آراء وتحليلات
المواجهة الإيرانية - الأمريكية: لا حرب ولا مفاوضات؟
سركيس أبوزيد
ما حصل مؤخراً في مياه الخليج مختلف تماماً عما سبقه من أحداث وتطورات. ھذه المرة حصل اصطدام مباشر بين إيران والولايات المتحدة. الحرس الثوري الإيراني الذي صنّفته واشنطن "منظمة إرھابية" يُسقط طائرة أميركية مسيّرة ويعلن مسؤوليته عن الحادثة من دون تردد وتلعثم، في سياق معركة الدفاع عن حدود إيران وسمائھا وأمنھا.
التطورات التي حصلت في الفترة الأخيرة القليلة الماضية، ووفق مسار تصاعدي متدرج، من استھداف ناقلات في ميناء الفجيرة الإماراتي، الى ضرب خط نفطي ومطار مدني في السعودية، وصولا الى تفجير ناقلتي نفط (نروجية ويابانية) في مياه عُمان، كلھا أحداث مھددة ومزعزعة لأمن الخليج، لكنھا لا تنطوي على خطر نشوب مواجھة أميركية - إيرانية والانزلاق الى حرب. وأميركا، رغم توجيھھا بعد حادثة ناقلتي النفط اتھاما صريحا ومباشرا الى إيران، ظلت تردد أنھا لا تريد الحرب، وأوحت أن لا رغبة ولا خطط لديھا بالرد عسكريا.
اليوم تغيّر الوضع وتبدّل المشھد: إيران حشرت ترامب في الزاوية الصعبة واستدرجته الى ملعبھا و"خربطت" حساباته وجدول أعماله الذي حفل بعقوبات اقتصادية وضغوط دبلوماسية، وخلا من بنود وخيارات عسكرية. والآن، فإن مصداقية ترامب وھيبته على المحك، وھو الذي كان يھدد دوما بأنه إذا تعرضت مصالح أميركية لھجمات إيرانية، فإن واشنطن لا يمكنھا أن تقف مكتوفة الأيدي وسترد.
وبالفعل هذا ما حصل، إذ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وافق على توجيه ضربة عسكرية لأهداف إيرانية ردا على إسقاط طائرة مسيرة أمريكية، قبل أن يتراجع عن هذه الخطوة بشكل مفاجئ. وأشارت الصحيفة إلى أنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب قد غير رأيه ببساطة بشأن الضربات أو أن الإدارة قد غيرت المسار بسبب اللوجستيات أو الاستراتيجية، كما أنه من غير الواضح أيضا إذا كان شن الهجمات لا يزال أمرا محتملا.
من الواضح أن مصداقية ترامب على المحك وموقفه محرج للغاية: فإذا امتنع عن الرد يكون قد أطلق مؤشر ضعف تجاه إيران، وإذا بادر الى الرد سيكون عليه التحسّب للمفاجآت والنتائج، وسيكون لزاما عليه أن يتبع "الرد المدروس والمحسوب" بدقة، لتفادي نتائج كارثية على الشرق الأوسط، كما يقول بوتين، في حال كان الرد عسكريا، وللحصول على نتائج فعّالة ومضمونة في حال كان الرد سياسيا.
على الجانب الأوروبي، فإن الأوروبيين يجدون أنفسهم محشورين بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني. وفي أي حال، قامت السلطات الفرنسية بتنبيه الجانب الإيراني إلى أن "نقض الاتفاق إيرانيا" سيعني آليا خسارة الدعم الأوروبي، والتحاق الأوروبيين بالركب الأميركي، وھم على أي حال ليسوا بعيدين كثيرا عنه باعتبار أنھم يطالبون طھران بتحجيم برنامجھا الباليستي - الصاروخي وبتغيير نھج سياستھا الإقليمية، وأخيرا بفتح الباب أمام إعادة التفاوض بصدد مستقبل أنشطتھا النووية لما بعد عام 2025 ، وھي نقاط ثلاث تتشارك فيھا مع إدارة ترامب.
أما على الجانب الإسرائيلي، فعلى الرغم من سعيھا الحثيث إلى الدفع باتجاه المواجھة مھما كانت الأثمان، لا تخفي "تل أبيب" خشيتھا من أن تكون على لائحة أھداف محور إيران، كواحدة من نتائج التصعيد المتنامي بين إيران والولايات المتحدة.
الكرة باتت الآن في ملعب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. بعدما ردت طهران بأن لا مفاوضات ولا حرب وأنھا لا تقبل باستمرار الحرب الاقتصادية وتضييق الخناق عليھا، الأنظار تتجه الى الرد الأميركي وماذا سيفعل ترامب: ھل يرد عسكريا أم يرد بتخفيف العقوبات لفتح باب المفاوضات، أم يفعل مثل الإيرانيين: لا حرب ولا مفاوضات ويقبل بقواعد اللعبة التي رسمتھا إيران، وبأن استمرار العقوبات يوازيه استمرار العمليات؟!
الخبير الاستراتيجي كينيث بولاك، الباحث في مؤسسة "أميركان أنتربرايز" والمؤلف لعدد من الكتب والدراسات عن إيران والعراق، يزعم أن إيران مسؤولة عن الھجمات، وأن نشاطات النظام الإيراني مدروسة بدقة وھي تستھدف حلفاء واشنطن، ومبنية على الافتراض أن الرئيس ترامب لن يدخل في حرب مع إيران للدفاع عن مصالح حلفائه مثل السعودية ودولة الإمارات. من جهة أخرى، فإن تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون تؤكد العكس.
في الخليج، يعتبر محللون وخبراء أن خيارت السعودية ودول الخليج محدودة : شن حرب شاملة على إيران، أو الھجوم على أھداف منتقاة، مثل مرافق إيرانية مھمة، أو رفع مستوى الحماية ضد أي ھجمات جديدة، أو بناء قوة دولية بحرية في الخليج .
بقاء الوضع في دائرة الخطر يبقي الترقب سيد الموقف ومعه حال الغموض وعدم اليقين إزاء الأزمة وكيف ستتطور في الأشھر القليلة المقبلة، وقبل دخول الولايات المتحدة في فلك انتخابات الرئاسة والوقوع تحت تأثيرھا.
في النهاية، منطقة الخليج والشرق عامة، تقف عند مفترق طرق حساس وعلى أبواب مرحلة خطيرة في غموضھا وتقلباتھا: من جھة، جاءت التطورات مؤخراً لتقربھا من خطر الحرب التي باتت عناصرھا متوافرة لكن ينقصھا القرار السياسي والإرادة السياسية بالحرب، ولكن، يبقى أن خطر الانزلاق الى الحرب ھو خطر موجود مع أي خطأ غير محسوب أو غير مقصود يمكن أن يحصل. من جھة ثانية، يمكن لھذه التطورات أن تقرّب أيضا وأن تسرّع وتيرة الذھاب الى المفاوضات.
في ظل المواجھة الأميركية - الإيرانية المنطقة متأرجحة بين "حرب كبرى" أو "مفاوضات كبرى"، بين حرب مستبعدة ومفاوضات مؤجلة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024