آراء وتحليلات
خلفيات التموضعات الجديدة للجيش السوري حول السويداء
بدأت مطلع العام الماضي تقريبًا في سورية موجة جديدة من التحركات المشبوهة، أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنه أعيد تنشيطها بالتزامن مع تشكيل ما سمّي "بجيش سورية الحرة"، "جيش السحجة"، ومعنى السحجة، هو التصفيق الذي يرافق الرديدات خلال الدبكة البدوية.
درّب جيش السحجة ووضع تشكيلاته وسلّحه الأميركي في قاعدتي التنف في البادية السورية على حدود مع العراق، والشدادي في الحسكة. وهو دمج لكل من مجموعات "قسد" "قوات سورية الديمقراطية" و"جيش المغاوير"، وهي التسمية المحدّثة، التي أطلقها الأميركي على مجموعات "داعش" التي يحتفظ بها في مخيم الركبان القريب من قاعدة التنف الأميركية، على مثلث الحدود السورية - العراقية - الأردنية. وتحركات السويداء بحسب مصدر لموقع "العهد"، يتم تزويدها بالسلاح من منطقة التنف وعبر محافظة درعا، والتي تأتي من الأردن.
تجاوزت التحركات المشبوهة حدود إقامة الاعتصامات في وسط الساحة العامة في السويداء، والتي كانت تحاول استغلال الأوضاع الاقتصادية السيئة في المحافظة، كما باقي المحافظات السورية، من أجل المطالبة بالانقلاب على الدولة. وكانت هناك وما زالت محاولات للعب على الطائفية المقيتة، كما كان الأمر منذ العام 2011، من أجل دفع الشارع في السويداء للانفصال عن الدولة السورية الأم وإقامة "دولة درزية" ليس فقط في جنوب السويداء، بل يراد أن يصل امتدادها عبر محافظة درعا وصولًا إلى الجولان السوري، باتّجاه الجنوب والجنوب الغربي وصولًا إلى حدود فلسطين المحتلة. وأما من جهة الشرق فمشروع الدولة الكردية في شرق الجزيرة السورية، في شرق الفرات، ما زال قائمًا يذكيه الأميركي.
تمتد الدولة الكردية المقرر إنشاؤها أميركيًا، وبعد الاتفاق التركي - الأميركي بهذا الشأن، 30 كم بعيدًا عن الحدود السورية التركية، وتصل إلى مدينة الرقة السورية. ويبدو من التحركات الأميركية والقصف المتكرّر للمناطق في شرق الفرات أن الأميركيين مصرون على متابعة مخطّطهم القائم، وهناك نية للوصول إلى الدولة الكردية حتّى البوكمال، أي إلى غرب الفرات من أجل فرض السيطرة الكاملة على الحدود السورية - العراقية ومنع تمرير السلاح إلى المقاومة في لبنان. وبالتالي يمكننا بذلك فهم ما يجري تمامًا، ولماذا يصر الأميركي على الوجود المباشر على الأرض السورية.
منذ أكثر من شهر، انتشر خبر إعادة تموضع لبعض القوات السورية قريبًا من الحدود في الجولان، وهذا خبر مستقل بحد ذاته، ولكن خلال الأسبوع الماضي ابتدأ انتشار جديد للقوات الخاصة في الجيش السوري حول مداخل محافظة السويداء، وفي داخلها من أجل حماية المراكز الإدارية الحكومية في المحافظة. فبعد أن قام بعض المسلحين في السويداء بخطف واحتجاز ستة ضباط من الجيش العربي السوري - جاء الخطف من أجل إجراء صفقة تبادل لإخراج معتقل، وهو من السويداء منذ 11 شباط/فبراير الماضي - انتشرت أخبار متعددة، ولكن من المؤكد أن أحد المختطفين هو العميد مدير إدارة الهجرة والجوازات في مدينة السويداء. خمسة من المختطفين الضباط، هم من الشرطة، وأما المختطف السادس فهو من الجيش، عقيد وقائد القوات الخاصة كتيبة 888 قوات خاصة. ولهذا فقد كانت صفقة التبادل أكبر من ضرورية وتمت خلال وقت قياسي، فالاختطاف تم في 24 الشهر الماضي ونفذ التبادل خلال وقت قصير جدًا.
