آراء وتحليلات
توظيف الكيان للحدث السوري ومحاولة خلق انقلاب إستراتيجي
لا يفوت الكيان الصهيوني الغاصب فرصة دولية أو إقليمية إلا ويحاول استغلالها لتعميق عدوانه واغتصابه وفرض أمر واقع جديد، كما لا يفوت مجرم الحرب نتنياهو، الهارب داخلياً من قضايا الفساد والرشوة، وخارجياً من المحكمة الجنائية الدولية، فرصة إلا ويتباهى بإنجازات ينسبها لنفسه ولقوة الكيان، رغم أنها فعلياً نتاج مساندة أمريكا و"الناتو" ونتاج الخذلان العربي لسورية وللمقاومة وللقضية الفلسطينية وللأمن القومي العربي برمته.
استغل الكيان سقوط النظام السوري ليعلن نتنياهو أنه يوم تاريخي، وليصدر الأوامر لجيشه لاختراق المنطقة العازلة والتوغل في الأراضي السورية وإنهاء اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974، وذلك بغرض تكريس وضع إقليمي جديد، وبدعوى تأمين حدود الكيان المزعومة.
كما لم يكتفِ الكيان بكسب الأرض، بل وشن أكثر من 300 غارة على سورية، لتدمير أصول الجيش العربي السوري والتي تشمل أسلحة إستراتيجية ومخازن ذخيرة ومصانع أسلحة وهيئات علمية وتكنولوجية، وقوات بحرية وقوات جوية، ورادارات وصواريخ الدفاع الجوي، بحيث تصبح سورية خالية من أي قدرات، ومستباحة للتوغل والغزو.
هذا التوظيف "الإسرائيلي" للأحداث بهدف خلق انقلاب إستراتيجي في الموازين والمعادلات يحمل أكثر من دلالة وينذر بمخاطر إستراتيجية كبرى، وهنا نحاول إلقاء الضوء عليها:
1- لم تصدر أي تعليقات من الجماعات المسلحة التي استمرت في الاحتفال بسقوط النظام، كأن توغلاً صهيونياً لم يحدث ويقترب من ريف دمشق والعاصمة، وكأن أصول سورية الإستراتيجية لم يتم تدميرها، وهو ما يثير تساؤلاً كبيراً عن هوية هؤلاء وأجندتهم ومستقبل سورية تحت حكمهم.
2- تفرغت "إسرائيل" لاستهداف أصول الجيش السوري والتوغل البري، بدعوى تأمين حدودها وأمنها وعدم سقوط هذه الأصول بيد النظام الجديد، ولم تستهدف هذه التنظيمات ولا أسلحتها رغم امتلاكهم للمدرعات والطائرات المسيرة والصواريخ، والتي تفيد التقارير بأن منها صواريخ بعيدة المدى، وكأن الكيان يأمن لهذه التنظيمات ولا يعتبرها تشكل خطراً عليه!
3- إنهاء اتفاقية فض الاشتباك تؤسس لمرحلة تاريخية جديدة تنذر بأحد أمرين، كلاهما يشكل انقلاباً إستراتيجياً، أولهما حالة سلام وتطبيع مع سورية، أو مزيد من التوغل والاحتلال وفرض حدود جديدة تتجاوز حدود الـ 67 وتعطي للكيان مميزات إستراتيجية لم يكن يحلم بها.
4- الصمت الأمريكي والاعتراف بأن الكيان أخطره مسبقاً، وتزامن هذه الأحداث مع استعداد إدارة ترامب لتولي السلطة، وهو الوجه الأمريكي الذي تفرد عن العالم باعتراف أمريكا بضم الجولان وبأن القدس عاصمة الكيان، يشي بأن هذه الأوضاع الجديدة قد تكون محل اعتراف وشرعنة أمريكية، وبمنزلة أمر واقع، رغم مخالفته لقانون دولي لم يعد له احترام منذ اندلاع حرب الإبادة في غزة.
5- اكتفاء الأنظمة الرسمية بالإدانة يقول، إن هذه الانظمة لم يعد لها أدنى وزن وأنها تنتظر دورها في المذبح الامريكي الصهيوني دون حراك.
6- تلويح العدو بضم الضفة لا بد وأن يقرع جرس إنذار كبير في الأردن، وخاصة في الجيش الأردني، وتلويحه باحتلال غزة وفرض أمر واقع جديد فيها، لا بد وأن يقرع ذات الجرس في مصر وخاصة جيشها الذي تعاديه نفس الجماعات المسلحة في سورية.
وتتعاظم هذه التهديدات مع تنفيذ "إسرائيل" لسياستها القديمة المعروفة بـ"الطوق النظيف"، بحيث يصبح محيطها بلا تهديدات محتملة.
والخلاصة، أنه، ورغم الوقاحة الصهيونية في انتهاك القوانين وكسب الأراضي رغماً عن الأمم المتحدة وقواتها واستباحتها لسورية، فإنها لم تجرؤ على استباحة الأراضي اللبنانية، وهو دليل على استمرار عقدة حزب الله وأن الخروقات المستمرة لوقف إطلاق النار هي للضغط ومحاولة إحراج المقاومة والدولة اللبنانية ونيل أي ملمح من صور النصر التي فشلت في الحصول عليها في لبنان، ولكن العدو يجبن عن المواجهة بعد البطولات الأسطورية لمقاتلي المقاومة في لبنان.
بيد أنه يجب التنبيه إلى أن العدو وفي إطار تحركاته في سورية يشكل خطراً على المقاومة، يتمثل في الحرص على ربط تحركاته داخل سورية بقطع طرق إمدادات المقاومة واحتلال المناطق الإستراتيجية مثل جبل الشيخ المشرف على سلسلة جبال لبنان، وبالتالي فإن هدفه الرئيسي وخشيته الدائمة هي من المقاومة، وسيظل يحاول انتزاع صورة النصر التي لم تعطِه المقاومة إياه، وهو ما ينذر بجولات جديدة.
سورياحزب اللهجبهة النصرةالمقاومةالجيش الاسرائيلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
08/12/2024
صمود المقاومة الأسطوري ونصرها الاستراتيجي
08/12/2024