معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هلع أميركي ــ أوروبي من مؤشرات انهيار أوكرانيا
16/03/2024

هلع أميركي ــ أوروبي من مؤشرات انهيار أوكرانيا

د. علي دربج
يبدو أن الصراع الروسي - الأوكراني يتّجه نحو لحظات حاسمة ومصيرية. فنتائج تقهقر الجيش الأوكراني، وعجزه عن مواجهة التقدم الروسي في أكثر من منطقة ومحور، بسبب النقص في العتاد والذخائر الخسائر البشرية الهائلة لدى كييف، سترسم مشهدًا جديدًا متغيرًا على صعيد العلاقات الدولية، خصوصًا أن الولايات المتحدة ستكون أكبر الخاسرين بالنظر إلى الدعم الكبير (المادي والعسكري) الذي وفرته لأوكرانيا طيلة سنوات الحرب.

على الصعيد الأوروبي الهلع سيدّ الموقف، في حين أن الصراخ الفرنسي والتهديد بإرسال قوات أوروبية إلى كييف، لا يعدو كونه مجرد عرض عضلات افتراضية، لا سيما أن هذه الطرح قوبل بالرفض من قبل العديد من الدول الأوروبية التي لا شك أنها لن تفكر أصلًا بدفع قطرة دم واحدة كرمى لعيون أوكرانيا وقياداتها.

ما هي التوقعات الأميركية بشأن مستقبل الأزمة الأوكرانية؟

في الوقت الذي يضغط فيه بايدن على الكونغرس للموافقة على اقتراحه بتقديم مساعدات جديدة بقيمة 60 مليار دولار (تم تأجيله لعدة أشهر بسبب معارضة الجمهوريين) يتوقع المسؤولون الأميركيون مجموعة من السيناريوهات القاتمة القادمة على أوكرانيا إذا لم يتم التجواب بسرعة مع طلب بايدن بإقرار قانون المساعدة العسكرية، بما في ذلك الانهيار الكارثي لخطوط الدفاع الأوكرانية، إضافة إلى احتمال وقوع خسائر بشرية فادحة.

وتبعًا لذلك، حذر مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام ج. بيرنز في حديثه أمام المشرعين الأميركيين هذا الأسبوع، من أنه في غياب المساعدات الأميركية فإن الخسائر الإقليمية هذا العام ستكون كبيرة وأن الوقت ينفد. كما يعترف مسؤولو الإدارة بأنه يجب عليهم أيضًا الاستعداد لنتائج أخرى.

بموازاة ذلك، يبدي العديد من المسؤولين الأميركيين داخل إدارة بايدن تشاؤمهم بسبب قطع التمويل الأميركي لكييف. فبرأيهم أن الوضع أو الحالة التي ستكون عليها أوكرانيا أو صمودها ضمن نطاق السيناريوهات الخاصة بها، ستعتمد على الأمور التالية:

1 - قدرتها على حشد قوات جديدة.

2 - نجاح مبادرات التدريب الغربية.

3 - إنشاء تحصينات غير قابلة للاختراق، بما في ذلك الخنادق والحواجز المادية (وقد باشرت الإجراءات)، بطريقة مشابهة لما فعله الروس عندما كانت أوكرانيا تستعد للهجوم المضاد في العام الماضي. وبحسب المحللين، تهدف كييف إلى إنشاء ثلاثة خطوط دفاع في بعض المناطق.

4 ــ معنويات القوات، من بين متغيرات أخرى.

ولهذا قال مسؤول أمريكي كبير (تحفّظ عن ذلك اسمه للصحافة الأميركية) إنه "لا يوجد مستقبل مشرق لأوكرانيا دون دعم أميركي إضافي ومستمر".
 
ما هي عناصر القوّة لدى روسيا؟

صحيح أن روسيا تواجه شبكة ضخمة من العقوبات الغربية، غير أن رئيسها فلاديمير بوتين، تمكّن من توجيه الموارد نحو إنتاج القذائف والدبابات وغيرها من المعدات. كما استعان بحلفائه للحصول على طائرات من دون طيار وإمدادات أسلحة أخرى.

