آراء وتحليلات
أحداث غزّة قد توجه دفة الانتخابات الأميركية
يبلغ أقصر مسار جوي بين الولايات المتحدة وفلسطين، وهو مسافة الطيران بين العاصمة واشنطن وفلسطين: 9497 كم. ومع ذلك، يبدو أن تأثير الأحداث القادمة من فلسطين قد بلغ مبلغًا مهمًا في الانتخابات الأميركية القادمة. تأثير لم نكن لنشهده قبل طوفان الأقصى، فبعد ولاية ميشيغان وتصويت ذوي الأصول العربية بعدم الالتزام في الحزب الديمقراطي، بسبب دعم بايدن وإدارته اللامحدود للكيان الصهيوني وتزويده بالسلاح والعتاد والمال الذي ترتكب به المجازر ضدّ الفلسطينيين في غزّة، وقد تكرّرت المواقف في ولايات عدة في الولايات المتحدة. ولكن كان هناك حدثان أخيران هامان لعبا دورًا رئيسيًا في هذا التأثير: الأول، رفض "زعماء الجالية الإسلامية" في أميركا دعوة بايدن إلى الإفطار في البيت الأبيض بسبب أحداث غزّة، وعقدوا بدلًا عن ذلك اجتماعًا رسميًا معه. والثاني، نتائج سعي يوم "الثلاثاء الكبير" منذ أسبوع تقريبًا، للدفع بجمهور الديمقراطيين للتصويت في ويسكونسن بـ"غير ملتزم" من جديد.
ارتبط الحدثان الهامان بفلسطين بشكل مباشر، الأول إفطار رمضان في الثالث من هذا الشهر، الذي قاطعه زعماء الجالية الإسلامية احتجاجًا على سياسة بايدن الداعمة للكيان. في حين أنه تم استقبال بايدن في أيار/ مايو الماضي بمناسبة عيد الفطر بحفاوة في ميشيغان، وهو ما يدل على غضب العرب والمسلمين والناشطين المناهضين لسياسة دعم الحرب التي تقدمها إدارة بايدن للصهاينة. وبدأت الانتقادات لبايدن تحت ضغط المعترضين على سياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها "اسرائيل" ضدّ الفلسطينيين. انتقادات قد تكلف بايدن الانتخابات القادمة، خاصة وأن هذه الإدارة لا تزال تؤمن السلاح الذي يقتل الفلسطينين والدعم المادي واللوجستي لحكومة الكيان ومستوطنيه. والحدث الثاني قوة احتمال تصويت الديمقراطيين في ويسكونس بـ"غير ملتزم" بانتخاب بايدن في الانتخابات القادمة في تشرين الثاني 2024.
وبحسب "فرانس 24" هناك 60 مجموعة شعبية ومنظمون يقومون بتشكيل قوة ضاغطة من أجل حث 20682 ناخبًا على الأقل لوضع علامة "غير ملتزم" في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الولايات الخمسة عشر التي جرت فيها الانتخابات. ولذلك كانت تعد انتخابات يوم الثلاثاء محطة هامة حيث تبين أن بايدن حاز على دعم 43% من الناخبين في ويسكونسن فيما حصل ترامب على دعم 48% بحسب استطلاع أجرته "ريال بوليتكس" بالتعاون مع جامعة "سيينا". الأمر بصراحة يتعدى بايدن، إنه يبشر بولادة عصر جديد في الولايات المتحدة، وإن كان هذا سيضع أجيالًا في مواجهة بعضها البعض في داخل الكيان الأميركي، فأجيال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وجزء من جيل الثمانينيات، عاشت خرافة المحرقة وآمنت بها كجزء من عقيدتها، وأما أجيال التسعينيات والألفية الجديدة فقد استطاعت التفلت من التزام المحرقة، بل إن أصحابها يقودون عبر وسائل التواصل الاجتماعي الثورة على الدعم الأميركي اللامحدود لآلة القتل الصهيوني في فلسطين بالأسلحة الأميركية.
20682 ناخبًا في ويسكونسن، سيشكلون قوة ضغط كبيرة، يحاول الناشطون المعارضون لسياسة بايدن تغيير التزامهم وعبر إمكانيات محدودة: مثل إرسال الرسائل بالبريد والقيام باتّصالات ورفع اللافتات وطرق البواب، حيث ابتدأ هؤلاء سلسلة من الاتصالات من المتطوعين الذين يتواصلون مع أصدقائهم ليتواصلوا مع أصدقائهم حتّى يصلوا إلى الرقم السحري لعدد الناخبين، لأن بايدن فاز تحديدًا بهذا الفرق على ترامب في انتخابات 2020، وإذا ما تحقق هذا الرقم في ويسكونسن على سبيل المثال فستعد نهاية بايدن في الولاية كما حدث في ولاية ميشيغان، التي كلفت بايدن 100 ألف ناخب غير ملتزمين، في حين أن بايدن يحتاج أكثر من نصفهم ليكسر التعادل مع ترامب فيها، وهي تجربة نجحت في كلّ من هاواي ومينسوتا. وبذا ستكون غزّة، بل السياسة الأميركية تجاه فلسطين، سياسة تقرر مصير بايدن وليس ترامب حتمًا.
ما زاد الطين بلة في وضع بايدن أمام هذا التحدي، لم يكن فقط قصف المستشفيات ومراكز الإيواء والمدارس ومراكز الأونروا في غزّة، بل هو الغارة الجوية التي استهدف بها الصهاينة عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي وتسبب بقتل سبعة منهم. استهداف أكد مؤسس المنظمة ومديرها، الشيف خوسيه أندريس، أنه كان منظمًا وأن "اسرائيل": "استهدفت عمالنا بشكل منهجي سيارة تلو الأخرى".
الحملة الانتخابية التي يقودها المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، باتت تخضع للتضارب فيما يتعلق بالعلاقة مع الكيان من أجل الفوز بالانتخابات القادمة، لأن ترامب حذر الاسرائيليين خلال لقاء أجرته معه صحيفة "اسرائيل هيوم" في 26 آذار/ مارس الماضي، وقال"عليكم إنهاء الحرب.. يجب أن تنجزوا الأمر.. يجب أن تنتهوا منها". كما أعرب عن قلقه من مشاهد الدمار، التي نشرها الإعلام الصهيوني وأن الجيش الصهيوني اقترف خطأ كبيرًا من نشر هذه المشاهد التي رفعت من منسوب معاداة السامية.
ومع ذلك يحاول ترامب بالتأكيد استدراج اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من أجل دعمه، على أساس أنه الأقدر على دعم الكيان خلال حربه من أجل تحقيق أمن الكيان والقضاء على المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد أن خذله اللوبي الصهيوني خلال انتخابات 2020. وهنا علينا أن نلحظ أن جمهور ترامب المحافظ من الأميركيين البيض المتعصبين المتدين واليميني، ومختلف عن جمهور الديمقراطيين الذي يضمّ أعراقًا مختلفة، والذي تمكّنت أحداث غزّة من إحداث خرق في مواقفهم حول ما يحدث في فلسطين. ولكن مع ذلك لا يستطيع ترامب المغامرة باستقطاب معادين له عبر توصيف الدمار بأنه صورة مقبولة للرد على طوفان السابع من أكتوبر. وبانتظار نتائج انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، سيحبس بايدن أنفاسه على أمل أن يصحو على واقع جديد غير الذي فرضه نتنياهو وقصر رؤية بايدن عن رؤية الطوفان الذي سيغير وجه المنطقة العربية وخاصة في فلسطين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024