آراء وتحليلات
ماذا تحمل الإدارة الأميركية الجديدة لمنطقتنا؟
"من جرب المجرب عقله مخرب"! هكذا يقول المثل الشعبي، وإذا كنا سنختصر بهذا الكلام الدور الذي ستضطلع به الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، فمن المفيد أن نعرف أسباب الحالة الراهنة التي ستحملها مرحلة ترامب لمنطقتنا برمتها. وفي البداية علينا أن نعيد تأكيد المؤكد، أن ما يهم أميركا والغرب هو أمن "إسرائيل".
معظم القراءات مبنية على العلاقة القديمة التي قامت ما بين ترامب والقيادات في المنطقة حتى العام 2019، صحيح أن عقيدة ترامب المعروفة "بالمال والاقتصاد" ستحكم السنين الأربع القادمة، والتي تحتاج إلى استقرار أمني ونبذ الحروب. ولكن ما يهم الغرب اليوم: تحقيق الأمان للمجتمع الصهيوني. ولذلك فإن حادثة "أمستردام" منذ أيام، حين لقن هولنديون درساً مهماً لمجموعة من "الإسرائيليين" قاموا بنزع العلم الفلسطيني من مكانه وتمزيقه، افتعلت لتغدو عنواناً لاستنكار غربي، إذ كشفت عدد من وسائل الإعلام عن دور "الموساد" الصهيوني في التحريض على افتعالها.. إنها محاولة لإعادة تنشيط القناعة بخطر "معاداة السامية"، وأن لا مكانَ آمناً لليهود إلا في كيانهم الغاصب.
أمر لا بد أن يطرح خلال لقاء التهنئة المرتقب ما بين ترامب ونتنياهو. كما سيتم طرح سبل إقناع السعودية بتوقيع معاهدة "أبراهام" مع الكيان الصهيوني، وهذه من أولويات ترامب، وإن كانت اتفاقيات اقتصادية على مستوى الحكومات تهمل دور الشعب العربي على الأرض، وخاصة في المغرب والسودان. وقد دأب ترامب على أن يذكر ويستعرض قدرته على اقناع السعودية بتوقيع الاتفاق والدفع نحو إنشاء ما يسمى بـ"ناتو أبراهام"، لكن السعودية اليوم هي غير السعودية البارحة بعد توقيعها الاتفاقيات والتفاهمات مع الصين وإيران، وهي لن تذهب إلى عداء جديد في المنطقة من أجل أربع سنين سيقضيها ترامب في الحكم ثم يذهب كما غيره، فللسعودية مطالب مهمة تأمل بأن تضعها على خارطة القيادة الإقليمية في المنطقة، وهي تطبيق "حل الدولتين"، وإنشاء دولة فلسطينية متكاملة الشروط وقادرة على حماية نفسها، والسماح لها بإنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية.
من ناحية أخرى، هناك الموقف الأميركي من إيران، والذي ينتظر إعلانه الرد الإيراني على الضربة "الإسرائيلية". صحيح أن الولايات المتحدة أبلغت الجميع بأنها ستقف مساندة للكيان، إلا أن ذلك في المرحلة الحالية لن يتجاوز ما فعلته بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا بالتصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية. كان من المفترض لجم نتنياهو عن التمادي بتوجيه ضربة لإيران، ولكن القرار الأميركي والغربي لا يمكنه أن يضع قوة "إسرائيل" وقدرتها على الرد في موضع شك، خاصة ما بين موقعي اتفاقيات "أبراهام"، وإلا فما الذي سيدعم بناء قوة عسكرية "أبراهامية" بينهم. صحيح أن القصف الصهيوني لإيران جوبه بإدانة من جميع دول الخليج، ووصف بأنه تعدّ على السيادة الإيرانية، لكن دول الخليج تقع تحت السيطرة العسكرية والاقتصادية الأميركية لذلك فالموقف الخليجي، لا يمكن البناء عليه.