وفي هذا السياق كشفت أولغا ستيفانيشينا، نائبة رئيس الوزراء الأوكراني لشؤون التكامل الأوروبي والأطلسي، أن روسيا في طريقها لتصنيع 2.7 مليون قذيفة، وهو ما يفوق بكثير قدرة إنتاج الولايات المتحدة على المدى القريب. وقالت في حديثها الأسبوع الماضي في واشنطن، إن كل يوم من التردّد في الغرب، سيؤدي إلى خسائر أكبر في الأرواح ويقلل من التوقعات العسكرية لبلادها.

علاوة على ذلك، يحتفظ بوتين أيضًا بميزة هائلة من حيث التفوق بالقوّة البشرية لجيشه، إضافة إلى قدرته على تجنيد المزيد من العناصر القتالية.
 
ما هي المصاعب التي تواجهها أوكرانيا؟

تواجه أوكرانيا العديد من التحديات والمصاعب البشرية والتسليحية، يمكن ايجازها بالآتي:

أولًا: تأثير الخسائر البشرية الأوكرانية - والتي قالت الحكومة مؤخرًا إنها بلغت حوالي 30 ألف قتيل أثناء القتال (في ما الحقيقة أن الرقم أعلى بأضعاف بحسب الاحصاءات الغربية وتحديدًا البريطانية) - على ساحة المعركة، نظرًا لصغر حجم قوة كييف نسبيًا.

في هذه السياق، أقرّ أحد كبار مستشاري الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن هناك احتمالًا كبيرًا لتحقيق مكاسب إقليمية روسية كبيرة ضدّ أوكرانيا بحلول الصيف في غياب مساعدات أميركية جديدة. وكشف المستشار أن "الناس لا يفهمون مدى سوء الجبهة الآن فالمعنويات منخفضة، وكذلك الزخم. ويخشى الشباب أن يتم تجنيدهم للموت بسبب نقص الأسلحة".

ثانيًا: النقص الكبير في العناصر القتالية الأوكرانية. فبينما كانت الحكومة تأمل في توسيع نطاق التجنيد الإجباري، إلا أن الاقتراح لا يزال عالقًا في البرلمان الأوكراني، مما يزيد من احتمال عدم تشكيل تلك القوات هذا العام.

ولهذا قال مايكل كوفمان، وهو زميل بارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن الافتقار إلى القوّة البشرية الكافية، لا سيما قوات المشاة، والحاجة إلى تحصينات أقوى سيكونان حاسمين في تحديد مسار أوكرانيا.

ثالثًا: نفاذ الذخائر الأساسية في ساحة المعركة. إذ أخبر صناع السياسة الأوكرانيون المسؤولين الأوروبيين والأميركيين أن الذخائر الخاصة ببعض أنظمة الدفاع الصاروخي الخاصة بهم، قد تكون على وشك الانتهاء بحلول نهاية مارس، وفقًا لمسؤولين التقيا بالأوكرانيين في مؤتمر أمني الشهر الماضي.

ولفت أحد هؤلاء المسؤولين، إنه بينما حاولت أوكرانيا إسقاط 4 من كلّ 5 صواريخ أطلقت على مدنها، فإنها قد تتمكّن قريبًا من استهداف صاروخ واحد فقط من كلّ 5. وهذا من شأنه أن يخلف تأثيرًا كبيرًا على معنويات الجنود والمواطنين الأوكرانيين.
 
هل سلّمت إدارة بايدن لهذه النتيجة الكارثية؟

في محاولة يائسة لتجنب الواقع المؤلم الذي يظهر في الأفق بأوكرانيا، أطلقت مجموعات من المشرعين الديمقراطيين في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري هذا الأسبوع، محاولات منفصلة للتحايل على رفض رئيس المجلس مايك جونسون إجراء تصويت على حزمة ضخمة للأمن القوميّ أقرها مجلس الشيوخ الشهر الماضي بدعم من الحزبين. ومع ذلك، ليس من المؤكد أنهم قادرون على التغلب على الجمود الحزبي.

