آراء وتحليلات
"عماد4" .. عن إزميل شق الجبال
حدث صعب في غزة. حدث صعب في الشمال... تكاد الأحداث الصعبة لا تغيب عن يوميات كيان العدو. وصعوبة تلك الأحداث – أحيانًا– تثير الاستغراب، لكونها أحداثًا عادية تشبه تلك التي تواجهها أي جماعة منخرطة في حرب ما، ولكن الصعوبة عند الصهاينة تتأتى – كما هو واضح – من أن هذه الحرب هي حرب عدوانية شرسة، يلقي فيها كيان العدو أغلب ثقله على المدنيين، هؤلاء الذين تحيّدهم الشرائع – من أي نوع كانت – وتجعلهم في حصانة من الأعمال الانتقامية. وكيان العدو الذي في أصل تكوينه عصابات ومجرمون، معتاد على الهروب إلى الإمام من أي مواجهة قاسية إلى الانتقام من الأطفال والنساء والشيوخ والعزّل عامة.
من هنا، يستصعب هذا العدو ولو سقوط محارب معتدٍ قتيلًا، أو ربما مصابًا إصابة حرجة، أو طفيفة، أو هلِعًا. وهذا لم يكن انطباعًا روج له العرب عن الصهيوني، بل هو مسار طويل، انسحب حتى على المستوطنين الذين ضجت الدنيا بتذمرهم، وفيما هم خارج استهداف المقاومة في المستعمرات المنتشرة على طول الحدود، فإن العدو لم يتورع عن ارتكاب مجازر بحق المدنيين في لبنان، وآخرها استشهاد 12 عاملًا سوريًا في الإغارة على معمل بوادي الكفور (قضاء النبطية)، فضلًا على عشرات الجرحى.
الصعب إذًا، هو تبدل الأحوال من:
كيان متجبر يملك كل الإمكانيات، وهذه (كان) يردع بها عدوه من دون أن يستخدمها.
جيش تعطى له كل الصلاحيات للقتل والتهجير والتدمير، واستخدام كل الأسلحة المتاحة بين يديه، مهما بلغت في تحريمها وأذاها.
مستعمرون آمنون مطمئنون إلى قوة ردع جيشهم، لم يكونوا يومًا يتخيّلون في أقسى كوابيسهم أن يهجّروا من تلك الدساكر التي بنوها قبل عقود على أنقاض قرى عربية هنا، أو أراضٍ مغتصبة هناك، أو ربما أراضٍ يزعمون أن "الوكالة اليهودية" اشترتها، وأي شرعية يحكى عنها إذا كان البيع والشراء عبر تلك الوكالة المجرمة!.
حرصت المقاومة في بياناتها عن العمليات اليومية أن تعيد الأمور إلى نصابها في ما خص القرى السبع اللبنانية، لا المحتلة فقط، بل المغتصبة والمطلوب طمس هويتها: صلحة، المالكية، قَدَس، تربيخا(طربين)، هونين، النبي يوشع، إبل القمح والبصّة (الواقع إن عدد القرى التي ينطبق عليها وضع القرى السبع يتعدى الثلاثين، وبعض المؤرخين والجغرافيين يحصرها في 14 قرية، منها: الخالصة وبرعم وإقرت والمنصورة... يراجع في هذا الخصوص المراجع المختصة لا سيما مؤلفات الدكتور عصام خليفة والدكتور كمال ديب وغيرهما).
هؤلاء المستعمرون منذ مدة غير بعيدة يعيشون أحداثًا صعبة؛ لا أحد ينسى شكواهم من سماع صوت المطارق تنقر رؤوسهم وهم نيام. بعدها بفترة قصيرة أعلن جيش العدو اكتشاف ما زعم أنه نفق، وأن حزب الله حفره انطلاقًا من الأراضي اللبنانية وكان الهدف أن يصل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
مجرد نفق، من غير المعلوم حجمه ولا تأثيره ولا هدفه العسكري، أفزع المستعمرين حتى لم تعد تغمض لهم عين، خصوصًا وأن تلك الفترة شهدت اختراقًا للحدود مع فلسطين المحتلة، سواء لعمال سودانيين، أو لمواطنين لبنانيين أو فلسطينيين أو غيرهم، لأسباب متنوعة.
فكيف إذًا، و"الهدهد" يرسل يومًا بعد آخر، ما وصلت إليه عيناه من "ملك" بني صهيون، في القلاع والثكنات والقواعد التي يقولون إنها محصنة، وإنها عمدة الحرب المقبلة التي ما انفك قادة العدو يهددون بها لبنان، قبل طوفان الأقصى، وبعد الطوفان وما جره على الكيان، وما زالوا حتى يومنا هذا يصعدون ويتهددون ويتوعدون.
أما أخيرًا وليس آخرًا، فكان "عماد 4"، هذا الذي أعطاه الإعلام الحربي، التابع للمقاومة الإسلامية، تسمية غير تقليدية، لا تشبه تسميات الحروب ولا الإنجازات ولا العمليات، بل اسم يصح فيه السهل الممتنع.
"جبالنا خزائننا". لأول مرة تكشف المقاومة عن منشأة من هذا النوع بهذه الطريقة وبهذه المواصفات، والصور كانت أبلغ من أي تعليق، في محاكاة لبعض ما كان "بشّر" به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله و"أنذر"، من مفاجآت أعدتها المقاومة للعدو، لقطعه وكتائبه وإمكانياته، بحرًا وجوًا وبرًا، وهذه المرة في عمق الأرض!.
في مشهد النفق العملاق، الظاهر فيه العمل الضخم والمتقن، والذي من الواضح كم كلف من جهد ومن وقت ومن إبداع، نستذكر أن المقاومين بدؤوا حفر الأنفاق الصغيرة في جبال إقليم التفاح منتصف الثمانينيات، بإزميل تقليدي بسيط ما زال عالقًا في إحدى الصخور الصلبة، تركه المقاومون شاهدًا على عصر بدؤوا العمل فيه من ما تحت الصفر إمكانيات، إلى عصر صاروا فيه قوة إقليمية يحسب لها العالم كله ألف حساب.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024