آراء وتحليلات
صواريخ حزب الله.. كيف وصلت إذًا؟!
على مدى 75 عامًا سعى العدو الصهيوني للحفاظ على تفوقه الأمني والعسكري فتسلح بأحدث التقنيات والأسلحة، ووضعت بتصرفه كل التطورات التكنولوجية والمنظومات الحربية الغربية الدفاعية والهجومية، حتى يبقى في الصدارة يرعب بترسانته دول الجوار، ويحبط بفزاعته أي نوايا تحررية عربية وإسلامية، ويمنعها من التفكير باستعادة أراضيها المحتلة عسكريًا، ليضعها أمام خيار واحد هو خيار الاستسلام الذي يسميه "سلام" ويدفعها للتنازل أمامه دون قتال فيكسب المعارك والحروب بالحرب النفسية والإعلامية دون أن يطلق رصاصة واحدة.
هذا التفوق اقتضى من العدو إلى جانب تعزيز قدراته العسكرية والأمنية وتحديثها دومًا وفق مقتضيات التقديرات السنوية لأولوية التحديات التي ستواجهه اقتضى منه في المقابل تنفيذ خطة عكسية شعارها الدائم كان منع العرب والمسلمين دولاً ومنظمات مقاومة من امتلاك أسلحة "كاسرة للتوازن" كما يسميها، من شأنها أن تغير المعادلات وتضعه أمام مآزق إستراتيجية وجودية، فعمل دومًا على إضعاف وتحييد الأردن ومصر من الصراع عبر مسارات التسوية من جهة وإشغال دول أخرى بمخططات الدوائر الأميركية التطبيعية لإدماج الكيان وسط المحيط العربي وتفكيك دول ثالثة بمخططات فتنوية تآمرية مغلّفة بغلاف ما وصف بـ"الربيع العربي" لسلب قدراتها الحيوية والاستراتيجية وإبعادها عن الصراع، لصالح إشغالها بقضاياها الداخلية وبنزاع مميت على السلطة.
كل ما تقدم، مكّن العدو من تثبيت وجوده والتغلغل الناعم في معظم الدول التي أضحى بعضها مرتهنًا لمساعدات أميركية ولاعتبارات سياسية واقتصادية أبعدته كل البعد عن مناصرة قضايا الأمة الرئيسية وعلى رأسها قضية فلسطين التي تخلى عنها الكثيرون من العرب وتركوها في مهب الاعتداءات المتكررة ومخططات الاستيطان والتهجير والتصفية النهائية، فلم تجد ناصرًا أو معينًا على حدودها إلا حركات المقاومة الشعبية التي خرجت من رحم الاحتلال والاضطهاد والحروب الوحشية التي خاضها العدو على مر عمر كيانه الغاصب، فقادت وحدها جبهات إسناد لنصرة غزة وفلسطين.
واحدة من تلك الحروب المفتوحة شنها جيش العدو بعد هزيمته في لبنان عام 2006 وأطلق عليها تسمية "المعركة بين الحروب" بهدف منع المقاومة في لبنان من إعادة بناء قدراتها وامتلاك ترسانة صاروخية تعيد تكرار مشهد مفاجآت حرب تموز، وما أحدثته من ارتدادات هزّت كيان جبهته الداخلية وأسهمت بتكريس هزيمته العسكرية التاريخية.
ورغم طول أمد تلك الحرب وما تخللها من اعتداءات متكررة كانت تستهدف أي مواقع أو قوافل يشك العدو بتصنيعها أو نقلها لصواريخ بعيدة المدى إلا أن تقييم وقياس مدى نجاح تلك "الحملة" أو فشلها في تحقيق أهدافها المتوخاة بات اليوم ملحًا لا سيما بعد مرور زهاء السنة من طوفان الأقصى وانطلاق جبهة مساندة ونصرة غزة التي يقودها حزب الله بمواجهة العدو على الجبهة الشمالية.
زخرت مؤخرًا وسائل إعلام العدو بشهادات واعترافات حول فشل الجيش الصهيوني في تحقيق الأهداف التي وضعها نصب عينيه للمعركة بين الحروب. محلل الشؤون العسكرية، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشع، أقر قبل أيام بهذا الفشل، فقال:"إن الحملة بين الحروب حاولت تقليص قدرات حزب الله، ربما تكون قد خلقت مثل هذا الانطباع، لكن ذلك كان بمثابة قطرة في محيط، مع مرور السنوات أصبح حزب الله أقوى، وفي "إسرائيل" كان هناك وهم، وكأن شيئاً لم يحدث".