ينتشر في منطقة السويداء "متحركون" وهم منذ العام 2020 امتهنوا عمليات الخطف والتشليح والسرقة ما بين المدينة وريفها، ومنذ التحركات يحاولون دفع مواطني المدينة للوقوف معهم للمطالبة بتسليم العناصر المسلحة منهم أمن المدينة، وهو ما لم يتجاوب معه الأهالي حتّى اليوم، بحسب مصادر "العهد". فهم يخشون وقوع المدينة كما ريفها تحت رحمة هؤلاء. وما حدث في 24 من الشهر الماضي، أن هؤلاء الضباط كانوا عائدين إلى مراكزهم من إجازاتهم، فخرج عليهم المتحركون المسلحون، وهم كما العادة يهاجمون وسائط النقل ويخطفون موظفي الدولة من أجل مبادلتهم بسجناء لهم. والجدير ذكره أن بين الحاجز على مدخل قيادة الفيلق الأول، ومقر قيادته في مطار بلي بجانب مطار دمشق الدولي وبالتحديد خارج بلدة السيدة زينب(ع) حيث يبدأ الأوتوستراد من دمشق باتّجاه السويداء، وما بين الحاجز العسكري على مدخل مدينة شهبا في السويداء، لا تتواجد أي نقاط تفتيش وعلى طول الطريق وهذا ما يستغله "المتحركون" من أجل تنفيذ عمليات السلب والنهب والخطف والتي يعاني منها أهل السويداء.
ويبدو أنه قد "بلغ السيل الزبى"، وخاصة بعد اختطاف ضابطين كبيرين وأحدهما من القوات الخاصة، فجاء انتشار الجيش في السويداء. إذ إن الدولة السورية ومنذ بداية التحركات حاولت إبقاء قوات الجيش بعيدًا والمراقبة عن بعد. خطف الضباط يعد سابقة في السويداء، ويبدو أن هناك أمورًا يحاول من ورائها "المتحركون" في السويداء، وهم الأميركيون والفرنسيون والصهاينة، على حد سواء، إعادة ما حدث في مدينة درعا، وإظهار الدولة بمظهر الضعيف مكبل اليدين.
الملفت أن من اتجه إلى السويداء قوات وكتائب الحرس الجمهوري، كما توجد في السويداء الفرقة 15 من القوات الخاصة وهي متمركزة في المجدل وهي قرية في محافظة السويداء. تموضعت القوات في منطقتين: قسم في أهم المطارات العسكرية والاستراتيجية وهو مطار خلخلة العسكري الذي يبعد 39 كم عن مركز السويداء، و64 كم عن درعا، وتعد منطقة المطار مساحة مكشوفة على طريق دمشق السويداء. وأما النصف الآخر من القوّة التي جاءت فتموضعت في المجدل مع قيادة الفرقة 15 الخاصة، ومنها من بقي في قيادة الفيلق الأول.
وأما توجه القوات السورية لتعزيز تواجدها حول مدينة السويداء في مناطق محدّدة، فله بعدان، الأول له علاقة بالتاريخ القريب. إذ حاولت قوات "داعش" احتلال مطار خلخلة في العام 2018، وقامت يومها باختطاف دورية من الجيش العربي السوري بضباطها وجنودها. الأمر له علاقة بالأمن القوميّ السوري، والذي تم التلاعب بمصيره لأكثر من 13 عامًا حتّى اليوم، والذي يتضح أن هناك محاولات لإعادة تفعيل زعزعته على يد "المتحركين"، والعودة إلى سردية الأمن الذاتي للمحافظة، شيء يشبه الأمن الذاتي لدولة "روجافا"، عفوًا الإدارة الذاتية الكردية في شرق الفرات أو شرق الجزيرة السورية. وأما البعد الثاني، فهو يتضح من خلال القوّة التي تم توزيعها والتي تحمل مسؤولية حماية العاصمة دمشق. لقد باتت حماية أمن أوتوستراد دمشق - السويداء من أمن دمشق.
المعادلة التي وضعها مختطفو الضباط، لا يمكن أن تمر. وهي خطيرة جدًا، وبالتالي قد نشهد تحركًا أمنيًا للجيش. وإذا ما تم ذلك فسيتمكّن أهل السويداء، أبناء المدينة والمحافظة على حد سواء من العودة للعمل في مزارعهم وأراضيهم التي لم يتجرؤوا على الخروج إليها منذ أكثر من عامين بسبب عمليات الخطف المتزايدة مما شل حركة العمل بشكل كبير. وفي كلّ الأحوال ومهما تكن النتائج، فإن وجود قوات خاصة في السويداء هو عنوان جديد لتحرك الجيش العربي السوري نحو تحرير طريق المدينة الدولي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024