آراء وتحليلات
عراق 2025 .. استكمال لأدوار ومواقف وتحديات العام 2024
حفل عام 2024 في العراق بأحداث ووقائع كثيرة وكبيرة ولافتة، بعضها كان ذات طابع داخلي-محلي، والقسم الأكبر منها، كان جزءًا من مشهد الحراك الإقليمي العام بكل تفاعلاته وتداعياته وإسقاطاته.
ولم تكن الأحداث والوقائع الداخلية-المحلية، بعيدة عن أجواء التفاعلات الإقليمية والدولية، رغم أنها بدت في بعض الأحيان، انعكاسًا لطبيعة الواقع السياسي المحلي، وإشكالياته وأزماته واستحقاقاته وتراكماته المختلفة على مدى عقدين من الزمن.
أهم ما ميز العراق خلال عام 2024، هو أنه كان في بؤرة التفاعلات الإقليمية، وربما كان من اللاعبين الفاعلين في صياغة وتوجيه مسارات الأحداث، لا سيما مجريات حرب غزة في فلسطين، وكذلك الحرب في لبنان. ومن ثم التغيرات والتحولات الدراماتيكية المفاجئة والسريعة في سورية.
مشهد داخلي حافل
ولا يمكن بأي حال من الأحوال، الحديث عن دور وتأثير وتأثر العراق بالأوضاع والوقائع الخارجية دون المرور والتوقف عند أبرز المحطات الداخلية.
ولعل واحداً من أبرز الأحداث الداخلية التي شهدتها الساحة العراقية في عام 2024، هي انتخابات مجالس المحافظات التي وإن جرت أواخر عام 2023، فإن ما ترتب عليها من نتائج ومخرجات-بعضها جدلية-ألقى بظلاله على النصف الأول من عام 2024، ورسم المؤشرات والملامح الأولية، للانتخابات البرلمانية العامة المزمع إجراؤها أواخر عام 2025، في ذات الوقت الذي اعادت تلك الانتخابات الحياة للمجالس المحلية التي تجمد عملها بالكامل منذ سبعة أعوام تقريبًا.
وارتباطًا بموضوع الانتخابات، فإن إقليم كردستان العراق، شهد هو الآخر في العشرين من شهر تشرين الأول-أكتوبر الماضي، إجراء انتخابات الدورة البرلمانية العاشرة لبرلمان الإقليم. ورفعت نتائج تلك الانتخابات، وتيرة التصعيد والتأزيم بين القوى الكردية الرئيسية المتنافسة، وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة بافل الطالباني.
وكما مثلت انتخابات مجالس المحافظات، مقدمات للانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن انتخابات الإقليم، مثلت هي الأخرى مقدمات لتلك الانتخابات، في ما يتعلق بالقوى الكردية في أقل تقدير.
وليس ببعيد عن أجواء الانتخابات، فإن موضوع رئاسة البرلمان العراقي، شغلت حيزًا كبيرًا من الجدل والسجال السياسي بين الفرقاء، بعد إقالة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي بقرار قضائي في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني-نوفمبر 2023، وبقاء المنصب شاغرًا لمدة عام كامل تقريبًا، قبل أن يجري انتخاب الرئيس الأسبق محمود المشهداني لتولي المنصب مرة أخرى.
ومع جدل رئاسة البرلمان، وإسقاطات مخرجات انتخابات مجلس المحافظات، كان السجال-وما زال-محتدمًا حول حزمة من مشاريع القوانين الخلافية، مثل قانون الأحوال الشخصية، وقانون العفو العام، وقانون عقارات الدولة، علمًا أن موضوع إنهاء التواجد العسكري الأميركي في الأراضي العراقية، كان حاضرًا وبقوة على طول الخط، لا سيما مع الجرائم التي ارتكبتها القوات الأميركية ضد عدد من قيادات المقاومة في العراق، كالقيادي في حركة النجباء الإسلامية، الشهيد أبي تقوى السعيدي الذي اغتيل بفعل غارة أميركية غادرة وسط بغداد، في الرابع من شهر كانون الثاني-يناير الماضي، وكذلك القيادي في كتائب حزب الله، الشهيد أبو باقر الساعدي الذي اغتيل هو الآخر بفعل غارة أميركية غادرة وسط بغداد، في السابع من شهر شباط-فبراير الماضي.
وجاءت هذه الاستهدافات، كردّ فعل على الدور الكبير لفصائل المقاومة الإسلامية العراقية في دعم وإسناد الشعبين الفلسطيني واللبناني في حربهما البطولية ضد الكيان الصهيوني الغاصب.