هناك قرارات أميركية ستكملها الحكومة الجديدة، كما أكملت حكومة بايدن القرار الذي اتخذه ترامب بالانسحاب من أفغانستان، والمتعلق ببدء الانسحاب من العراق في العام القادم. ولكن القرارات التي ستبنى على هذا الانسحاب والدور الأميركي في المنطقة سيكون مرتبطاً به بشكل كامل. فهل ستتخلى الولايات المتحدة عن توصيات برنارد لويس لناحية بناء "شرق أوسط جديد"، ومنها بناء الدولة الكردية على أراضي العراق وسورية، مما سيتسبب بحرب قاسية على أراضي البلدين بدعم أميركي وصهيوني للأكراد، في مواجهة الدول الأربع المحيطة بها؟، هل سيتم خلالها تنشيط خلايا داعش في المنطقة، والتي تتمتع بالحماية الأميركية في معسكر الباغوز في الحسكة في الزاوية القريبة من غرب- شمال العراق، وفي منطقة التنف في البادية السورية على الحدود العراقية السورية؟.
وعلينا أن لا ننسى أن مواجهة خط الحرير الصيني القادم من أواسط آسيا عبر إيران وسورية باتجاه موانئ اللاذقية، المسمى ب"حزام وطريق" يعد من أولويات الولايات المتحدة، وأساس المواجهة الاقتصادية مع الصين وإيران وروسيا. والحرب الروسية- الأميركية في أوكرانيا، حرب تشكل قمة التنافس الروسي- الأميركي لناحية تطور القوة العسكرية الروسية، والتي حاولت الولايات المتحدة كبح جماح تطورها بالتسلل إلى روسيا عبر الخاصرة الرخوة: أوكرانيا، منذ انقلاب العام 2014. ولكن كيف ترتبط هذه الأهداف بما يحدث في لبنان وفلسطين؟ وكيف ترتبط نتائج الميدان في لبنان وفلسطين بالسياسة الأميركية المرتبطة بسياستها في روسيا والصين؟ الأمر، وبكل بساطة له علاقة بالتحالفات التي بنيت بين روسيا والصين مع كل من إيران وسورية، والتي لها علاقة بالتعاون العسكري وبمشروع حزام وطريق الاقتصادي مع بين الدول الأربع الذي تحاول أمريكا تقويضه لصالح الممر الهندي وممر داوود.
إن انتصار المقاومات في لبنان وفلسطين في الميدان، سيسجل انتصاراً جديداً على مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، والذي من أهدافه تسوية الصراع مع الصين على حساب منطقتنا عبر إعادة تقسيمها بحسب مقترح برنارد لويس. وهنا تجدر الإشارة إلى أمر مهم، وهو أن مشروع تقسيم المنطقة لا يتعلق فقط بما يسعى إلى تحقيقه ترامب أو غيره اليوم، فالرئيس الأميركي، هاري ترومان، في العام 1967، خطب حينها حول حق "إسرائيل" في التمدد والتوسع، وتأمين أمنها عبر تهجير الفلسطينيين أو ارتكاب المجازر بحقهم للتخلص من مقاومتهم. تماماً كما ارتبط يوماً بالخطط الأميركية التي وضعت إبان الحرب العالمية الأولى في زمن وودورد نيلسون، والذي حكم أمريكا مع مستشاريه الصهاينة، وأظهر امتعاضه بتقسيم المنطقة العربية بحسب اتفاق جورج سايكس ومارك بيكو، لأن تقسيم المنطقة العربية برأيه يجب أن يتم على أساس عرقي وإثني وطائفي.
السياسة الأميركية في منطقتنا مرتبطة بالمخطط الصهيوني للمنطقة، ولا علاقة لها بكامالا هاريس أو دونالد ترامب بل هي سياسة قديمة يعمل عليها منذ نهاية القرن التاسع عشر، والمرتبطة أساساً بخطط وضعها البريطانيون، والتي التقت في المحصلة مع الخطط الصهيونية لمنطقتنا، وهي بالمناسبة خطط اقتصادية تبدأ بالسيطرة على خطوط التجارة العالمية ما بين الجنوب والشمال، والشرق والغرب، وتنتهي ببناء الهيكل المزعوم في القدس، وبها يعلن الانتصار النهائي لهذا المشروع، والتي تعد مرحلة ترامب مرحلة جزئية منه. لكنْ هناك عامل آخر له كلمته، وهو إيمان أهل المنطقة جميعاً مسلمون ومسيحيون والذين يقفون مقاومين وبهم يفرض الميدان كلمته في غزة وجنوب لبنان.
الولايات المتحدة الأميركيةدونالد ترامبغرب آسيا
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024