آراء وتحليلات
"الوعد الصادق" ونهاية الملاذ الآمن
كانت ملفتة ردة الفعل في داخل فلسطين المحتلة على عملية "الوعد الصادق"، التي نفذتها الجمهورية الاسلامية الايرانية فجر الرابع عشر من نيسان/ ابريل الحالي. ففي حين هلل الفلسطينيون لرؤية الصواريخ والمسيّرات ورؤوا فيها إنارة لسماء فلسطين وراقبوها من أسطح منازلهم، سيطر الهلع والرعب على المستوطنين الصهاينة الذين علا صراخهم وولولتهم. بالتأكيد لم تكن صواريخ الثورة في إيران لتحمل الهلع والخوف لثائري فلسطين ومقاوميها وأهلها، ولكنها جاءت لتحمل لهم أملًا جديدًا.
بيان حزب الله بعد العملية الذي جاء فيه بأن هذا العمل سيترك آثاره في المستقبل القريب، هو كلام دقيق جدًا. فالعملية ستحمل آثارًا مستقبلية على مستويات مختلفة، منها: المستوى النفسي للمستوطنين المحتلين، مستوى قوّة الردع العسكري الصهيوني، مستوى الأمان الذي يفترض أن يؤمنه الكيان لليهود، مستوى تكريس المعادلة التي ابتدأتها المقاومات من العراق ولبنان وحتّى من اليمن، في قصف المواقع العسكرية والاستراتيجية للكيان على أنها أهداف مشروعة على طريق تحرير فلسطين، وسيأتي ما يليه بالتأكيد. ولكن من المفترض أن أهم نتائج عملية "الوعد الصادق"، هي ردع العدوّ الصهيوني عن استمرار القصف الذي يستهدف الكوادر الإيرانية في سورية.
على المستوى النفسي، لا يمكننا إلا أن نلحظ الفرق بين ردات الفعل المتباينة تجاه ما حدث في داخل فلسطين، والتي باتت معروفة: ما بين الفرح الغامر ما بين الفلسطينيين وما بين الرعب الذي ساد ما بين الصهاينة، والحالاتان تجاوزتا الحدود الفلسطينية، ما بين من هم مع الكيان والتطبيع، والذين أصابهم القلق والارتباك وذهبوا نحو المطالبة بعدم التصعيد، وما بين من هم ضدّ الدولة المارقة، والذين رؤوا في تأديب الكيان خطوة هامة نحو تحرير فلسطين القلق والارتباك تجاوزا حدود الشرق، ليصلا إلى الغرب، وبمتابعة "سي ان ان" ليوم كامل، يمكننا قراءة هذا الارتباك، حتّى أن المحطة أجرت لقاءات مع سياسيين ومواطنين أميركيين مؤيدين للكيان، صدموا بأن فلسطين المحتلة لم تعد آمنة لليهود "البلد الذي وعدوا به في التوراة"! وفي واقع الأمر، الصدمة الكبرى كانت بأن اليد الصهيونية الطولى التي كانت تعيث خرابًا في المنطقة قد تم بترها. وحتّى أن "سي ان ان" أشارت الى أن "إسرائيل" لم تقع تحت خطر وجودي مماثل منذ حرب تشرين/ أكتوبر في العام 1973".
أعضاء الكونغرس والشيوخ من الديمقراطيين كانوا مرتبكين بسبب موقف بايدن المعلن حول عدم دخول الحرب ضدّ إيران، ومنهم على سبيل المثال عضو مجلس الشيوخ جون فيترمان، الذي استضافته "سي ان ان" وكانت تبحث عن مواقف متناقضة بين الديمقراطيين وخاصة بما يتعلق بترك الكيان وحيدًا، فهرب فيترمان من النقاش للوم الكونجرس على تعطيل المساعدات بقيمة 95 بليون دولار التي طلبها بايدن لدعم كلّ من الكيان وأوكرانيا. أي أن السياسيين الأميركيين في الحزب الواحد باتوا ينقلبون على أنفسهم، واتضح الإرباك الداخلي بسبب القرار الذي ذهب إليه بايدن.
اللقاءات لم تكن مقتصرة على مستوطنين صهاينة هربوا إلى الولايات المتحدة أو مع مسؤولين ومحللين أميركيين، بل كانت هناك لقاءات مع ضباط صهاينة كانوا حالتهم تتطابق مع حالة بنيامين نتنياهو يوم زاره جو بايدن وقدم له الدعم النفسي والمعنوي، ولم يكن ينقصهم سوى حضن بايدن الذي غاب. لكن علينا أن نقرأ كيف عكس الإعلام الغربي هذه المواقف. فهو حاول أن يعيد الصورة النمطية التي عمل عليها لأكثر من 75 عامًا من إظهار حالة اليهود المظلومين بسبب المجازر النازية. و"سي ان ان" وغيرها من وسائل الإعلام الغربية تذكّر في كلّ ساعة وفي كلّ لقاء وكلّ مقال أن "اسرائيل" ترتكب المجازر بسبب عملية السابع من تشرين الأول/اوكتوبر، إلا أنها لم تذكر ولا حتّى مرّة واحدة أن الرد الإيراني جاء بعد أن عطلت فرنسا وبريطانيا قرارًا في مجلس الأمن يدين العدوان الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق.
واليوم بعد عملية الوعد الصادق، يمكن قراءة المواقف الأميركية في استمرار الإعلام في لعبة تصوير الصهاينة بأنهم مساكين يبحثون عن مكان آمن، وتصوير المقاومين على أنهم جزء من الإرهاب الذي يعاني منه الكيان. وفي هذا كان المدخل لبعض السياسيين لتحريض الكيان على الرد وإنهاء معركة رفح، دون التقدير إذا ما كان على قدرها أم لا. كما أن فتح النقاش حول إذا ما كان بايدن على حق بترك "إسرائيل" وحيدة إذا ما أرادت الرد على إيران هو أيضًا يدار بطريقة مربكة تقلب الأميركيين على بعضهم البعض. وارتفع بشكل واضح صوت دعوات للصهاينة للإسراع بعملية رفح، من أجل إنهاء الحرب الدائرة منذ اليوم التالي للسابع من تشرين الأول/ أكتوبر. بمعنى ان الحرب هي حرب صهيونية - أميركية - غربية من أجل استعادة ماء الوجه الصهيوني، ويقف الفلسطيني فيها في حالة المقاومة من أجل الحياة الكريمة والحرة وحماية المقدسات، وأهمها المسجد الأقصى، وإطلاق سراح الأسرى.
يبدو أن هناك من يدفع نحو استغلال حالة الإرباك والخوف لفتح باب عودة التحضيرات لمعركة رفح، ولكن من المستفيد من معركة رفح؟ الباب فتح على احتمالات جديدة، لكن أهم ما فيها أن من سيذهب إليها جنود يعانون من عقدة ضعف ونقص بعد الضربة الإيرانية، بأكثر مما ابتدأته معركة ما بعد "طوفان الأقصى".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024