تعليقًا على ذلك، قال جونسون لصحيفة بوليتيكو الخميس الفائت، إنه يتوقع تمرير مشروع قانون يتضمن مساعدة عسكرية إضافية لأوكرانيا من خلال الاستفادة من أصوات الديمقراطيين، مع الاشارة الى أنه قد لا يحظى بالدعم الكافي بين الجمهوريين للقيام بذلك. وأضاف إن المساعدات الإضافية لأوكرانيا وحرب "إسرائيل" في غزّة يمكن طرحها كمشروع قانون واحد أو اثنين.

وبناء على ذلك، دفعت صورة ساحة المعركة المثيرة للقلق بشكل متزايد، المسؤولين في واشنطن وفي جميع أنحاء أوروبا إلى إعادة النظر في المخاطر التي هم على استعداد لتحملها على أمنهم، لمواصلة مساعدة أوكرانيا.

من هنا، أعلن البنتاغون الثلاثاء الماضي، أنه سيرسل أسلحة أميركية إضافية بقيمة 300 مليون دولار إلى كييف بعد العثور على "توفير غير متوقع في التكاليف" في عقود الأسلحة الأخيرة. وتتضمن الحزمة، قنابل عنقودية متوسطة المدى تعود لنظام الصواريخ التكتيكية للجيش، من طراز ATACMS، الذي يبلغ مداه حوالي 100 ميل. وكان سبق وان استخدمت القوات الأوكرانية النظام لاستهداف المقرات الروسية وتشكيلات القوات.

أكثر من ذلك، تستكشف واشنطن (على ذمة مسؤول أميركي) أيضًا، كيفية استمرار البنتاغون في تقديم التبرعات والتدريب، إذا ظلّ التمويل الإضافي متوقفًا. ويمكن أن يشمل ذلك الاستفادة من سلطة الإدارة للتبرع بما يصل إلى 4 مليارات دولار من الأسلحة من المخزونات الأميركية، والتي قال المسؤولون إنهم لن يستخدموها ما لم يوافق الكونغرس على أموال لتجديد تلك المخازن.

ماذا عن التحرك الأوروبي لإنقاذ كييف؟

عمليًا، تعكس هذه المناقشات القائمة في الولايات المتحدة لإنقاذ كييف، عملية أخرى جارية في أوروبا لإعادة تقييم ما يمكن لجيوشها التخلص منه من مخزوناتها، وما هم على استعداد لشرائه لأوكرانيا.

تداركًا لما هو قادم على أوروبا، تخلت الدول الأوروبية، عن إصرارها على أن يكون مصدر مشتريات الأسلحة من أوروبا حصرًا، وعليه تتكاتف خلف مبادرة تشيكية لشراء الذخيرة من خارج القارة. وفي ما أعلنت الدنمارك مؤخرًا أنها ستسلم كامل مخزونها من المدفعية إلى أوكرانيا، تعهدت بريطانيا بدورها بتقديم 10 آلاف طائرة من دون طيار إضافية وتعمل على مساعدة كييف على تطوير قدرات جديدة للطائرات من دون طيار.

في المحصّلة، يفسر موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يتخّذ موقفًا متشددًا بشكل متزايد بالنسبة لفرنسا، ودعوته إرسال أفراد من دول الناتو إلى أوكرانيا - ربما خبراء صيانة أو مدربين – الخوف على أمن بلاده، فخروج روسيا منتصرة يقض مضاجع أوروبا وواشنطن، وهو سيؤدي حتمًا إلى بروز خارطة جديدة لأوروبا، والى تبدلات في الأحلاف والعلاقات الأوروبية التي ستنقلب رأسًا على عقب.
 
 

كييف

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل