معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

مخيمات الضّفة.. ألف باء حرب التحرير الكبرى
20/03/2024

مخيمات الضّفة.. ألف باء حرب التحرير الكبرى

بحسب إحصاءات الأونروا، تمتد الضفّة الغربية على مساحة تبلغ 5,500 كم مربع، ويعيش فيها ما يقارب 2,7 مليوني شخص. وبحسب إحصائيات "المركز الفلسطيني للإحصاء" في العام 2023، يعيش في الضفّة 3,25 ملايين نسمة، منهم 828,328 لاجئًا مسجلًا في الأونروا. وينتشر في الضفّة الغربية 19 مخيمًا رسميًا، بينما يعيش بقية نازحي الـ 48 في مدن الضفّة الغربية وقراها. كما أن هناك خمسة مخيمات غير معترف بها رسميًا. وتبلغ نسبة أعمار من يعيش في المخيمات، والذين هم أقل من 24 عامًا، 60%.

ضمن هذه المعطيات؛ يمكننا أن نفهم حجم الكثافة السكانية في داخل المخيمات. وآخذين بالحسبان أن هذه المخيمات تتوزع ما بين المناطق الفلسطينية المصنفة "أ" و"ب" و"ج"، والتي منها ما يقع تحت إدارة العدوّ الصهيوني وسيطرته، ومنها ما هو تحت ما يسمّى "قيادة مشتركة"، إذا جاز تصنيفها كذلك، بين السلطة الفلسطينية والعدوّ الصهيوني، ومنها ما هو تحت قيادة السلطة الفلسطينية. وهو التقسيم المتبع بموجب اتفاق أوسلو بين السلطة والعدو، والتي قسمت المناطق المحتلة في العام 1967، وشرذمتها، وأعيد تقسيمها وكأنّها "غيتوهات" تشبه تلك التي كان يعيش فيها اليهود في أوروبا، ما قبل الحرب العالمية الثانية.

ما يلفت في موضوع المخيمات هو أمران مهمان، الأول أنها ذات كثافة سكانية كبيرة، والثاني، كما جاء في الإحصاءات أن 60% من السكان لا تتجاوز أعمارهم الـ24 عامًا؛ أي إنه لدينا في المخيمات قوة بشرية شابة هائلة يخشاها العدوّ الصهيوني بالتأكيد، وهذه القوّة البشرية تعد ولّادة للمقاومين. في لقاء على موقع الأناضول، نشر في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، قال مدير مركز "يبوس" للدراسات سليمان بشارات إن المخيمات: "لا تعرف السكون، وإنها في حال مقاومة منذ العام 1948". وأضاف أن بقاء المخيمات مغلقة، وعدم تأثرها بالتغييرات التي جاءت على الريف والمدينة في الضفّة الغربية، جعل أهلها مرتبطين أكثر بهويتهم الوطنية المتمثلة بالمقاومة والمواجهة. وأشار بشارات الى أن المخيمات: "باتت تشكّل حاضنة شعبية للمقاومة" وفي جزئية أخرى أنه: "وعلى مدار السنوات أخرجت المخيمات قيادات في العمل الوطني من الفصائل كافة".

في جزء من كلام بشارات حول أن المخيمات باتت تشكّل الحاضنة الشعبية، كلام يبخس المخيمات والمدن الفلسطينية والقرى الفلسطينية حقها، فجميعها حاضنة للمقاومة، وجميعها شريكة في المقاومة، ولم تتغير هويتها الوطنية على مر السنوات، والأحداث التي مرت في حيّ الجراح في العام 2021، أثبتت أن فلسطين كلها ما تزال مقاومة وحاضنة مقاومة، وخاصة مع المفاجأة التي شهدها العالم في انطلاق الشباب في المظاهرات وللدفاع عن الحي ضدّ المستوطنين والشرطة الصهيونية، فأثبت أن فلسطين ما تزال على قلب واحد، وأن الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق المحتلة في العام 1948، لا يقلون وطنية عن أي منطقة أخرى، وأنهم يتعرضون للاعتقالات والتنكيل كما باقي المناطق الفلسطينية.

ونقف أيضًا عند جزئية أخرى من كلام بشارات، لأنه يبدو وكأنه يحذر من خطر المخيمات في الضفّة الغربية، وخاصة تلك الخمسة التي تقع في نطاق مدن كبرى، كما مخيم جنين وبلاطة القريبين من مدينة نابلس، ومخيم عقبة جبر القريب من أريحا ومخيم نورشمس القريب من طولكرم. من المعروف أن هذه المخيمات، وبشكل تلقائي، تضم الفلسطينيين الذين نزحوا من مدن 48، فمخيم جنين وبلاطة سكانه من مدينة حيفا وما حولها. وعندما يتحدث الصهاينة عن تخوفهم من محاولات لإعادة سكان المخيمات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 48، يمكننا أن نفهم الإجراءات والمداهمات التعسفية واغتيال الشباب الفلسطيني. إنهم يائسون ويعلمون أن القضية تعيش في حنايا كلّ مخيم، ولا يمكن أن تنتهي وأن أصحاب المفاتيح في مخيمات جنين وغيرها في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، يعلمون أنه بعد 70 عامًا من الاحتلال، أن لا أمل بالعودة إلا بالمقاومة. لا يعدّ هذا الكلام تبريرًا للجرائم التي يقوم بها الصهاينة، بقدر ما هو محاولة لفهم ما يدور في رؤوسهم، من أجل إعداد العدة، وهذا من أولويات القضايا اليوم.

