معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

مستقبل العرب وصفقة القرن بعد فشل نتنياهو
11/06/2019

مستقبل العرب وصفقة القرن بعد فشل نتنياهو

إيهاب شوقي

يمكن للمتابع للتقارير الاقتصادية أن يلحظ جيداً تراجع مؤشرات الاقتصاد الصهيوني من حيث معدلات النمو وكذلك نمو الناتج المحلي وانخفاض معدلات الصادرات ونمو الواردات. منظمات اقتصادية كبرى خفضت توقعاتها لنمو الاقتصاد الصهيوني في الأعوام القادمة، وفق تقارير متاحة لمن يريد الاطلاع على التفاصيل.

المهم على هذا الصعيد هو التراجع لدى العدو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حيث تزداد القيم الاستهلاكية على حساب الانتاج، ناهيك عن اتساع الفجوات بين الطبقات على غرار الاقتصادات العربية الفاشلة.

يشير هذا التراجع مضافاً الى الأزمة السياسية الصهيونية غير المسبوقة - والتي يتجلى أحد مظاهرها باللجوء لانتخابات جديدة للكنيست بعد أسابيع من تشكيله بسبب الفشل في التوافق على حكومة - الى أننا أمام وضع غير مسبوق للكيان منذ نشأته، خلاصته أن الكيان في أزمة وجودية حقيقية.

والإدارة الأمريكية ليست في وضع أفضل، فصورتها الدولية سياسياً واقتصادياً في تراجع، وعندما تكون أمريكا هي الداعم والساند للعدو الصهيوني، فإننا أمام أزمة مركبة للعدو.

يعتمد العدو ومن ورائه أمريكا على السلاح والتلويح بالحرب، وبقليل من التمعن، يمكن معرفة أن حرباً دون اقتصاد ودون سياسة، هي مزيد من النزف وانحدار طوعي سريع إلى الهاوية.

وتعتمد المقاربة الأمريكية في نسختها الفجة في عهد ترامب على أن يدفع الآخرون بالنيابة عن أمريكا وأن تتنصل أمريكا من الالتزامات التي يمكن بقدر الإمكان توفير بدائل لها، مثل التزاماتها تجاه تمويل الأونروا، ورمي الكرة في ملعب الخليج لسد النقص وعدم وصول الأمور للانهيار تحديدا في غزة، وكذلك عبر نشر قوات عسكرية للتهويل واستخدام الفزاعات والاعتماد على الانفاق الخليجي عليها، ناهيك عن الابتزاز تحت دعوى الحماية، وبيع الأسلحة تحت دعوى التهديدات وغير ذلك من الابتزاز المكشوف.

وفي أجواء كهذه، تفشل فيها أمريكا في هزيمة محور المقاومة، ليس أمام العدو - الصهيو أمريكي إلا محاولة إضعاف عدوه المقاوم عبر الحصار ومحاولات العزل والإفشال، وهو هنا لا يستطيع هزيمته وإنما أقصى طموحه هو إعاقة تقدمه وتنامي قوته وانتشاره.
تفهم المقاومة جيدا التوازنات، وتعلم قوتها الذاتية وحجم قوة العدو الحقيقية وما طرأ عليها وبالتالي ما طرأ على التوازنات، بينما لا يفهم المغيبون من ذوي الأحقاد هذه التوازنات وبالتالي يستمرون في غيهم معرضين أنفسهم لمزيد من الابتزاز والنزيف.

في أجواء كهذه لا زال الترويج قائما لصفقة القرن المزعومة، والتي اتفق كل المحللين من ذوي الموضوعية والرصانة، على أنها غير قابلة للتطبيق إذا كان قوامها فرض حل أحادي فوقي يعتمد على شراء الثوابت بالرشاوى الاقتصادية.

ربما تكون الشائعات أكثر من الحقائق في ما تسرب عن الصفقة، وربما تكون بالونات الاختبار وجس النبض أشد وقعاً مما تم صياغته بالفعل في بنودها، بل وربما تكون الصفقة ذاتها بالونة كبيرة للاختبار، ولكن الراسخ هو أن تسويات تتجاهل الحقوق وتبنى على تجاهل المقاومة وإخضاعها، هي محض أوهام حتى لو كان العدو الصهيو - امريكي في قمة قوته، فما بالنا وهو بهذه الأوضاع المتراجعة؟

باختصار شديد، لن تعلن صفقة في ظل غياب حكومة صهيونية، وفي ظل غموض محيط بمستقبل نتنياهو، وإذا شكلت حكومة نتنياهو واستقرت في نوفمبر القادم، فلن تعقد صفقة قبل بدء الانتخابات التمهيدية في شباط/ فبراير القادم والتي تسبق الانتخابات الرئاسية الامريكية في نوفمبر 2020.

هذا اذا كانت هناك صفقة حقيقية، أما إذا كانت الصفقة اعلامية - نفسية، فإنه سيتم اعلانها لأغراض انتخابية وتكون بمثابة اعلان موقف لا خطة قابلة للتنفيذ.

هذا التلاعب بالقضية يعكس وضعاً عربياً بائساً، مفاده أن القضية المركزية للعرب، أصبحت لعبة انتخابية أمريكية وصهيونية لجذب اليمين المتشدد واستقطاب أصواته، مع تجاهل واحتقار أي رأي عام عربي بل ودولي، بسبب غياب الثقل العربي والتماهي والاستسلام التام وافتقاد أوراق القوة.

وكيف لا يفتقد العرب أوراق القوة، وهم يحاربون ورقة القوة الوحيدة وهي المقاومة، ويحاصرونها ويشوهونها؟!

المحصلة هي المزيد من التشدد الأمريكي والصهيوني دون توقع حلول، ودون استعجال حلول، ما دام الخليجيون مستمرين في دفع الأموال، مع محاولة إبقاء الحصار على محور المقاومة والرهان على الوقت، ومحاولة ضبط الأوضاع على حافة الهاوية.

والحل لانقاذ ثوابت القضية هو استمرار تبني خيار المقاومة، لأن هذا الخيار هو الذي يعجل بتدهور أوضاع العدو وجعل الرهان على الوقت مصلحة للمقاومة وخسارة للعدو، ولو كان هناك حد أدنى من الوعي لدى النظام العربي الرسمي، لفقهوا أن مصلحتهم مع المقاومة وأنها تحميهم من الذلة والاستنزاف.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات