آراء وتحليلات
معركة ترامب - هاريس والتحديات التي سيواجهها المرشح العجوز
ابتدأت خلال الأيام الماضية معركة حامية الوطيس ما بين كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي، ومرشحته للانتخابات القادمة، وبين دونالد ترامب، الذي ابتدأ اليوم بانتقاد كلّ صغيرة وكبيرة تقوم بها هاريس، بما في ذلك ضحكتها. ويبدو أن الأشهر الأربعة القادمة ما بين مرشحة الديمقراطيين هاريس، مع وقف التنفيذ حتّى موعد المؤتمر العام لهم في السابع من الشهر القادم، والذي يبدو أنه سيقوم بتبني هاريس، وما بين الجمهوريين، ستكون مسلية جدًا لبعض المراقبين، ومقلقة للأوروبيين، وللأميركيين على حد سواء، خاصة إذا ما استمر ترامب بالتحدث بنفس الطريقة المبتذلة التي يهاجم بها هاريس، بعد تنحي الرئيس الأميركي جو بايدن عن الترشح، واستمرت هاريس بالتلويح بالمحاكم والسجن في وجه ترامب.
مخاوف الأوروبيين حقيقية ومشروعة في حال وصول ترامب للرئاسة، ليس لأن الرجل يريد أميركا عظيمة، ولكن لأن أميركا على طريق عظمتها الترامبية ستجعلهم يدفعون الأموال الطائلة مقابل حمايتهم، وهم الذين استنفدت مصادرهم المادية والعسكرية في أوكرانيا، وسيضعهم ذلك في موقف لا يحسدون عليه في حال أوقف ترامب حرب الناتو في أوكرانيا، والحقائق التي ستتكشف ستكون مخيفة، بما فيها الحقائق حول شراكة هانتر بايدن في مختبرات ومعامل الفيروسات في أوكرانيا والتي انتشر منها وباء كوفيد 19، بحسب ما صرحت السلطات الروسية التي وصلت جيوشها إلى المختبر وحصلت على الوثائق التي فيه. وعندها سيرى العالم محاكمات لرئيس سابق وابنه لم يسبق لها مثيل. وعلى المقلب الآخر إذا ما فازت هاريس واستمرت بسياسات بايدن، فإن أوروبا هي التي ستعاني أيضًا، خاصة إذا أقدم الناتو على حماقة الهجوم على روسيا، إذ هدّد الرئيس بوتين منذ سنوات، أنه لا يستطيع أن يرى العالم من دون روسيا، واستخدام النووي وارد في تلك الحال، وأول المتضررين أوروبا، فأوروبا إذًا "بالعة الموس على الحدين".
طريقة ترامب في التعاطي الخطابي مع هاريس تبدو كأن فيها تآمرًا عليه، فلا أحد يدري لماذا قام مستشاروه الذين أداروا معركته الانتخابية بدقة وحرفية بالسماح له اليوم بهذا التفلت بالكلام، ليعود كلامه دون ضوابط. وهذا ما سيتسبب حقيقة بخسارته، ليس لأنه يلقي النكت على طريقة كلام هاريس وضحكاتها، والتي أثبتت أنها قادرة على استقطاب الناخبين بعد انسحاب بايدن من السباق، ولكن بسبب الكلام المبتذل والذي يذكّر بطرقه المخيبة للآمال خلال سني حكمه. وبحسب استفتاء أجرته إبسوس ونشره موقع رويترز منذ أيام فقد ارتفعت نقاط هاريس نقطتين أكثر من ترامب. والمؤكد أن الاستفتاء أجري بين الأغلبية الصامتة والقلقة من وصول بايدن، الذي بدا عليه تعب الكبر من خلال النسيان والتلكؤ والتلعثم خلال كلامه، والوقوع المستمر والشرود في المحافل الدولية.
نتائج رويترز مثيرة للاهتمام، خاصة وأنه في المقابل في 23 من هذا الشهر، نشرت نيوزويك أول استطلاع للرأي بعد يومين من إعلان بايدن الانسحاب من السباق الرئاسي، أظهر تقدم ترامب على هاريس. أجري الاستطلاع بواسطة أون بوينت بوليتكس وسوشال ريسرتش، وحصل فيه ترامب على 51% من الأصوات فيما حصلت هاريس على 43%، و6% لم يكن لديهم أية ثقة بالمرشحين. الاستطلاع شمل 800 ناخب، وأجري في 21 من هذا الشهر يوم انسحاب بايدن وبلغ هامش الخطأ فيه 3.5%. وكانت أيضًا شركة التحليلات مورنينغ كونسلت قد أجرت استطلاعًا آخر في الوقت نفسه، أظهر أن 47% يفضلون ترامب بينما 45% يفضلون هاريس. شارك في الاستطلاع الثاني 4001 ناخب مسجل وبلغ هامش الخطأ فيه 2% نقطة.
