آراء وتحليلات
من هو المستفيد من تفجير ناقلات النفط في خليج عُمان؟
شارل أبي نادر
تعود من جديد عناصر التصعيد وامكانية الاشتباك "غير البارد" بين ايران والولايات المتحدة الاميريكة، لكي تفرض نفسها في مشهد النزاع المفتوح في المنطقة، منذ ما قبل انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، مرورا بالمرحلة التي واكبت الانسحاب وحتى اليوم، وآخر هذه العناصر كان الاتهام الاميركي ـ وغير الاميركي ـ لطهران، بالوقوف وراء تفجير ناقلتي نفط يابانية واخرى تديرها شركة شحن نرويجية في خليج عمان الخميس الماضي.
حتى الان، المعلومات حول التفجيرات متضاربة وغير واضحة، ففي حين أشارت المعطيات الاولية الى أن الاستهداف حصل بواسطة طوربيد ( صاروخ بحري جوال) أطلق تحت المياه من مكان قريب، لم تتثبت هذه المعطيات لاحقاً، خاصة وانه تم الحديث عن احتمال ان يكون الاستهداف حصل عبرالغام بحرية موجهة او عائمة او غاطسة، وبقيت فرضية السلاح وطبيعة الهجوم غامضة، الثابت في الموضوع حتى الان فقط، الاتهامات الواسعة لايران بتدبير العملية والتي جاءت مباشرة وسريعة جدا، لدرجة ظهرت وكانها متزامنة مع عمليتي التفجير.
حساسية العملية انها تأتي للمرة الثانية خلال شهر بعد استهداف ناقلات نفط في هذه المنطقة الاستراتيجية، إذ تعرضت في المرة الاولى أربع سفن بينها ثلاث ناقلات نفط لعمليات وصفت بـ"التخريبية" قبالة مرفا الفجيرة الاماراتي، وحتى الان لم يكشف عن ملابساتها، وحيث لا يمكن ان تكون هذه العملية سهلة بتداعياتها، وحيث ايضا من غير المنطقي أن ينفذها او يُدبِّرُها الا صاحب المصلحة في حصولها وليس العكس، لا بد من الاضاءة على من هو مستفيد منها، ومن هو متضرر، وذلك على الشكل التالي :
من غير المنطقي أن تقوم إيران بخطوة كهذه في وقت تستقبل فيه رئيس الوزراء الياباني الذي يحاول تهدئة الأوضاع، حيث يمكن الاستنتاج من مسار التحضيرات والرسائل الديبلوماسية بين اطراف الازمة، والتي سبقت الزيارة اليابانية، انه كما يبدو، تم وضع شبه خارطة طريق عن احتمالات البدء بمقاربة الازمة دوليا، بمعزل عن امكانية حصول تفاوض مباشر اوغير المباشر بين طهران وبين واشنطن، فلماذا تعمد ايران، بما تملكه من اوراق قانونية (اتفاق نووي شبه دولي) واوراق عالمية اقتصادية (حاجة الاوروبيين ودول شرق اسيا، مثل الصين واليابان وتايوان لنفطها، لماذا تُخَسِّر نفسها الفرصة التي تستطيع تثبيت حقها او نسبة كبيرة منه، عبر تنفيذ عمل غير مناسب، ويحمل نسبة كبيرة من امكانية كشف تفاصيله ومسؤوليتها فيه؟؟
في مواكبة لمسار التفاوض قبل الاتفاق النووي مع ايران، كان هناك عدة اطراف غير مرتاحين بالكامل لبلوغ الاتفاق مرحلته الاخيرة، مثل اسرائيل وبعض الدول الخليجية المعادية لايران والمعروفة، وقد حاولت هذه الاطراف عرقلة الاتفاق بجميع الطرق ، والهدف كان بالنسبة لهؤلاء ان البديل عنه هو، ضربة عسكرية دولية او(اميركية) لايران، على خلفية امتلاك سلاح نووي، وهذه الاطراف هي نفسها التي سعت وضغطت لانسحاب واشنطن من الاتفاق ، وهي نفسها ايضا التي ضغطت وعملت على تأزيم الوضع في المنطقة بعد الانسحاب من الاتفاق وسلوك العقوبات الاقتصادية الخانقة على طهران، وكانت راس الحربة اعلاميا وديبلوماسيا لتوجيه الاميركيين ضربة عسكرية لايران ، قبل او بالتواكب مع تفجيرات الفجيرة الماضية.
من دون ادنى شك، ستبقى هذه الاطراف المذكورة (اسرائيل والسعودية والامارات...الخ) على موقعها وموقفها لناحية تأييد ضربة عسكرية لايران حاليا، وهذا الموضوع لا يمكن ان يحصل في حال الهدوء الديبلوماسي والسياسي في المنطقة، ومع البدء بسلوك مسار جديد للتفاوض، برعاية دولية او مباشرة، ومصلحة هذه الاطراف حتما تكمن في وضع ايران بموقع المتهم او المشتبه الرئيس في عملية تفجير ناقلات النفط في خليج عمان.
من جهة اخرى، وبالعودة الى الحرب الايرانية العراقية بين عامي 1980 و1988، الجميع يذكر التركيز الدولي في قرارات مجلس الامن، ومنها القرارات 540 و552، على حماية حرية الملاحة الدولية وحركة ناقلات النفط العالمية ، اكثر من التركيز والعمل على وقف الحرب بين الدولتين، واليوم لا شك ان للمجتمع الدولي نفس النظرة والموقف، وحيث تتزايد اعمال العنف الغامضة واستهداف ناقلات النفط في منطقة "دولية"، بما تحمله هذه المنطقة من اهمية وحاجة للمجتمع الدولي في تامين الطاقة، فمن غير المستبعد ان يكون وراء تلك التفجيرات مخطط دولي غربي، يهدف لتدويل منطقة الخليج ومدخلها الشرقي بين بحر العرب وخليج عمان، عبر فرض منطقة تفتيش دولية، تستهدف في الظاهر جميع العابرين، وفي الخفاء يكون هدفها التضييق على ايران، لناحية تهريب نفطها فيما لو حاولت تجاوز العقوبات، ولناحية نفوذها وحركتها العسكرية والاستراتييجة في المنطقة المذكورة وامتدادا الى سواحل اليمن على البحرالاحمرعبر باب المندب.
انطلاقا من هذه المعطيات المذكورة، يمكن الاستنتناج ان المستفيد من هذه التفجيرات هي الاطراف المعادية لايران، وأن الاخيرة هي المتضرر الاول من هذه التفجيرات، وبالتالي يمكن تحديد المسؤول عن تنفيذها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024