حضور إقليمي فاعل
وإلى جانب الحراك الداخلي بملفاته وقضاياه المتعددة، كان الحضور العراقي في المشهد الإقليمي العام، مميزًا ولافتًا، وقد اتخذ مسارين أو مستويين، تمثل الأول في التواصل والانفتاح مع مختلف الأطراف والقوى الإقليمية-وحتى الدولية-من أجل تطوير وترسيخ العلاقات والمصالح السياسية والأمنية والاقتصادية للبلاد، وكان لزيارات وجولات رئيس الوزراء العراقي وكبار المسؤولين العراقيين لعدد كبير من الدول في المحيط الإقليمي والفضاء الدولي، وكذلك زيارات زعماء وساسة كبار للعراق، أثر كبير في تعزيز مكانة الأخير، وتقوية حضوره الإيجابي وأدواره المحورية.
وتمثل المسار أو المستوى الثاني، بالدخول الفاعل والمؤثر في الدعم والإسناد الإنساني لأبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني من جانب، ومن جانب آخر، التحرك السياسي من أجل إنهاء الحرب ووضع حد لجرائم الكيان الصهيوني، فضلًا عن وجود مستوى أو مسار آخر، هو المسار العسكري، المتمثل بالإسناد الميداني المباشر من قبل المقاومة الإسلامية العراقية، للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، عبر عشرات العمليات التي نفذتها في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد الكيان الصهيوني.
وإلى جانب المواقف الحكومية العراقية الداعمة لفلسطين ولبنان، كانت هناك المبادرات الإنسانية التي اتخذت أشكالاً وصورًا ومظاهرَ مختلفة، من قبيل إرسال المساعدات والمؤن الغذائية والطبية إلى غزة ولبنان، واستقبال الجرحى في المستشفيات العراقية، واستضافة آلاف الأشخاص من أبناء الشعب اللبناني الذين تمكنوا من الوصول للعراق.
ليس هذا فحسب، بل إن مظاهر تأبين الشهداء، والاحتفاء بهم، كانت متميزة إلى حد كبير في العراق، سواء شهداء المقاومة الفلسطينية أو شهداء المقاومة اللبنانية. ولعله على مدار عام 2024، بدت شوارع العراق ومدنه المختلفة، كما لو أنها فلسطينية أو لبنانية، حيث إنها ازدحمت بصور الشهداء، لا سيما الشهيد السيد حسن نصر الله، والشهيد السيد هاشم صفي الدين، والشهيد الحاج فؤاد شكر، والشهيد إسماعيل هنية، والشهيد يحيى السنوار، وغيرهم.
ولا شك أن ذلك التفاعل والاندكاك العراقي-الرسمي والشعبي-مع نضال الشعبين الفلسطيني واللبناني، انطوى على رسائل عميقة وبالغة الأهمية، في نفس الوقت الذي أعطى زخماً وقوة وتأثيرًا-سياسيًا وميدانيًا-للمقاومة، وأسس لمنهج إستراتيجي رصين لمحور المقاومة، بعيدًا عن القراءات اللحظية والسطحية التي ترتبط بأحداث ووقائع معينة، لم تتضح وتتبلور كل أبعادها ومعطياتها بعد، من قبيل إسقاط النظام السوري، وفقدان أحد أركان محور المقاومة.
ولعل إيقاع مجمل أحداث ووقائع 2024 في العراق، يؤشر إلى أن مشهد العام الجديد، سيكون استمرارا لمشهد العام السابق له، سواء ما يتعلق بالملفات والقضايا الداخلية، أو ما ارتبط بالملفات والقضايا الخارجية-الإقليمية. فالانتخابات ستشغل حيزًا كبيرًا من البحث والنقاش والجدل والسجال، والتحديات الأمنية المرتبطة بشكل أو بآخر بالأوضاع والمستجدات على الساحة السورية، ستبقى تحظى بالأولوية والاهتمام الاستثنائي، تجنبًا لتكرار سيناريو عام 2014 الداعشي، وسيكون العراق محورًا للكثير من الحراك الإقليمي لمنع انزلاق المنطقة إلى المزيد من الاضطراب والفوضى، ولوضع حد للحرب الدموية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني التي خلفت كمًّا هائلًا من الدمار والخراب بواسطة آلة الحرب الصهونية الإجرامية.
فلسطين المحتلةالعراقغزةالمقاومةبانوراما 2024
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
01/01/2025
عام 2025 .. سورية إلى أين؟
01/01/2025