نصر من الله

آراء وتحليلات

"الشهادة والسيادة" والحضور الدائم للشهداء القادة
02/01/2025

"الشهادة والسيادة" والحضور الدائم للشهداء القادة

في هذا العام، وكما هو الحال بالنسبة للأعوام الأربعة الماضية، حظيت الذكرى السنوية لاستشهاد قادة النصر، الشهيد الحاج أبي مهدي المهندس، والشهيد الحاج قاسم سليماني، باهتمام استثنائي كبير من قبل مختلف الأوساط والمحافل الشعبية والسياسية والنخبوية العراقية، وتجلى ذلك الاهتمام الاستثنائي، بالعديد من المظاهر الاحتفائية التي اتخذت أشكالاً وصورًا مختلفة، تحت عنوان شامل وواسع هو "الشهادة والسيادة".   

ولا شك أن مظاهر إحياء ذكرى الشهيدين القائدين الكبيرين، عكست وأوضحت حقائق في غاية الأهمية.

تمثلت الحقيقة الأولى في أنَّ هذين القائدين اضطلعا بأدوار حاسمة ومحورية في الحرب ضد الإرهاب، وضد القوى الخارجية التي كانت، وما زالت، تسعى لفرض مشاريعها وأجنداتها التوسعية وتمرير مؤامراتها، عبر مختلف السبل والأدوات والوسائل، ولم يقتصر نطاق عملهما ونشاطهما على العراق فقط، بل امتد حيثما كان للإرهاب التكفيري وجود وموطئ قدم، وكان يشكل خطرًا وتهديدًا للشعوب والمجتمعات الآمنة والمسالمة، كما  هو الحال في لبنان وسورية واليمن والعراق وإيران وأفغانستان، وغيرها.

أما الحقيقة الثانية التي عكستها مظاهر إحياء ذكرى استشهادهما، فقد تمثلت في أن الشهيدين  الكبيرين، أسسا لمنهج متطور وعملي وفاعل للمقاومة، كان من أبرز ثماره القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي وإلحاق الهزيمة به في العراق بغضون ثلاثة أعوام ونصف عام، فيما كان الساسة والقادة العسكريون والخبراء الأميركيون والغربيون يقولون إن القضاء على "داعش" يتطلب ثلاثين عاماً!.

وهذا المنهج المتطور والعملي والفاعل تكامل مع منهج حزب الله اللبناني المقاوم، ومع منهج القوى والحركات الفلسطينية المقاومة المتصدية للكيان الصهيوني، ومع منهج حركة "أنصار الله" اليمنية وغيرها، ليشكل جبهة واسعة ومؤثرة ومقلقة للأعداء، برزت وتجلت مصاديقها بصورة واضحة جدًا في معركة "طوفان الأقصى" التي كشفت عن ضعف وخواء وهشاشة الكيان الصهيوني الغاصب.    

بينما تمثلت الحقيقة الثالثة في أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باستهدافهما وتصفيتهما، وبصورة علنية فاضحة، أكد بما لا يقبل الشك أن هناك أوجه ترابط وتخادم والتقاء بين مصالح واشنطن وحلفائها من جهة، والجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية من جهة أخرى، سواء تمثلت تلك الجماعات والتنظيمات بتنظيم "القاعدة" أو "داعش" أو سواهما من العناوين والمسميات العديدة المختلفة.

وقد أشارت مظاهر الإحياء الواسعة إلى خطأ حسابات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأصدقائها وأدواتها في المنطقة والعالم، حينما تصورت أنه باستهدافها وتصفيتها هذين الرجلين، إنما تكون قد نجحت في ضرب محور المقاومة في الصميم، وبالتالي أنهته، لكنها لم تدرك أن ما صنعه القائدان الشهيدان ليس ممكناً له أن ينتهي ويزول، وإن غابا عن المشهد واختفيا من الميدان، لأن العبرة تكمن في بقاء وديمومة المنهج والمبدأ. وفي ما بعد صدق نفس الشيء مع استشهاد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، ومع استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيد إسماعيل هنيه، ومن ثم خليفته الشهيد يحيى السنوار، والعديد من القادة الآخرين الذين استهدفهم الكيان الصهيوني خلال معركة "طوفان الأقصى"، وحتى قبلها.

