آراء وتحليلات
اتفاقية ميناء "تشابهار" بين الهند وإيران.. نقطة تحول استراتيجي
وقعت الهند وإيران، يوم الاثنين 13 أيار/مايو 2024، عقدًا يخصّ ميناء تشابهار الإيراني البحري، وذلك بعد مباحثات طويلة نسبيًا بين الخبراء والمتخصصين من الجانبين. ويتضمن العقد قيام شركة IPGL الهندية بتطوير وتجهيز وتشغيل محطات الحاويات والبضائع العامة في ميناء تشابهار، وتبلغ قيمة العقد الجديد 120 مليون دولار، ومدته 10 سنوات. بالإضافة إلى أن البلدين عضوان في منظمة "شنغهاي" للتعاون ومجموعة "بركس"، سيسعيان إلى نقل العلاقة بينهما إلى مستوى التعاون الاستراتيجي انطلاقًا من الجوانب التجارية والاقتصادية. وبحسب تقرير للبنك الدولي فقد حققت كلّ من الهند وإيران أكبر نسبتي نمو اقتصادي في العام 2023، حين حلّت الهند في المرتبة الأولى بنسبة 6.7، في ما حلت إيران في المرتبة الثانية بنسبة نمو اقتصادي بلغت 5.4.
أهمية ميناء تشابهار:
يعتبر ميناء تشابهار أكبر ميناء بحري في إيران، ويتميّز بموقع استراتيجي بوقوعه في شمال بحر عمان وعلى المحيط الهندي في الجنوب الشرقي لإيران. ويشكّل الميناء جزءًا من الممر الدولي شمال - جنوب الذي يربط بين الهند وإيران وروسيا، كما أنه يعدّ البوابة البحرية الرئيسة لدول آسيا الوسطى، ويمكن أن يشكّل محطة للعبور إلى غرب آسيا ومنها إلى البحر المتوسط.
الطموحات الهندية:
تعدّ الاتفاقية الموقّعة أول استثمار هندي في مجال الموانئ الخارجية، حيث تسعى الهند في ظلّ الطفرة الاقتصادية التي شهدتها في السنوات الأخيرة إلى أن يكون ميناء تشابهار بوابة للاقتصاد ونقل البضائع والتجارة إلى أفغانستان، وكذلك إلى دول آسيا الوسطى والفضاء الاوراسي ككل، بما فيها أذربيجان وتركيا وصولًا إلى أوروبا، وكذلك تفعيل اتفاقية ممر شمال - جنوب.
وتسعى الهند كذلك من خلال هذا العقد، إلى الاستغناء عن العبور عبر الأراضي الباكستانية، وإيجاد ممر موازٍ ومنافس للممر الصيني- الباكستاني، حيث تقوم الصين بتطوير ميناء غوادر الباكستاني على المحيط الهندي ليكون بوابة بحرية لدول آسيا الوسطى أيضًا.
الأهداف الإيرانية:
بحكم الموقع الجغرافي الاستراتيجي لإيران والممتد من وسط آسيا إلى غربها ومن قلب أوراسيا إلى المحيط الهندي، فإنها تسعى كي تكون مركزًا وعقدة للعديد من ممرات النقل والعبور البري والبحري، والتي تربط الشمال بالجنوب، وتربط دول قارة آسيا ببعضها، وكذلك الربط بين آسيا وأوروبا. وتعمل إيران كي يشمل ذلك النقل البحري والطرق السريعة وشبكات السكك الحديدية، كما وتسعى كي تتحول إلى نقطة تلاقي وتعاون بين شعوب المنطقة ودولها بدلًا من التنافس والصراع، وهو ما سيحقق التنمية للجميع. وترى إيران بأن العقد الجديد مع الهند سيسهم في تفعيل اتفاقية ممر شمال - جنوب، واتفاقية العبور الثلاثية مع الهند وأفغانستان.
الموقف الأميركي:
سارعت الولايات المتحدة إلى التهديد بفرض عقوبات على الشركات الهندية التي تتعامل مع إيران عبر تشابهار، وأعلن نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل أن: "العقوبات الأميركية على إيران ما تزال قائمة وسنستمر في تطبيقها". وعندما سئل عن إبرام الهند صفقة مع إيران لإدارة ميناء تشابهار على مدى السنوات العشر المقبلة، قال إن: "أي شخص يفكر في إبرام صفقات تجارية مع إيران، عليه أن يكون على دراية بالمخاطر المحتملة التي يعرض نفسه لها والمخاطر المحتملة للعقوبات".
يظهر من تصريحات الخارجية الأميركية، سواء لجهة مضمونها أو لجهة سرعة إصدار البيان في اليوم ذاته الذي وقعت فيه الهند وإيران على الاتفاقية، بأن واشنطن قد أصيبت بالصدمة وتشعر بالكثير من الغضب. وعلى الرغم من أن الحديث عن الاتفاق كان علنيًا، واستمر طوال الأشهر الأخيرة، لكن واشنطن على ما يبدو كانت تعوّل على الضغوط والتهديدات التي تمارسها على نيودلهي لمنع توقيع الاتفاق، وهي فشلت في تحقيق ذلك، وهذا ما جعلها تشعر بالصدمة.
ممّا لا شك فيه أن التهديدات الأميركية تستهدف الهند بالدرجة الأولى من أجل معاقبتها على سياستها الخارجية المستقلة، ورفضها الخضوع لأميركا كونها تابعة لها، خاصة بعدما أدركت واشنطن مسبقًا بأن سياسة الضغوطات والتهديدات ضدّ إيران لم تجدِ نفعًا.
في البعد الجيوسياسي للاتفاق:
تشكّل اتفاقية ميناء تشابهار واحدة من التحولات الجيوسياسية المهمّة التي يشهدها العالم، في ظلّ الصراع والتنافس لبناء عالم جديد متعدد الأقطاب ومتحرر من هيمنة القطب الواحد. وبالنظر إلى هذا الاتفاق كنقطة تحول استراتيجي في العلاقات الهندية - الإيرانية، فإنه يُضاف إلى التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا، والذي من المتوقع أن يتحول إلى اتفاقية شراكة استراتيجية خلال مدة قصيرة، وإلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين الموقعة في العام 2021، وكذلك يُضاف إلى اتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين الهند وروسيا من جهة، والشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين من جهة أخرى.
وبنظرة شاملة إلى كلّ هذه الاتفاقيات، يمكن القول بأن العالم يشهد تحولات جيوسياسية جديدة أساسها دول الشرق الصاعدة ليمتد ويشمل دول الجنوب العالمي ككل. بالإضافة إلى أن تلك التحولات يجري تأطيرها ضمن هيئات ومنظمات ناشئة جديدة، مثل مجموعة "بريكس" ومنظمة "شنغهاي" والاتحاد "الأوراسي" وغيرها، وهو يجري بالتوازي مع تفعيل اتفاقيات التعاون والشراكة الاستراتيجية الثنائية بين أعضائها، ويشمل ذلك الجوانب الاقتصادية والتجارية والسياسية والعسكرية والمالية وغيرها.
أخيرًا؛ يمكن القول بأن العالم قد وصل إلى مرحلة من التحول لا يمكن معها الرجوع إلى الخلف، ولم يعد بمقدور الولايات المتحدة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وليس أمام واشنطن سوى الاعتراف بهذا التحول والإنخراط فيه وفقًا لما تقتضيه مصالح العالم أجمع، بعيدًا عن سياسات التفرد والهيمنة والعقوبات والحروب، وبغير ذلك، لن تحقق واشنطن إلا مزيدًا من الخسارة والتراجع.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024