وفي حين يحاول ترامب التحذير من سياسة بايدن الاقتصادية التي تسببت بازدياد التضخم في الولايات المتحدة، ومسألة تفلت الحدود وبالتالي عدم القدرة على ضبط دخول المخدرات وتجار السلاح والكارتلات التي تحكمها، إلا أن ترامب يتحدث عن هؤلاء وكأن لا علاقة لهم بالدولة الأميركية العميقة. وقد كشف الفيلم "اقتل الرسول"، الذي صدر في العام 2014، ما فعلته المخابرات الأميركية بالصحافي غاري ويب، حين كشف أن وكالة المخابرات المركزية متورطة في شبكة مخدرات تمول المتمردين في أميركا الجنوبية وتستخدم أموال المخدرات لتمويل عملياتها القذرة دون رقابة، من اغتيالات وانقلابات عسكرية في داخل البلدان المستهدفة. وقد حاول كبار المسؤولين ثنيه عن نشر القصّة. ويب نشر القصّة وكان الثمن تحجيمه كصحفي محقق ونفيه ليعمل مراسلًا صغيرًا في بلدة صغيرة، وانهارت عائلته بسبب ملاحقتها من قبل الصحافة الصفراء والمكتب الفيدرالي. والسؤال هنا: كم سيكون ترامب قادرًا على إدارة هذه العلاقة؟ وبالتالي فعلى أحدهم أن يوضح له هذه الحقائق.
في المقابل تقوم هاريس، والتي يبدو أنها متحدثة جيدة جدًا ولائقة وراء المنصة، قادرةً على تفكيك مشروع ترامب والعمل ضدّه، وتتهمه بأنه سيوقف مشروع ميدكير (الضمان الصحي)، والضمان الاجتماعي، وابتدأت بالتحذير من مشاريعه القادمة وبخاصة المشروع 2025، والذي يدعو إلى إقالة الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، وتوسيع سلطة الرئيس، وتفكيك وزارة التعليم، وتخفيضات الضرائب الشاملة، وحظر المواد الإباحية، ووقف مبيعات حبوب الإجهاض، ومن ثمّ اتهام ترامب بخفض الضرائب على المتمولين من أصحاب شركات البترول والسلاح وغيرهم من المتمولين، وذلك الكثير مما تضمنه المشروع. أما بالنسبة للإجهاض فإن واضعي الوثيقة، هم من المعارضين الشرسين له.
لكن على المقلب الترامبي، يبدو أن تشريع الإجهاض كما تراه إدارة بايدن وبالتالي هاريس ومن خلفها الديمقراطيون يدار بطريقة غير إنسانية. كما أن طريقة إدارة قضايا الشذوذ الجنسي وبخاصة التي لها علاقة بتشريع دخول الشاذّين إلى الأماكن العامة الخاصة بالنساء أمر بات يثير الرعب في أميركا. هذا مع العلم أنه وبحسب مقال نشر في بي بي سي، فإن ترامب نأى بنفسه عن هذا المشروع، ونفى على موقع سوشال تروث علاقته بالمشروع وعما يقال حوله، وقال تحديدًا: "أنا لا أتفق مع بعض الأشياء التي يقولونها، فبعض الأشياء التي يقولونها سخيفة وسخيفة للغاية". ومع ذلك فالأيام القادمة هي التي ستحدد، والاتهام الموجه لترامب بهذا المشروع له علاقة بالفريق الذي أنشأ المشروع من المساهمين من مستشاري ترامب السابقين، بمن في ذلك المدير بول دانس، الذي كان رئيسًا للموظفين في مكتب إدارة شؤون الموظفين عندما كان ترامب رئيسًا.
لقد بات المستمع ضائعًا حول مَن سيوقف مَن، ومَن سيحاصر الطبقة المتوسطة والفقيرة أكثر من الآخر. ولكن من الواضح أن المعركة الحقيقية قد ابتدأت، وأن المعركة ضدّ سن ترامب الذي بلغ التاسعة والسبعين، وأنه اليوم أكبر مرشح لرئاسة الولايات المتحدة، قد ابتدأت، فيما بدأت معركة ترامب ضدّ سن هاريس وأنها صغيرة ولا تملك الخبرة لإدارة البلاد. ولكن هاريس ليست صغيرة السن، وعندما تبدأ الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر، ستكون قد بلغت الستين من العمر، وبذا ستكون على الأقل أكبر من باراك أوباما حين كان رئيسًا، ولديها الخبرة القانونية والفعلية في إدارة البلاد. كما أن هناك معركة أخرى تدور رحاها ضدّ جي دي فانس، لأنه صغير السن، فهو مواليد العام 1982، مما يجعله أصغر نائب رئيس للبلاد، ويُتهم بقلة الخبرة. ويبدو أن الاتهام بقلة الخبرة بات أمرًا دارجًا في الولايات المتحدة. وأما التهديد الدارج الثاني، فهو التهديد بالمقاضاة، وهذا ما تهدّد به هاريس بتشجيع من جمهورها من أجل الاستمرار بمقاضاة ترامب في حال وصلت للرئاسة. هذه هي الديمقراطية الأميركية الجديدة!
ولربما علينا هنا كمراقبين في الدول العربية، والتي عانت من الدمار الذي جلبه الأميركيون ومعهم ديمقراطيتهم الغربية إلى العراق وسورية ولبنان ومصر وفلسطين خاصة، التأمل جيدًا بهذه الديمقراطية. وأما بالنسبة لفلسطين ومنطقتنا العربية فالأمر سيان، فلا كفّ ليد الاحتلال الصهيوني، بل دعم مستمر وتسليح دائم وتدخل عسكري إذا ما اقتضى الأمر من أجل الدفاع عن "الديمقراطية الصغيرة" المجرمة، التي أنشئت في فلسطين.
الولايات المتحدة الأميركيةدونالد ترامبجو بايدن
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024