ولعل هناك نقطة جوهرية تتمثل في أنَّ الولايات المتحدة الأميركية التي لم تتوقف يوماً عن الادعاء بأنها تحارب الإرهاب "الداعشي" التكفيري، أقدمت على استهداف اثنين من أبرز القادة الذين تصدّوا لتنظيم "داعش"، ليس في العراق فحسب، إنما في ميادين ومواقع ودول أخرى أيضاً، وكان لهما دور فاعل ومؤثر جدًا في إلحاق الهزيمة به.

وطبيعي أن ذلك التناقض الفاضح، والازدواجية الفجة بين أقوال أميركا وادعاءاتها وشعاراتها من جانب، وأفعالها وسلوكياتها من جانب آخر، كشفا مرة أخرى عن سياساتها الانتهازية المنافقة وبراغماتيتها الضيّقة، ولا يعد ذلك أمراً جديداً أو مفاجئاً لمن يعرف حقيقة السياسات والمواقف الأميركية على مرّ التاريخ ويفهمها ويدركها، ولا سيما منذ تحولها إلى قوة دولية كبرى بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) على أنقاض أمجاد بريطانيا العظمى وفرنسا.

أضف إلى ذلك، أن الولايات المتحدة الأميركية انتهكت كلّ الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، من خلال استهدافها سليماني والمهندس على أرض العراق، فهي لم تحترم السيادة الوطنية العراقية، ولم تأخذ بعين الاعتبار أنَّ أحد الأشخاص الذين استهدفتهم، وهو الشهيد قاسم سليماني، كان ضيفاً رسمياً، وجاء بدعوة من الحكومة العراقية، وأن الشهيد أبا مهدي المهندس كان مسؤولاً رفيع المستوى في مؤسسة أمنية حكومية تعمل ضمن سياقات الدولة العراقية، وتحت إمرة واشراف القائد العام للقوات المسلّحة.

ومثلما كانت صدمة فقدان قائد ميداني كبير في الحشد الشعبي كأبي مهدي المهندس، ثقيلة وشديدة الوطأة على العراقيين، فإنَّ فقدان القائد قاسم سليماني شكّل صدمة مماثلة للإيرانيين، وإن اختلطت وامتزجت مشاعر فقدانهما بين العراقيين والإيرانيين.

وكما مثّل إنهاء الوجود الأجنبي، الهدف المحوري للقادة الشهداء، فإنه سيبقى يمثل الأولوية، مهما حاولت واشنطن التهرب والمراوغة والخداع والتضليل، ويبقى هدف استعادة السيادة الوطنية الكاملة هو مطلب عموم العراقيين، وبالتالي فإن دماء الشهيدين المهندس وسليماني وكل الشهداء، ستظل نبراساً ومناراً يعبد الطريق نحو تحقيق الأهداف الكبرى، ونحو ترسيخ قيم العزة والكرامة والإباء والصمود، وإفشال كل ما تخطط له وتريده وتسعى له واشنطن و"تل أبيب" وعواصم أخرى.

ومما لا خلاف ولا اختلاف عليه، هو أن أحد أبرز عوامل ومقومات عدم التفريط بالمنجزات والانتصارات المتحققة، يتمثل في الحفاظ على إرث القادة الشهداء، واستلهام الدروس والعبر من تضحياتهم ومآثرهم، وجعلهم حاضرين دوماً في مسيرة حياتنا، وعدم الاكتفاء بجعل ذكرى استشهادهم مناسبة احتفالية سنوية، تلقى فيها الخطب والكلمات والأشعار، وتقام فيها الاحتفالات والمهرجانات والمعارض والندوات فحسب.   