فالمداهمات التي تتعرض لها المخيمات الفلسطينية في الضفّة والقطاع يجب البدء برؤيتها من منظار آخر، وإن كان من منظار العدو، لأنه في تلك اللحظة يمكننا أن نضع الخطط الأنسب، وليس المناسبة فقط، من أجل حمايتها وحماية أهلها. الأمر الآخر، إن عملية التطهير العرقي في المخيمات وخاصة في تلك الخمسة التي عددناها، باتت على قدم وساق، لأنّ هناك قلقًا صهيونيًا كبيرًا من اشتعال الضفّة قريبًا، وهم يتخّذون من أحداث غزّة غطاءً للعمليات العسكرية في الضفّة الغربية، والتي يتشارك فيها كلّ من الجيش الصهيوني والمستوطنين المتدينين اليمينيين، وكلّ منهم يمثّل حالًا نتنياهوية متطرّفة لا تقل إجرامًا عن نتنياهو أو بن غفير وغيرهم.

الأمر الأخير، والذي يجب الانتباه له، هو أن الاحتلال الصهيوني لن يعدم الوسائل التي سيعبر من خلالها عن همجيته وتطرفه، فعمليات الاغتيال التي طالت الشباب في المخيمات الفلسطينية في الضفّة ابتدأت بطريقة ممنهجمة منذ أيلول/ سبتمبر العام 2023، ولم تتوقف خلال معركة الإبادة على غزّة، ولن تتوقف بل ارتفع عدد الشهداء في مخيم جنين وحدها ليصل إلى 137 شهيدًا حتّى نهاية العام 2023، وجرى اقتحام المخيم 1511 مرة في العام نفسه. وهذا الإحصاء يطال جنين وحدها، فماذا عن باقي المخيمات؟.. وحتّى الأسبوع الأول في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي سجلت الضفّة 280 شهيدًا. وبحسب هيئة الأسرى فقد جرى اعتقال 3480 أسيرًا وأسيرة في الضفّة منذ بدء "طوفان الأقصى".

هذا العمل الممنهج كان يتم بهدوء حتّى أيلول/ سبتمبر العام الماضي. وفي الخامس من الشهر نفسه، تركزت عمليات الجيش الصهيوني في مخيمات الضفّة الغربية القريبة من المدن الرئيسة، وأبرزها مخيم جنين وبلاطة قرب نابلس، وعقبة جبر قرب أريحا، ونور شمس قرب طولكرم. واستشهد خلال العمليات في جنين 73 شهيدًا، هذا ما عدا تضرر المنازل والبنى التحتية في داخل المخيم. وقد ابتدأ اليوم 20 آذار/ مارس باجتياح مخيمي عين السلطان وعقبة جبر بالقرب من أريحا. ولا بدّ أن الدور القادم اليوم هو على مخيم بلاطة، وهو من أكبر المخيمات في الضفّة الغربية، ويقع المخيم بالقرب من قبر النبيّ يوسف، لذلك يرى الصهاينة أن هناك ضرورة قصوى من أجل تأمين محيط القبر لحماية المستوطنين الزائرين وإقامة شعائرهم الدينية.

يحضر الصهاينة دائمًا مبررات الهجوم على المخيمات الفلسطينية، خاصة في الضفّة الغربية؛ لأنها بالذات يريدونها منطقة خالية من الفلسطينيين. فهي تمثل منطقة يهودا والسامرة التاريخية بحسب ادعائهم؛ لذلك وبحسب قناعاتهم لا يمكنهم القبول ببقاء مخيمات فلسطينية وخاصة تلك التي تضم فلسطينيي الـ 48، وأجيال ممن يحلمون بالعودة إلى بيوتهم في حيفا وعكا ويافا.. صحيح أن المجازر ترتكب بكثافة اليوم في غزّة، ولكن العين على الضفّة، ومشروع تفريغها من سكان المخيمات وأهلها إلى الضفّة الشرقية أو حتّى إلى صحراء الأردن مايزال قائمًا، والعمل عليه يجري على قدم وساق. حتّى اليوم تجاوزت الحرب شهورها الستة، مرّ نصف عام وأسبوعان ولم تسلم الضفّة يومًا من الهجوم على مخيماتها واقتحامات مدنها وأحياءها وقراها، ولكن الضفّة هي عصب حرب الإلغاء الصهيوني وهي أساس معركة المصير النهائي لفلسطين الحرة من البحر إلى النهر، خاصة وأن الصهيوني في الضفّة هو على بعد مسافة "سكين" عن أي مقاوم.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات