آراء وتحليلات
بين استهداف القوات الدولية واستحالة الحرب المفتوحة
بموازاة التكهنات المتضاربة حول إمكانية توسع العمليات الحربية، ذهابًا في التصعيد إلى حرب مفتوحة على جبهة الجنوب اللبناني، حصل استهداف لدورية من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) في وادي قطمون القريب من بلدة رميش الحدودية، وهو "الحادث الخطير " في مجمل التوصيفات، من دون أن يتحدث أحد عن وجه الخطورة فيه سيما وأنه ليس الأول من نوعه.
في الحقيقة إن "الخطير" هو ما ورد في تصريحات وبيان الناطق باسم القوات الدولية اندريا تيننتي وخلاصته "لا يمكن تحديد تفاصيل من استهدف قواتنا، وكيف، قبل انتهاء التحقيقات التي نقوم بها، ونحقق في مصدر الانفجار".
أليس غريبًا التعامي عن اعتداء واضح وموصوف، ومعزز بشهود عيان من القوات الدولية نفسها، ليس فقط الذين أصيبوا في الاعتداء، الواضح عن سبق رصد واستهداف، وأيضًا التورية السخيفة في عبارة "نحقق في مصدر الانفجار" بدل أن يقول، ومن دون توجيه اتهام واضح، إن الضحايا أصيبوا جراء انفجار صاروخ من طائرة مسيّرة كانت في الأجواء؟
من المعروف، وليس من باب الاجتهاد، أن تحركات القوات الدولية بشقيها "اليونيفيل" ومراقبي الهدنة، تنسق، أو تبلغ على الأقل، ما تسميه "الجانب الإسرائيلي" بكل تحرك، لا سيما مع وضع ميداني ملتهب. علمًا أن تلك المنطقة في ساعة الاعتداء لم يكن فيها أي نشاط عسكري، واليونيفيل كما الأجهزة اللبنانية، تعلم ذلك علم اليقين، وجميعها موجودة في تلك المنطقة. وأيضًا كعادتها في الكذب نفت قوات الاحتلال مسؤوليتها، وقال جيش العدو إن عناصره لم يستهدفوا أي سيارة لـ"اليونيفيل" في بلدة رميش.
ليس ما جرى هو الأول من نوعه، على مستوى الإنذار بالنار، فقد حصلت عدة استهدافات كانت تتغاضى عنها اليونيفيل متل القذائف التي سقطت في المقر الرئيسي للقوات الدولية في الناقورة، والاستهداف المباشر لموقع المراقبة الذي تشغله القوّة الاسبانية في "سردة " في جنوب الخيام، وقد تمزق وتطاير إلا بقايا هيكل. وقال حينها المتحدث الرسمي باسم قوات الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان "اليونيفيل" أندريا تيننتي: "التقارير الأولية تشير إلى أن أحد أبراج المراقبة في المركز الاسباني التابع لقوات الطوارئ الدولية - اليونيفيل، المقابلة لبلدة الوزاني في القطاع الشرقي من جنوب لبنان تعرض لقصف دون وقوع إصابات". وطبعا اكتفت الأمم المتحدة بذلك من دون تحديد المعتدي الواضح تماما.
كثيرة هي الاعتداءات على مراكز الأمم المتحدة سواء عام 2006 حيث قتل 4 جنود من فريق المراقبة بغارة جوية واضحة الرؤية استهدفت مركز المراقبة الدولية قرب معتقل الخيام، ونفت "إسرائيل" بداية قبل أن تكرّر لازمة التضليل، ورفع المسؤولية، وطبقا لمسؤول في الأمم المتحدة رأى التقرير الأولي فقد اتصل الضابط المولج بضابط اتّصال إسرائيلي عشر مرات لإلغاء القصف ووعد مسؤول إسرائيلي بوقف التفجير في كلّ مرة، بعد أن قال سفير "إسرائيل" لدى الولايات المتحدة داني أيالون إن "اليونيفيل اشتعلت في وسط" معركة بين حزب الله و"القوات الإسرائيلية": "لم نؤكد بعد ما سبب هذه الوفيات. يمكن أن يكون حزب الله".
