آراء وتحليلات
الفجر الجديد في غزّة.. "اسرائيل" خاسرة مع أو بدون معركة رفح
أحمد فؤاد
لم يكن غريبًا أن يكون أعظم فعل إنساني على الإطلاق هو الأبسط المباشر، الخليط السحري لحالة الدهشة والإعجاب مع تغير عميق يمس القلب تمامًا، ليس جديدًا أن تكون فلسطين بالنسبة للعربي والمسلم هي الروح والحق والحياة، ولم يكن امتحان غزّة اختبارًا لها وإنما لنا، لكل شخص في مرآة نفسه وبنفسه، ومن فيض نعم الله أن كان لنا موعد في بداية شهر رمضان المبارك مع كلمة سماحة السيد حسن نصر الله، حيث يبزغ النصر فجرًا نديًا، وعبر مفردات عشناها عشرات ومئات المرات، لكنّها هذه المرة جد مختلفة.
يعي كلّ مسلم عادي ما هو القرآن، وما علاقته بشهر رمضان المبارك، والدلالة الروحية لهذا الالتقاء والارتقاء العلوي على سلم الملكوت والوجد والإخلاص لوجه الخالق الكريم، لكن السيد المعلم يعيد صياغة هذه المعاني وربطها لتكتمل صورة معينة في ذهنية الإنسان، في خطاب إيماني رفيع وراق، يعيد توصيف الكلمات والحروف ويكسبهما معًا بلاغة وعمق الإشارة، ليس خطاب وضع كشف إنجازات ولا معادلة حساب، لكنّه يسترد للإنسان بوصلته للرؤية والفهم والحركة، عبر إعادة الحياة إلى تلك الفريضة العظمى "الجهاد" كمطلب يومي شديد الإلحاح والخصوصية، وعلى كون هذه الفريضة بالأصل هي الهدف الأسمى الذي ترخص عنده الأرواح والتضحيات الجسام.
أعاد سماحة السيد ببساطة كلمة البطولة إلى كلّ عمل الجهاد في جبهات الشرف والبذل والكرامة، في غزّة والضفّة الغربية في لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران، الفكرة الصحيحة تمامًا والاتّجاه المطلوب كما يشير لها رأس سهم البوصلة النقية، كلّ مجاهد مرابط في هذه الأرض يمارس بطولة في تجليها الأعظم، كلّ طفل في غزّة وكلّ امرأة ورجل يجاهدون في سبيل الله، وهم منتصرون بوعد الله، وما يراه الضعيف التابع من كونها لحظة ابتلاء، هي ثمن مدفوع وواجب لهذا النصر الإلهي الواقعي.
فعل الجهاد الذي أعاد اكتشاف عبقرية إنسان هذه الأمة ليس معجزة بما تحقق فعلًا وعلى الأرض، بل أنبل من كونه معجزة، إنه الفعل الاستثنائي الذي استطاع قهر كلّ أزمان التخلف والرضوح والهوان، كان ما جرى في طوفان الأقصى على كلّ جبهات القتال موجة مد انفجارية هائلة، هزت قوائم القمة الساكنة المطمئنة، وامتلكت جرأة التأثير فيها، ومعها فاعلية التغيير عند القاعدة، وفي ما بين القمة والقاعدة أحدثت فارقًا مهولًا وكبيرًا، على سبيل المثال لا الحصر، فإن مجتمع العدوّ قبل غيره يتشقق بالتصدعات والصدامات بين مكوناته، ويعيش أزمة ثقة وتناحر غير مسبوقة في تاريخه جعلت أحزابه أشبه ما يكون بأقطاب متنافرة لا تهدأ، ويتسع خرقها على الراتق، وتخرج كلّ ما في جوفها من اتهامات ودسائس ومؤامرات خسيسة للعلن وفي النهار، وهذا آخر ما كان يمكن أن يحدث للكيان في حالة الحرب، إذ كانت كفيلة بتوحيده وتشذيب خلافات وزرائه وحكامه وأصحاب القرار فيه.
159 يومًا من القتال في جبهات الدم، حققت فيها المقاومة كما قال سماحة السيد هدف "الصمود الأقرب لمعجزة" أمام المعطيات المادية لما قبل طوفان الأقصى، 6 أشهر من مسلسل يعجز فيه الجيش الذي – كان - لا يقهر عن تحقيق أي إنجاز حقيقي على الأرض في غزّة، عجز بائس حتّى عن الوصول لمجرد ظلّ نصر، يصنع إعلامه الشيطاني منه نصرًا زائفًا ولو بالصورة أو بالادّعاء الكاذب الأجوف، هذا ما يقول به الكيان، وفي إعلامه وعبر مقالات تنشرها صحفه، وعلى لسان قادته العسكريين، ولن يكون آخرهم صراحة الجنرال في الاحتياط "أسحق بريك"، الذي أقر بالهزيمة ودعا لقبولها والتعامل معها بواقعية توقف ارتداداتها عند هذا الحد.
لم تكن مصادفة ولا جديدة على شخصية سماحة السيد، وهو في النبل من هو، أن يرد على المؤامرة الأميركية القذرة بجر المقاومة الفلسطينية إلى غرف التفاوض بأن منح "حماس" بالذات مفاتيح إشعال كلّ الجبهات أو إطفائها، تعزيزًا لها وإسنادًا شريفًا متواصلًا بالمعنى الشامل للكلمة، إن البندقية الفلسطينية اليوم وإن أرادت أن تنقل الجهد من ساحة النار إلى موائد التفاوض فلها أن تمسك بين أيديها بمفاتح القوّة والمنعة والبطش في المنطقة كلها، جبهات لبنان وسورية والعراق واليمن التي انفتحت جحيمًا على العدوّ وعلى من يسند العدوّ لن تهدأ حتّى تتوقف أنات غزّة وتصل المقاومة فيها إلى هدنة ترضيها وترضي شعبها البطل الصامد، وترضي هذه الأمة التي عاشت في قيد القهر عقودًا طويلة لم يكن لها نهاية أو أفق إلا اليوم.
ليس أجمل من الانتقال من زمن إلى زمن، أن يكون فاتحته وعدًا جديدًا من سماحة السيد، وبكلمات فيها العزم الواضح القاطع التام، يقول سماحة السيد نصا: "يقول نتنياهو سنخسر الحرب لو لم نذهب إلى رفح، وأقول له حتّى لو ذهبت إلى رفح فقد خسرت الحرب"، هذا الوعد الجديد من سيد الوعد الصادق، سيكون فاتحة هذا النصر الكبير الذي تحقق في طوفان الأقصى، عبر كلّ هذه التضحيات من غزّة ومن جبهات الإسناد، وأن ما يجري اليوم من مشاهد تمثيلية بائسة "ليس فقط نفاق وإنما أيضًا غباء أميركي"، هذا الغباء الذي يمنع العدوّ من معاينة الهزيمة والاعتراف بها، ثمّ الرضوخ لشروطها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024