آراء وتحليلات
مناظرة السيئ والأسوأ: بايدن مقابل ترامب
أظهرت المناظرة الأولى التي جرت بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب، في السابع والعشرين من حزيران/ يوليو، الحال المزرية التي وصل إليها بايدن. لقد كان بايدن يبدأ الكلام ببعض الكلمات المفهومة، ولكنه وخاصة في الجزء الأخير من النقاش عندما أعطي كلّ منهما دقيقة يردّان فيها على بعضهما البعض، لم تعد خواتيم كلام بايدن مفهومةً. وبدا، في نصف الساعة الأخيرة، هرمًا منهكًا. وتوصيف ترامب له، خلال الحملات الانتخابية بأنّه غير متوازن وضعيف ولا يستطيع إنهاء لقاء صحفي إلا بشق النفس، دقيق جدًا. الأمر كان كارثيًا بالنسبة إلى بايدن، حتّى بدت المناظرة وكأنّها جاءت لسحب بايدن من السباق مع أنها جاءت بحسب توقيته وشروطه.
منذ أن أعلن ترشحه لدورة رئاسية ثانية، في نيسان/ إبريل الماضي، تعرضت إدارة بايدن للانتقاد حتّى من الإعلام المناصر له، وخاصة الـ CNN، حول إدارة الملف الاقتصادي بالذات. وكانت من أوائل من انتقد بايدن قبل المناظرة الكارثية، منذ شهر نيسان/إبريل الماضي حين نشر في موقع القناة تحقيق بعنوان: "أخبار سيئة لبايدن ولجميع الأميركيين التضخم يزحف إلى الأعلى في أسوأ الأوقات". وعرض الملف طريقة إدارة أزمة التضخم وفشل إدارة بايدن، خلال السنوات الماضية، في تخفيض هذا التضخم. لذلك؛ بدا كلام بايدن خلال المناظرة عن انخفاض التضخم وهبوط أسعار البيض والحليب مضللًا، ولهذا كان تهكم ترامب مشروعًا، حين قال له بأنّ مستشاريه لم يكونوا قادرين على إيصال الأرقام الحقيقية له قبل المناظرة.
يبدو من المناظرة أنّ هناك أمورًا محدّدة مصيرية بين الإدارتين. الموضوع ليس شخص بايدن بقدر ما هو مصير الولايات المتحدة الأميركية، وهو اليوم على المحك، داخليًا وخارجيًا. والموضوع له علاقة بالمهاجرين غير الشرعيين الذين تسمح لهم إدارة بايدن بالدخول بأعداد هائلة وتسكنهم الفنادق وتنفق عليهم من أموال الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية. وبحسب ترامب، المحاربون الأميركيون القدامى والمصابون مشرّدون فقراء يلتحفون الشوارع بسبب نقص الموارد لمؤسسة. كما أن العديد من الأميركيين الأفارقة انخفضت أجورهم إلى ما يساوي ثلث أجور البيض، وهذه أزمة حقيقية، وينسبها ترامب إلى ارتفاع عدد المهاجرين الذين ينافسون المهنيين اليدويين تحديدًا، ما أدى إلى المنافسة في الأجور، وأن الأسعار ارتفعت أسرع بثلاث مرات من ارتفاع الأجور، فارتفعت أسعار السلة الغذائية والبنزين الضروري للتوجه إلى أماكن العمل. ومعظم الأميركيين من أصحاب العائلات وذوي الدخل المتوسط يسكنون الضواحي السكنية "الآمنة"، والتي تضطرهم إلى قضاء ساعة أو أكثر في القيادة على الطرقات السريعة قبل الوصول إلى أماكن عملهم.
يبدو من المناظرة أن ترامب، في قلب هذه الأحداث وهذه المشكلات، والتي تشعرك بأنه رئيس منسجم مع القاعدة المنسية في الولايات المتحدة، يدير معركته الانتخابية من خلال فريق محترف تمامًا كما يدير شركاته. هذه النتيجة لم ينطق بها الديمقراطيون، بل نطق بها إعلامهم؛ ولذلك معظم اللقاءات في أخبار NBC أو CNN، وحتّى في "نيويورك تايمز" وغيرها بشّرت بخسارة بايدن وطلبت منه التنحي. ولكن بحسب الإعلام أيضًا، عائلة بايدن تقف اليوم خلفه أكثر من أي وقت مضى، طالبة منه عدم التنحي. ورفضت ميشيل أوباما زوج الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والذي عمل بايدن في عهده نائبًا للرئيس، الترشح مكانه، بينما كامالا هاريس نائبة الرئيس أعلنت، في 3 تموز/يوليو الماضي، أنّه يشرّفها الترشح بصفتها نائبة للرئيس بايدن.
