدد من الانظمة العربية الخاضعة والمهادنة.
يستند موقف العراق الرافض بمختلف عناوينه ومسمياته واتجاهاته لورشة المنامة، على حقيقة اساسية ومهمة، مفادها ان حل القضية الفلسطينية واعادة الحقوق الملتبسة الى أصحابها المتمثلين بأبناء الشعب الفلسطيني، لا يتحقق عبر المؤتمرات التصالحية والتساومية، واتفاقيات التسوية والورش الاقتصادية، ولو كان الامر كذلك، لتحقق السلام الحقيقي من خلال مؤتمر كامب ديفيد، والكثير من المؤتمرات اللاحقة له، من قبيل مؤتمر مدريد ومؤتمر اوسلو، ومؤتمر واي بلانتيشن، وغيرها، ولو كان الامر كذلك لتحقق السلام في المنطقة بعد اقدام بعض الدول على اقامة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية مع الكيان الصهيوني، وتبادل فتح السفارات، مثلما حصل بين مصر والاردن من جهة والكيان الصهيوني من جهة اخرى، في عامي 1977 و 1994.
وارتباطا بهذه الحقيقة الاساسية والمهمة، فإن رؤية العراق تقوم على مبدأ لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهله أو القفز عنه، وهو أن الحل الحقيقي والصحيح، يتطلب أن يكون الفلسطينيون طرفاً رئيسياً فيه، وهذا لم يكن موجودا بصورة فعلية في كل مشاريع ومبادرات التسويات السابقة، والملفت والمتوقع انه لن يكون للفلسطينيين حضور ومشاركة في ورشة المنامة، واكبر دليل على ذلك ان القوى والفصائل والشخصيات الفاعلة في الساحة أعلنت بصورة واضحة للغاية رفضها القاطع لورشة المنامة، معتبرة اياها خدعة، وخطوة لانهاء القضية الفلسطينية بالكامل، من خلال اخصاعها لصفقة تجارية، في حال نجحت ستكون "اسرائيل" الرابح الوحيد فيها ومعها الولايات المتحدة الاميركية.
وعدم مشاركة الفلسطينيين في ورشة المنامة، أمر طبيعي ومنطقي جدا، والذي لا يمكن أن يترتب عليه الا الفشل والاخفاق، ومن بين ما يقوله العراقيون، "كيف نشارك في مؤتمر لحل القضية الفلسطينية، والفلسطينيون انفسهم يرفضونه ويقاطعونه، ويعتبرونه مؤامرة عليهم؟".
ليس هذا فحسب، بل ان مساحات الرفض والمقاطعة لورشة المنامة تتسع كثيرا، لتشمل حكومات عربية، وقوى وتيارات واحزاباً ذات توجهات ومتبنيات سياسية وفكرية مختلفة، ربما كان البعض منها محسوبا على الفضاء السياسي القريب من واشنطن وحلفائها في المنطقة، ناهيك عن ان اطرافا اخرى اكتفت بتمثيل متواضع دفعا للحرج، وبفعل ضغوطات واشنطن و"تل ابيب" والمنامة والرياض وابو ظبي عليها، ولعل الاردن يعد ابرز مثال على "المشاركة على مضض"، حينما قرر ارسال الامين العام لوزارة المالية في الحكومة ليرأس وفد بلاده الى ورشة المنامة، مع توضيح من وزارة الخارجية يؤكد "موقف الأردن الواضح بأن لا طرح اقتصادياً يمكن أن يكون بديلا لحل سياسي ينهي الاحتلال ويلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق".
والنقطة الجوهرية الاخرى، التي يستند اليها الموقف العراقي الرافض، تتمثل في ان ورشة المنامة، من اية زاوية نظرنا اليها وتعاطينا معها، لا تخرج عن اطار المساعي والجهود الاميركية - الاسرائيلية ومن ورائها أطراف اقليمية، لمحاصرة واضعاف جبهة المقاومة، لا سيما محورها الرئيسي المتمثل بالجمهورية الاسلامية الايرانية، أكثر من التوجه الجاد والصادق للتوصل الى حل مقبول وعادل للقضية الفلسطينية.
لا شك أن توقيت عقد الورشة، وهوية المتحمسين والمشاركين فيها، مقابل الرافضين والمقاطعين لها، وفحوى موضوعاتها، التي تبدو تمهيدا لتمرير صفقة القرن، يؤكد بما لا يقبل الجدل والنقاش، ان واشنطن و"تل ابيب" وبعض العواصم العربية، تريد استخدام القضية الفلسطينية كورقة للضغط والمساومة وتحقيق المكاسب والتمدد والتوسع والهيمنة.
وبما أن العراق يدرك كل هذه الحقائق، ويدرك تبعاتها وآثارها الخطيرة، فقد كان من الطبيعي ان يؤكد بوضوح وصراحة موقفه الرافض، رغم الضغوطات والانتقادات التي تعرض لها، والتحذيرات والتهديدات التي تلقاها بصورة او بأخرى من الاطراف الراعية والمنظمة للورشة.
واذا كانت صيغة الارض مقابل السلام قبل اربعين عاما قد فشلت، وبعدها فشلت ايضا صيغة السلام مقابل السلام، فأغلب الظن -ان لم يكن من المؤكد- ان تنتهي صيغة السلام من اجل الازدهار التي رفع لافتتها صهر الرئيس الاميركي، جاريد كوشنير، الى ذات المصير، لانها اتخذت ذات المسارات السابقة الخاطئة وتأسست على نفس الحقائق الزائفة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024