آراء وتحليلات
العدو يقف على "إجر ونص" ويتوسل حماية حلفائه
أثبتت التجارب، على امتداد مراحل الصراع التاريخي مع الكيان الصهيوني، حقيقة واضحة لا لُبس فيها، وهي أن "إسرائيل" التي تتباهى بقدراتها العسكرية والإستخباراتية والتكنولوجية عاجزة في الواقع في الدفاع عن نفسها أمام الضربات العسكرية الموجهة إليها، بعيدًا عن مساندة الحلفاء على نحو كبير جدًا.
الحقيقة هذه باتت أكثر وضوحًا منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، والتي أظهرت على نحو لا يحمل التشكيك مدى هشاشة القدرة الدفاعية "الإسرائيلية" في التصدي لهجمات جبهة المقاومة بكل أطيافها، بدءًا من جبهة غزة مرورًا بجبهة الإسناد اللبنانية ووصولًا إلى جبهة اليمن.
أربع وعشرون ساعة كانت كفيلة بنقل الكيان المحتل إلى حالٍ من الانهيار غير المسبوق، لو لم تتدارك الأم الحنون أميركا وحلفاؤها الغربيون خطورة الواقع. فقد حشدت أميركا والحلفاء معها للوقوف خلف "إسرائيل" في حربها الإجرامية التي صنّفها الغرب وأميركا تحت مسمى "الدفاع عن النفس"، وقد بذلت الولايات المتحدة في سبيل ذلك جهودًا دبلوماسية وعسكرية مكثّفة جدًا.
لقد كشفت جبهة غزّة حقيقتين أوهمت "إسرائيل" العالم لعقود طويلة بشعارات مناقضة لهما. الأولى تتجلى بالفشل الاستخباراتي المدوّي الذي أوقعها على حين غرّة في شباك "طوفان الأقصى"، والثانية بالفشل العسكري الذي ظهر من خلال عجزها عن القتال في رمال غزة. وفي الحالين استغاثت بحليفتها الكبرى التي استنفرت كل إمكاناتها الاستخباراتية والعسكرية لتأمين الدعم اللازم، إن كان عبر إرسال السفن الحربية إلى المنطقة وتكثيف الشحنات العسكرية أو حتى عبر إرسال بعض القوات الأميركية المساعدة.
الحضور الأميركي الكبير انسحب، أيضًا، إلى الجبهة اللبنانية، ليس فقط على المستوى التكنولوجي والتجسسي، بل على صعيد الحضور على الأرض. وآخر الشواهد، في هذا السياق، كانت مقتل جندي أميركي على الحدود مع لبنان في أثناء قيامه بـ"مهمة تدريبيّة"، وذلك بعد استهداف المقاومة لإحدى ثكنات العدو بالمسيّرات الانقضاضيّة.
من جبهة غزة وجنوب لبنان إلى اليمن، حيث ظهرت معالم الإخفاق الدفاعي "الإسرائيلي" بقوة مع عجزه في الاعتماد على قدراته في صدّ الهجمات اليمنية في البحر الأحمر، أرسلت الحليفة الأولى مدمراتها إلى البحر الأحمر حاشدةً معها عدد من الحلفاء تحت ما يسمى بتحالف "حارس الإزدهار". وقد فشل هذا التحالف إلى حد كبير جدًا في منع الهجمات اليمنية. والتفوق اليمني توّج مؤخرًا بنجاح حركة أنصار الله بإرسال مسيّرة انقضاضية إلى "يافا"، أصابت هدفها بدقة وكشفت في الوقت عينه العجز الدفاعي الصهيوني في صدها أو حتى كشفها.
منذ الثالث عشر من شهر نيسان/أبريل المنصرم، دخلت إيران مباشرة إلى حلبة الصراع بعد قيام الكيان الصهيوني باغتيال عدد من القادة الإيرانيين في مبنى القنصلية الايرانية في سوريا. هذه المرة، علا صوت "إسرائيل" مجددًا وبقوة غير مسبوقة لحشد العدد الأكبر من القوات المسلحة الحليفة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول عربية أخرى، لصد الهجوم العسكري الذي شنته إيران عليها ردًا على عملية الاغتيال.
المشهد نفسه يتكرر اليوم؛ لكن بوتيرة أعلى، فـ"إسرائيل" التي أعادت ارتكاب حماقة جديدة بحق إيران، باغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس القائد إسماعيل هنيّة في طهران؛ تقف على إجر ونصف وتستعد منذ أيام لتلقي ضربة ثانية، ومن المرجح أن تكون أشد فتكًا. والاستغاثة، اليوم، جاءت على لسان رئيس وزراء العدو "نتنياهو" الذي ما إن فعل فعلته هذه، حتى بدأ حملة اتصالات ومناشدات مكثفة لحشد جهود الحلفاء للتصدي مجددًا للهجوم الإيراني المرتقب.
في هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى عيّنة من التكاليف الباهظة التي تكبّدتها القوات الحليفة في صد الهجوم الإيراني الأخير. إذ تشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت لإسقاط الصواريخ الباليستية الإيرانية صواريخ من نوع SM-3، وهي تستخدم للمرة الأولى، بينما تبلغ قيمة الصاروخ الواحد 12 مليون $، مقارنة مع الصواريخ الإعتراضية الإسرائيلية "آرو" التي يبلغ ثمن الصاروخ الواحد منها 3.5 مليون $. وفي تقديرات للتكلفة الإجمالية للعملية الدفاعية، فقد بلغت ما يقارب المليار $ وفقًا لوكالة "رويترز"، بينما في المقابل قُدّرت تكلفة الهجوم الإيراني بما يتراوح بين 80 إلى 100 مليون $ .
جدير بالذكر أن هذه الجهود العسكرية والاستخبارتية الحثيثة والمقدّمة على الجبهات كلّها، ترافقت مع جهود وتحركات دبلوماسية لا تقل شأنًا عنها، إذ لم تترك أميركا بابًا للوساطة مع جبهات الإسناد إلا وطرقته، في محاولة منها لتخفيف وطأة الصفعات التي تتلقاها "إسرائيل" في كل الجبهات من جهة، ولاستيعاب حماقة "نتنياهو" ومن معه من جهة أخرى. وقد وقعت هذه المهمة، بشكل أساسي، على عاتق كلّ من "هوكشتاين" و"بلينكن" المتنقلين على نحو مستمر ومكثّف منذ عشرة أشهر في منطقة الشرق الأوسط.
المؤكد الآن هو أنّ بلاد العم سام ومن معها من حلفاء، عربًا وغربًا، سيبذلون جهودًا مضاعفة هذه المرة لصد الهجوم الإيراني نظرًا إلى التوقعات المتداولة باحتمال وقوع هجوم أشد قساوة. لكن ماذا لو استمرّت سُبحة "نتنياهو" الاستفزازية بالكرّ؟
الإجابة هنا متشعبة، وهي تحمل خيارات عدّة بالفعل، يبقى أبرزها ما ذكرته صحيفة "The national interest"، في مقال للكاتب الأميركي "دانييل داڨيد"، والذي أشار إلى أن إقدام زعماء "إسرائيل" على المجازفة التي قد تفضي إلى شن المزيد من الهجمات ضدها، لا بدّ أن تكون على استعداد للتعامل مع هذا الموقف. ولكن ينبغي ألّا تتوقع "إسرائيل" من القوات المسلحة الأميركية أن تقاتل إلى جانب جيشها، كما ينبغي لواشنطن ألّا تكون طرفًا في الانخراط في عمليات عسكرية تتعارض وأهداف أمنها القومي، وقد تجرها إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط".
الولايات المتحدة الأميركيةجيش الاحتلال الاسرائيلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024