من الواضح أن الديمقراطيين لا يستطيعون إعادة تجربة ليندون جونسون في العام 1968، عندما تنحّى عن السباق الرئاسي وحلّ مكانه نائبه هوبرت همفري مرشحًا، ما أدى إلى فوز الجمهوري ريشارد نيكسون. هناك أسماء يطرحها الديمقراطيون أو الإعلام، وهم بمعظمهم حكّام ولايات ديمقراطية، ولكن أيًا منهم لم يعلن الرغبة بترشحه. في الحقيقة؛ أن ترشحهم خلال هذا الوقت القصير، وخاصة وأن ترامب يجتاح الولايات والنقاط وخاصة بعد المناظرة، سيُعدّ بالنسبة إلى هؤلاء بمثابة انتحار سياسي.
صحيح أنّ الديمقراطيين لمّا يعلنوا مرشحهم بعد، وبشكل نهائي، ولن يكون ذلك قبل عقد المؤتمر العام للحزب الديمقراطي بين 10 - 22 آب/ أوغسطس القادم. ولكن من خلال الأسماء المطروحة أوليًا- ومن بينها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية في عهد باراك ـوباما والمرشحة السابقة الخاسرة في وجه ترامب- يريد الحزب الديمقراطي تفعيل دور النساء من أجل طرح أسمائهن لرئاسة الولايات المتحدة. والسبب ليس مناصرة المرأة، ولكن لكي يقال إن الحزب الديمقراطي هو أول من دعم وأوصل سيدة إلى رئاسة الجمهورية، كما كان في عهد بايدن أول من شرّع زواج الشاذين جنسيًا وخرج إلى العلن الكلام عن الجنس الثالث، ومنع إعلان جنس الطفل جتى ينمو ويقرر ماهيته، ذكرًا أو أنثى أو شيئًا آخر.. كما شُرّع في عهد بايدن الإجهاض ولو في الشهر التاسع. وهذا ما يقف ضدّه ترامب بشراسة، فدائمًا خلال خطابته، وحتّى خلال المناظرة مع بايدن في آخر الشهر الماضي، تحدث عن الجنين الذي أُجهض في الشهر الثامن وخرج حيًا فوضعه الطبيب جانبًا على الطاولة ليقرر مصيره في ما بعد.
كما قلنا سابقًا؛ إنّ اختيار هاريس نائبةً للرئيس، امرأة ملونة، كان الهدف منه في الأساس الوصول إلى تنحّي بايدن بسبب ضعف إدراكه وصحته، واستلامها مكانه. ولكن يبدو أن بايدن كان عليه إعادة الكرة من أجل تأمين وصول هاريس. علينا أن نفهم، أن إعادة بايدن ترشيح نفسه في 25 إبريل/نيسان 2023، لم يكن يحتاج إلى تسمية الحزب الديمقراطي له، ولكن تثبيته مرشحًا ديمقراطيًا يحتاج إلى تسميته خلال المؤتمر القادم.. ولكن بايدن فعلها، وجميع المناظرات تثبت ذلك من باب التحدّي لترشح ترامب في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
ابتداءً من تلك المرحلة؛ ازدادت محاربة ترامب وصعد مستوى الدعاوى ضدّه من أجل فرض تنحيه، ولكنّه استطاع أن يكون على قدر التحدي. ويبدو أن صراع بايدن ضدّ ترامب بات أمرًا شخصيًا، خاصة بعد كلّ الانتقادات التي أهين من خلالها بايدن بعد وصفه بفاقد الأهلية والعجوز الذي ينسى، وبأنه جعل أميركا مسخرة العالم أجمع بعد أن كانت عظيمة، وأنه تسبب بالتضخم ورفع أسعار الغذاء والبنزين والحاجيات الأساسية، بعد أن كانت أميركا تسير في طريق التعافي.
مع ذلك؛ ترشيح الحزب الجمهوري لترامب لن يكون رسميًا إلا عندما يعلن ذلك رسميًا في المؤتمر العام للحزب الجمهوري، خلال منتدى فيسيرف في ميلووكي، وسيكون في منتصف هذ الشهر. ومع ذلك؛ الأمر بالفعل شخصي بالنسبة إلى بايدن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024