الصحيفة عينها اضطرت للاعتراف في موضع آخر بوصول ما يكفي من الأسلحة لحزب الله رغم مئات الهجمات وذكرت بما كان أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله سابقًا مرارًا وتكرارًا بأن كل ما كان من المفترض أن يصل إلى لبنان وصل إليه.
اعتراف العدو هذا بمنزلة إقرار واضح بفشله العسكري.. وصحيح أنه أتى ليثبت ما قاله سيد المقاومة من جهة، لكنه جاء أيضًا بعد سنة تقريبًا من إطلاق حزب الله جبهة مساندة غزة من لبنان، وبعد آلاف العمليات التي نفذها الحزب بشكل يومي وما تخللها من إطلاق صواريخ ومسيرات من أنواع ونماذج مختلفة. تضمنت رسائل عسكرية رسمت معادلات واضحة. ما أجبر العدو على التهديد والوعيد الدائم بتوسيع المعركة..
وهنا يأتي السؤال، إذا كان العدو حقق فعلاً أهدافه بالمعركة بين الحروب، فمن أين لحزب الله كل تلك الصواريخ التي يطلقها يوميًا وتصيب أهدافها بدقة؟!.
وإذا كان العدو واثقاً كل هذه الثقة من نجاحاته في تلك المعركة، فما حاجته إذًا للتهديد دومًا بضرب ترسانة حزب الله الصاروخية؟!.
وإذا كان العدو منع حزب الله من بناء قدراته العسكرية فمن أين جاءت "الهداهيد" ومن أين أتى عماد 4 وما حواه من صواريخ إستراتيجية دقيقة ما زالت في خزائن حزب الله الجبلية، تنتظر إشارة السيد نصر الله لاستخدامها حين يحين أوانها؟!.
لطالما وقع العدو في فخ تناقضاته وزلات ألسنة قادته، وهذا ما جرى مؤخرًا، حينما فضح فشله دون أن يدري يوم تحدث عن استهداف 7000 منصة صاروخية، فيما وصفه بالـ"ضربة الاستباقية" التي سبقت رد الحزب على اغتيال القائد الجهادي الكبير فؤاد شكر.. فإذا كان الأمر كذلك فعلاً.. فمن أين أتى هذا العدد الكبير من المنصات التي ادعى العدو استهدافها، طالما يزعم أنه نجح بحربه بين الحروب؟!.
ثم كيف يأتلف الحديث عن إنجازات في "المعركة بين الحروب"، وحزب الله يحقق كل يوم إنجازات عسكرية تراكمية وضعت العدو في مأزق إستراتيجي تمثل بفقدانه شمال كيانه بالكامل وهو ما نسمع صداه يتردد يوميًا في صرخات مسؤولي المستوطنات أو الهاربين منها.
أبعد من ذلك وضمن المنظور العسكري، فقد حقق حزب الله ضربات نوعية أبرزها استهدافه قاعدة "جليلوت" قرب "تل أبيب".. ألا يحمل ذلك رسالة للعدو باستخدام الحزب ربما سلاح جديد تمثل بإطلاق مسيرات بعيدة المدى ودقيقة الإصابة.. فكيف يكون العدو قضى على ترسانة حزب الله ومسيرات الحزب تصول وتجول في ضواحي "تل أبيب"؟!
على مدى عام كامل من جبهة الاسناد لم تعد محاولات العدو لتغطية فشله بأطول "معركة بين الحروب" خاضها ضد حزب الله مجدية، فالوقائع اليومية تؤكد ذلك، وشهادات إعلامه وقادته تثبت ذلك، وبات عليه الإقرار بعجزه الشامل، ليس فقط عن منع تراكم صواريخ ومسيرات حزب الله الدقيقة، فما وصل قد وصل وربما لا يزال يصل، بل حتى عن مواجهتها استباقيًا واعتراضها استلحاقيًا، ما يضع جبهته الداخلية المهزوزة أصلاً أمام تحدٍّ "كاسر للتوازن" يصعب مجابهته.. فبعد ذلك، ما نفع تهويل قادة العدو بالحرب إذاً؟!.
حزب اللهالصواريخالجيش الاسرائيلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024