طبعا إذا عدنا إلى الوراء، فإن مجزرة قانا لا تزال حية في الذاكرة والوجدان عام 1996 ونفذتها قوات الاحتلال عن سابق تصميم، في عقر دار القوات الدولية، وحتّى إلقاء اللائمة على القوّة الفيجية لاستقبالها الأطفال والنساء في مقرها هربًا من الاستهداف الإسرائيلي، وقد حاولت "إسرائيل" التنصل من ارتكابها في وضح النهار وتحت أعين القوات الدولية، لكن الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان قال كلمة حق امام ممثلي الدول الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن: ''علينا أن ندين هذا العمل بأقسى قوة واطلب منكم أن تفعلوا الشيء نفسه''· ودعا الأمين العام للأمم المتحدة المجلس لإدانة الهجوم الإسرائيلي المميت على قرية قانا اللبنانية والى المطالبة بوقف العمليات العسكرية على الفور· إلا أن المجلس اكتفى بأن أعرب "عن أسفه الشديد لمقتل مدنيين أبرياء" في القصف الإسرائيلي على بلدة قانا في جنوب لبنان، ولم يدن هذا القصف الذي هو في التوصيف القانوني "جريمة حرب " مكتملة الاوصاف وأما السبب فهو معارضة الولايات المتحدة. وقال السفير الأميركي حينها صاحب السمعة السيئة والكريهة جون بولتون: "نعترض على كلّ صيغة تستخلص نتائج مبكرة بشأن ما حصل"
لقد دفع انان بعدها الثمن، بإخراجه من الأمانة العامة بعد تجريد الولايات المتحدة و"إسرائيل" حملة واسعة ضدّه.
اليوم لا يشبه الامس سوى في منهجية القتل والتدمير، ورفع منسوبهما إلى اعلى واحقر الدرجات من جانب المحتل وبرعاية أميركية مطلقة، وإن حصل أحيانا تباين في التكتيك على الأرض. وليست مقترحات الولايات المتحدة بشأن رفح الفلسطينية الا في هذا السياق، وهي خلاصة لاجتماعات وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت في أميركا والتي حصل بموجبها على مخزون تسليحي من الاعيرة الثقيلة، لا يستهان به، لكنّه لا يمكن أن يحسم حربا ولا حتّى معركة، بل يمكن أن يلحق تدميرا فقط.
اما المقترحات الأميركية في ضوء توسع المعارضة الإسرائيلية للمسار الذي يريده بنيامين نتنياهو، فهي:
عزل منطقة رفح وتطويقها بواسطة الجيش الإسرائيلي.
وسائل تكنولوجية (كاميرات مراقبة وأجهزة استشعار)، لإحكام إغلاق الحدود المصرية.
عمليات اقتحام ومداهمات موجهة ومركزة على أهداف محدّدة بناء على معلومات استخباراتية.
إقامة غرفة عمليات مشتركة مع الولايات المتحدة لتنسيق العمليات في جنوب قطاع غزّة.
كل ذلك يعني أن الحرب في فلسطين مستمرة، وكذلك على الجبهة مع لبنان التي يتوعد قادة الاحتلال بإرباك بالتصعيد اتّجاهها مع تيقنهم باستحالة تحقيق ذلك من خلال حرب مفتوحة، ويعود ذلك لأسباب عدة:
لا يمكن اغفال عملية برية في حرب مفتوحة، لأن سلاح الجو مهما كان متقدما، وهو كذلك، لن يحسم نتائج حرب خصوصًا مع المقاومة
كيف سيكون رد المقاومة التي لم تتصرف بعد إلا بالجزء البسيط من إمكاناتها الحربية؟ وما ستكون عليه التداعيات في كلّ فلسطين المحتلة وليس في شمالها فقط؟
النقص في العديد البشري العسكري لدى الجيش، الذي يعمل على انشاء لواء جديد للقتال الجبلي "ههاريم"، مخصص للجهة الشمالية، ومقره قاعدة "كيلغ "في الجولان الذي استهدفتها صواريخ المقاومة مرات عدة، وهذا بحد ذاته يستلزم وقتا، ولو تم تجميعه من وحدات عسكرية متنوعة، ومدربة، وفي هذا السياق أيضًا يخطط قائد القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي، يهودا فوكس، لتجنيد شبان حريديين لحراسة المستوطنات والبؤر الاستيطانية العشوائية في الضفّة الغربية، وليس في إطار الجيش، لكن الجيش سيتمكّن إثر ذلك من نقل قسم من جنوده في الضفّة إلى قطاع غزّة أو منطقة الحدود اللبنانية. وأشارت الخطة حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى وجود حوالي 200 مستوطنة وبؤرة استيطانية في الضفّة الغربية المحتلة، وأنه ستكون هناك حاجة إلى 6500 – 7000 حريدي للانخراط في حراسة المستوطنات، وسيتضاعف هذا العدد ليصل إلى 15 ألفا في حال توسيع عمل سلطة حراسة المستوطنات إلى الجنوب والشمال.
هذا جزء ميسر للامتناع عن خوض حرب مفتوحة على الاقل حاليا، وبالتالي إلزام "إسرائيل" بالقواعد التي أرستها المقاومة بغضّ النظر عن مدة الاستنزاف المحكم بدقة، أو توسع دائرة النار أحيانا.
بانتظار حرب الحسم التي سيكون قرارها بيد محور المقاومة حين تدق الساعة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024