آراء وتحليلات
سياسة الضغط السياسي القصوى على حماس وعلاقتها بتهديد لبنان
ركز العالم على ما اصطلح عليه أنه مبادرة الرئيس الأميركي بايدن لوقف إطلاق النار رغم مفارقتها الغريبة والتي تتمثل في قول بايدن إنه مقترح "إسرائيلي" ودعوته الكيان لقبول المقترح. وركزت وسائل الإعلام أيضًا على موقف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" رغم موقف حماس والمقاومة ككل الواضح والمعلن والمتمثل في وقف إطلاق النار بشكل كامل وانسحاب القوات الصهيونية من غزّة وإعلان العدوّ موافقته على ذلك، بل ويسرت الأمر أكثر عندما طلبت موافقة العدوّ على المقترح الذي وافقت عليه الحركة بالفعل وتنصل العدوّ منه.
ولكن هناك فقرة في خطاب الرئيس الأميركي لم يركز عليها الإعلام ولم تتناولها التحليلات رغم خطورتها وكشفها لجوهر الموقف الأميركي المنافق، وهي الفقرة التي قال بايدن فيها نصًّا: "إذا لم تفِ حماس بالتزاماتها بموجب الاتفاق، بإمكان "إسرائيل" استئناف العمليات العسكرية. لكن مصر وقطر أكدتا لي، وهما مستمرتان في العمل لضمان عدم قيام حماس بذلك. وستساعد الولايات المتحدة على ضمان وفاء "إسرائيل" بالتزاماتها أيضًا. هذا ما ينص عليه الاتفاق موضع البحث".
وهذه الفقرة من الخطاب تشمل عدة فخاخ ومعانٍ ودلالات سيئة يمكن رصدها في عدة نقاط:
1 - اتهام مسبق لحماس بعدم الوفاء بالالتزامات رغم أنه تاريخيًّا تنحصر جميع الانتهاكات في العدوّ "الإسرائيلي" وأحدثها الهدنة الإنسانية المؤقتة التي استمرت أسبوعًا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 والتي أفرجت حماس فيها عن 105 أسرى "إسرائيليين" ومن جنسيات أخرى خلال صفقة تبادل وانتهت بخرق وغدر "إسرائيلي".
2 - لا يوجد تعهد أميركي صريح بضمان وفاء "إسرائيل" بالاتفاق حيث الصيغة المستخدمة ضعيفة "ستساعد الولايات المتحدة على ضمان وفاء.."، وهي لا تصلح للعبير عن جدية وتعهد واضح في اتفاق غير واضح في الأساس ويشتمل على بنود فضفاضة لا حديث فيها عن المعابر ومناطق الانسحاب ولا قواعد الاشتباك التي يمكن أن تخرق الهدنة في مراحلها المختلفة.
3 - الموقفان المصري والقطري غير واضحين حيث تعلم كلّ من مصر وقطر الورقة التي وافقت عليها حماس والتي قدمت باعتبارها مقترحًا مصريًّا قطريًّا وافقت عليه "إسرائيل" وتعلمان جيّدًا موقف حماس وخطوطها وحدودها وأسقفها التي لا تتخطّى المقترح الذي قدم إليها ووافقت عليه، ورغم ذلك تتجاوبان وتتبنّيان الطرح الأميركي باعتباره فرصة وتضغطان على حماس للقبول به بل وتتعهدان للرئيس الأميركي بأن حماس لن تخرقه.
من هنا فإن الموقف الأميركي المنافق يريد تقديم مزيد من الذرائع والأغطية السياسية للعدو "الإسرائيلي"، ويبدو في صورة من ضغط على الكيان للتفاهم ووقف إطلاق النار ثمّ إلصاق تهمة أي خرق واستئناف للعدوان بالمقاومة، وذلك بالطبع بعد تخفيف الضغط على العدوّ بتحرير بعض الأسرى في ما يسميه بايدن بالمرحلة الأولى.
لا شك أن المقاومة بجميع فصائلها تفطن إلى جميع الفخاخ وأعلنت بحكمة سياسية تجاوبها مع أي مقترحات لوقف العدوان، وبصمود مقاوم تمسكها بمطالب المقاومة الواضحة.
وقد لخصت المقاومة موقفها في مذكرة توضيحية أكدت فيها أنّ الورقة التي اطلعت عليها عبر الوسطاء بشأن خطة وقف إطلاق النار، التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جو بايدن وقال إنها "ورقة "إسرائيلية""، لا تتوافق مع ما أعلنه في تصريحاته، مشيرة إلى وجود فرق، وأنّ ما وصل إليها لا يوقف الحرب، ويمهد لاستئناف حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في غزّة. وشدّدت في الوقت نفسه على أنّها ملتزمة بموقفها الإيجابي تجاه التصريحات التي يجب أن تنعكس في نصّ الاتفاق.
الخطوات الأميركية القادمة المتوقعة
لا شك أن رفض نتنياهو الواضح لما طرحه بايدن باعتباره "ورقة "إسرائيلية"" لم يغير الموقف الأميركي من دعم الكيان، بل والأكثر من ذلك أن أميركا تساعد الكيان على احتواء تداعيات الخلافات والانقسامات حول الورقة، فقد أفادت وسائل الإعلام بنصائح أميركية لغانتس بالعدول عن اعتزامه الاستقالة من مجلس الحرب باعتبار الخطوة تضر بالكيان في هذا التوقيت.
ولكن أميركا لن تكتفي بهذه الخطوات في ما يبدو، حيث ألمح روبرت سوتلوف، وهو من كبار الخبراء في معهد واشنطن، إلى خطوات أميركية لتعزيز موقف الكيان إذا ما بدا للعالم أن حماس لم تمتثل للورقة باعتبارها فرصة للسلام، وحدد التزامات أميركية للكيان لخصها في ما يلي:
أولًا: زيادة الدعم المباشر لـ"إسرائيل" إذا اضطرّت إلى استئناف العمليات العسكرية، مثل توفير معلومات استخباراتية متخصصة، ربما كانت واشنطن متردّدة في مشاركتها سابقًا، وتعزيز التعاون في مواجهة التحديات القانونية الدولية المختلفة التي تواجهها "إسرائيل".
ثانيًا: معاقبة حماس من خلال إجراءات تشمل ضمان اعتقال وتسليم قادتها المقيمين في قطر ودول أخرى، فضلًا عن تقديم المساعدة لجهود مكافحة الأنفاق على طول الحدود بين مصر وغزّة.
ثالثًا: في حين ستبقى بعض هذه التفاهمات سرية، إلّا أنه يجب الإعلان عن البعض الآخر للتأكد من أن حماس تفهم ما هو على المحك. ويُظهِر دعم الولايات المتحدة الضمني للعملية "الإسرائيلية" الحالية في رفح، حتّى في أعقاب الحادث المأساوي الأخير الذي خلّف عشرات القتلى من المدنيين الفلسطينيين، أنه من الممكن أن يجد الشريكان أرضية مشتركة بشأن العمليات العسكرية الأكثر إثارة للجدل.
التهديدات للبنان
من خلال الموقف الأميركي ومواقف الوسطاء المشبوهة الضاغطة على المقاومة للقبول بأي مقترح، ومن خلال صمود المقاومة وصمود محاور الإسناد في اليمن والعراق ولبنان، فإن حملة الضغط القصوى على المقاومة للقبول بمقترح استسلامي تشمل أيضًا الضغط على محاور الإسناد.
ومن هنا يمكن فهم حملة التهديدات وتواتر التقارير الإعلامية والتصريحات التي تتحدث عن حرب "إسرائيلية" مرتقبة ووشيكة مع لبنان وغزو بري وتهويلات كبرى.
وما يمكن فهمه هنا هو الضغط على محور المقاومة إما لتخفيف الإسناد وإتاحة الفرصة للعدو للفتك بغزّة، وإما لضغط محور المقاومة على حماس لتليين موقفها والقبول بالمقترحات الصهيوأميركية وإلا فإن الأمور ستتأزم ويندلع الصراع مع الجميع.
وهنا فلا بد أن يعلم العدوّ وقبله أميركا أن محور المقاومة تعهد بإسناد غزّة حتّى وقف إطلاق النار الكامل فيها، ولن تثنيه تهديدات، وقرار المقاومة الفلسطينية هو قرار مستقل لا يمليه عليها المحور رغم التوافق الاستراتيجي والتنسيق، والأهم أن التصعيد واتساع المعركة ودخول الجبهات الأخرى وعلى رأسها جبهة لبنان بشكل موسع هو تهديد وجودي للكيان وأميركا وليس تهديدًا للمقاومة ومحورها.
وقد أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان موقفها بوضوح كبير لا يقبل اللبس وملخصه ومفاده أنها باقية على إسناد غزّة حتّى النصر ووقف إطلاق النار الكامل، وأنها لا تخشى توسع المعركة وهي جاهزة للوصول مع العدوّ إلى المواجهة الكبرى.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024