آراء وتحليلات
"إسرائيل" ليست بموقع فرض الشروط على لبنان
لا تخلو "الوساطات" بين لبنان والكيان "الإسرائيلي" من بنود هدفها تلبية متطلبات أمنية "إسرائيلية"، بما لا يعكس الوقائع الميدانية سواء تلك التي سبقت عملية طوفان الأقصى، أو ما تلاها.
يجمع "الإسرائيليون" على ضرورة تغيير الواقع عند الحدود مع لبنان، تمهيدًا لعودة المستوطنين إلى مستوطناتهم، وضمان مستقبل آمن لهم، يبعد عنهم مشهد اقتحام مستوطنات غلاف غزّة صبيحة السابع من أكتوبر حين انهارت موانع جيشهم وتحصيناته أمام المئات من مقاتلي النخبة في كتائب القسام.
لا شك أن واقع الجبهة اللبنانية كان أحد أهم وأبرز عناوين زيارة وزير الحرب "الإسرائيلي" يوآف غالانت إلى واشنطن، وهو التحدّي الأبرز الذي يصعب على "إسرائيل" إيجاد حلول منفردة له، بل حتّى ولو شاركها العالم في حرب تريدها، فلا ضمانة لتحقيق المرجو منه، خصوصًا مع تأكيدات وفق تقديرات ومعطيات عن أن أي حرب على لبنان لن تنحصر فيه وأنها سرعان ما ستتحول إلى شاملة، وهو أمر سهل، كما عبر وزير الحرب الأميركي لويد أوستن.
بعد سلسلة اجتماعات له في واشنطن، يقول وزير الحرب الإسرائيلي: "لا نريد حربًا في لبنان لكننا لا نقبل بوجود تشكيلات عسكرية لحزب الله على حدودنا".، تصريح ينم صراحة عن واقع المأزق الصعب لـ "إسرائيل"، وهو يعكس نتائج الزيارة لواشنطن، ويعطي صورة عن مواصلة المساعي "الدبلوماسية" التي تقودها واشنطن، رغم أنها طرف وليست وسيطًا، لأن حسابات الحرب ليست مضمونة، بل ويمكن أن تؤذي المنطقة والعالم، وأكثر من سيدفع ثمن توسعها هي واشنطن نفسها.
لكن ثمة نقاط لافتة في الخطاب "الإسرائيلي" الذي يقر بالمأزق، وهو مواصلة طرح "الشروط" على لبنان، ويتحدث من موقع المنتصر، في وقت تعاني "إسرائيل" من عجز في إعادة مستوطنيها، بل وحتّى من فشل في كثير من الأبعاد العسكرية، ويكفي مراجعة ما يقوله معلقون وجنرالات سابقون حول أزمة الجيش في مواجهته حزب الله وأسلحته.
في المقابل، ووفق الوقائع، نجحت المقاومة في لبنان في فرض إرادتها جنوبًا، سواء لجهة تحقيق الهدف الأول عبر إسناد المقاومة في غزّة، أو كبح العدوّ عن التهور وتوسيع الحرب، ووضعته في مأزق أمني صعب، وبادرت في الرد على تهديداته بجملة من الإجراءات، مرفقة بحملة إعلامية حربية تكشف بعض نوايا الحزب.
هدف ما قام به حزب الله، وما أعلنه السيد نصر الله، ليس الردع فحسب، بل لإفهام الأميركيين و"الإسرائيليين" على حد سواء أن زمن محاولة فرض الشروط "الإسرائيلية" انتهى، ويكفي مراجعة مرحلة الترسيم البحري، وأنها في موقع من يفرض الشروط لا العكس، وهي بذلك تجنح نحو وضع محدّداتها لواقع الجبهة، ما بعد وقف الحرب على غزّة، وأنها ليست بوارد الخوض في أي تفصيل قبل ذلك.
إن مجمل ما ينقل ونقل إلى لبنان، هي شروط تحقق مصالح "إسرائيلية"، لا يمكن تلبيتها - وهي رفضت - ولا تأخذ بعين الاعتبار الوقائع الميدانية والعسكرية.
وعليه، إن "إسرائيل" تدور في دائرة مفرغة، ويبقى عليها أن تفكر بكيفية التكيف مع الواقع الذي تسميه "تهديدًا أمنيًّا"، خصوصًا أن المؤشرات كافة تدل على أن ميزان الردع تعزز لمصلحة حزب الله ولبنان لا العكس.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024