 

 

العراقأبو مهدي المهندسقاسم سليمانيايران

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
بالصور| إقامة المؤتمر السنوي الرابع في سنجار بمناسبة ذكرى استشهاد قادة النصر
بالصور| إقامة المؤتمر السنوي الرابع في سنجار بمناسبة ذكرى استشهاد قادة النصر
الشيخ الخزعلي استقبل رئيس الجمهورية العراقية: لاستمرار التنسيق بين مختلف الأطراف لتجاوز التحديات الراهنة
الشيخ الخزعلي استقبل رئيس الجمهورية العراقية: لاستمرار التنسيق بين مختلف الأطراف لتجاوز التحديات الراهنة
رئيسا الجمهورية والحكومة في العراق: منطقتنا شهدت منذ أكثر من سنة تطورات مفصلية  
رئيسا الجمهورية والحكومة في العراق: منطقتنا شهدت منذ أكثر من سنة تطورات مفصلية  
بالصور: أجواء الحزن والعزاء تعمّ حرم الإمامين العسكريين (ع) بذكرى شهادة الإمام علي الهادي (ع)
بالصور: أجواء الحزن والعزاء تعمّ حرم الإمامين العسكريين (ع) بذكرى شهادة الإمام علي الهادي (ع)
العراق يدين جرائم الكيان الصهيوني ضدّ النازحين في غزّة
العراق يدين جرائم الكيان الصهيوني ضدّ النازحين في غزّة
انطلاق فعاليات إحياء الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد قادة النصر في العراق
انطلاق فعاليات إحياء الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد قادة النصر في العراق
سلسلة احتفالات بالذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد قائدي النصر في محافظة نينوى
سلسلة احتفالات بالذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد قائدي النصر في محافظة نينوى
تحت شعار "دمكم طوفان".. حفل تأبيني مركزي للشهيدين سليماني والمهندس في نينوى
تحت شعار "دمكم طوفان".. حفل تأبيني مركزي للشهيدين سليماني والمهندس في نينوى
عضو المكتب السياسي لـ"أنصار الله" محمد الفرح: سليماني والمهندس عبّدا طريق الحرية
عضو المكتب السياسي لـ"أنصار الله" محمد الفرح: سليماني والمهندس عبّدا طريق الحرية
لمناسبة الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد قائدي النصر.. مهرجان مركزي في الموصل
لمناسبة الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد قائدي النصر.. مهرجان مركزي في الموصل
كلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في ذكرى استشهاد القائدين سليماني والمهندس
كلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في ذكرى استشهاد القائدين سليماني والمهندس
الشيخ قاسم: معركة "أولي البأس" ولادة جديدة للبنان وقيادة المقاومة هي التي تُقرّر متى تصبر وتُبادر وترد
الشيخ قاسم: معركة "أولي البأس" ولادة جديدة للبنان وقيادة المقاومة هي التي تُقرّر متى تصبر وتُبادر وترد
الهيئة الصحية الإسلامية تنظّم يومًا صحيًا في ذكرى الشهيد قاسم سليماني
الهيئة الصحية الإسلامية تنظّم يومًا صحيًا في ذكرى الشهيد قاسم سليماني
بلدية الغبيري أحيت الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد سليماني والمهندس ورفاقهما
بلدية الغبيري أحيت الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد سليماني والمهندس ورفاقهما
يقينًا كلّه خير.. والسنون الخمس تشهد!
يقينًا كلّه خير.. والسنون الخمس تشهد!
سقوط النظام في سورية وحساب أولي للربح والخسارة
سقوط النظام في سورية وحساب أولي للربح والخسارة
المشروع التركي في سورية ..  بين النجاح والفشل
المشروع التركي في سورية .. بين النجاح والفشل
التصعيد العسكري الفعلي ضدّ إيران ليس مضمونًا في ولاية ترامب الثانية
التصعيد العسكري الفعلي ضدّ إيران ليس مضمونًا في ولاية ترامب الثانية
قاليباف: الجماعات التكفيرية في سوريا تخدم أجندات الكيان الصهيوني
قاليباف: الجماعات التكفيرية في سوريا تخدم أجندات الكيان الصهيوني