آراء وتحليلات
دراسة: قراءة إستراتيجية في معركة طوفان الأقصى
رامز مصطفى جبارين
في عنوان الدراسة أردت التركيز على عناوين أجدها مهمة للحديث عن الإستراتيجية التي صاغتها وما زالت معركة طوفان الأقصى، بوصفها حدثًا غير مسبوق في التاريخ المعاصر بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، أما بالنسبة للكيان فهي كما وصفها "ناحوم بارنياع" الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية في قوله: "هذا هو أسوأ يوم أستطيع أن أتذكره من الناحية العسكرية في تاريخ “إسرائيل”، بما في ذلك الخطأ الفادح في يوم حرب الغفران الفظيعة". وعندها ستتوقف النظريات العسكرية الإستراتيجية مطولًا، وستتفحص حيثياتها لجهة المبادرة والصدمة والتوقيت والتنفيذ والخداع الإستراتيجي والإخفاق الاستخباراتي.
والعناوين تتلخص بالآتي:
1. الملامح الإستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى
2. الدلالات الإستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى
3. التأثيرات الإستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى.
الملامح الإستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى
1. تثبيت معادلة شرعية المقاومة، وهي المعادلة التي تمَّ العمل من أجل تدميرها - ولسنواتٍ طويلة - عبر اتفاقات التسوية والتطبيع. واستهدافها بالشيطنة ومحاولات الولوج لصبغها بصبغة المنظمات الإرهابية. فلولا هذه الملحمة الإعجازية المذهلة لشهدنا الانهيار والسقوط الكبير ولبات التطبيع بين الكيان والمملكة العربية السعودية أمراً واقعاً.
2. أعادت بوصلة القضية لدى الرأي العامّ الرسمي والشعبي العربي والعالمي. وتجلَّى ذلك في افتضاح الممارسات الصهيونية، وانكشاف عورة الانحياز الغربي، وعار التطبيع.
3. فرضت واقعًا جديدًا في منعها تعطيل المشروع التحرري الوطني المتمثل في تحرير فلسطين.
4. كشفت عجز وضعف السلطة برئيسها وأركانها التي لم تنتهز اللحظة التاريخية وتقلب الطاولة في وجه الكيان والإدارة الأميركية. الأمر الذي عزّز قناعات الدول الكبرى بأنّها لا تملك حلولًا ولا مفاتيح فاعلة في مجريات الأحداث، وأنّها تحولت إلى سلطة أمنية وإدارية محدودة لا حول ولا قوة لها.
5. كرست بالدَّم وحدة السَّاحات على امتداد محور المقاومة واقعًا عمليًا، من اليمن إلى لبنان والعراق وسورية وإيران.
6. صاغت معادلة عسكرية عابرة لحسابات كيان العدوّ الصهيوني من الدفاع إلى الهجوم على عمق كيان العدوّ الصهيوني، من خلفية عناوين عقائدية حسَّاسة جدًّا تتعلق بالقدس والمسجد الأقصى، فكانت معركة (سيف القدس) العام 2021، وملحمة (طوفان الأقصى) 2023، لتضع القضية الفلسطينية ضمن إطارها العربي والإسلامي كقضية مركزية للأمة.
7. جاءت في سياق اللحظة الحرجة جدًّا التي يعيشها الكيان الصهيوني، والتي تمثّلت في الصراع الداخلي والاستقطاب الحاد بين مكوناته، مع وصول التيار الديني القوميّ المتطرِّف إلى الحكم، وسيطرته على المفاصل الحساسة في المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية. وقد طفا ذلك على السطح عبر الاحتجاجات الواسعة على خلفية ما سُمِّي "الإصلاحات القضائية".
8. جاءت في ظلّ توقيت مباغت، بالتزامن مع عيد العرش اليهودي - فترة الأعياد اليهودية - وهي الفترات التي تشهد فيها الثكنات العسكرية والمستوطنات حالة من الهدوء النسبي، والخمول على مستوى النشاط الخاص بالقوات المنتشرة فيها.
9. جاءت في لحظة اعتقد فيها قادة العدوّ أنّ المقاومة مردوعة وأنّ سقف المطالب هو مطالب حياتية وإدخال تحسينات على الظروف الاقتصادية في ظلّ الأزمة الخانقة التي يُعاني منها قطاع غزّة.
10. أظهرت ما اعتقدت به الدوائر الأميركية بعد اتفاقات التطبيع، أنّ الهدوء الذي يعمّ المنطقة ما هو إلاّ وهم، والمتخيل لديهم سراب. فقد صرّح مستشار الأمن القوميّ الأميركي "جيك سوليفان" قبل أيام من معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي، أن المنطقة لم تشهد هدوءًا كالذي تعيشه قبل 20 عامًا.
الدلالات الإستراتيجية لعملية طوفان الأقصى
1. سقوط "نظرية الأمن الصهيوني" القائمة على مبادئ الردع والإنذار المبكر والقدرة على الحسم، وقدرة العدو على الدفاع، حيث تهاوت هذه المبادئ الأربعة في هذه العملية.
2. الضربة التي تلقاها العدوّ في الصميم ستُفرغ المشروع الصهيوني من محتواه، وتجعل اليهود الصهاينة المقيمين داخل الكيان يتطلعون للهجرة المعاكسة. لذلك سعت القيادات السياسية والعسكرية فورًا إلى التعبئة العامة، وتشكيل حكومة "وحدة"، ومحاولة استرداد حالة الردع وترميم صورتها التي تهشَّمت، من خلال القصف الوحشي للمدنيين والتدمير الشامل للمرافق والخدمات المدنية في قطاع غزّة.
3.التكريس العملي لمشروع المقاومة، باعتباره الأداة الفعالة الصحيحة لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني ودحر الاحتلال.
4.فشل المشروع الصهيوني في تطويع الإنسان الفلسطيني. فخلال ثلاثين عامًا من الاحتلال البريطاني، وخمسة وسبعين عامًا من الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن الثورة والانتفاضة.
5.فشل كيان الاحتلال الصهيوني في تقديم نفسه كشرطي للمنطقة. فبعد حالة العجز والفشل في التعامل مع المقاومة الفلسطينية، وبعد سقوط نظرية الأمن، وانهيار الردع، وانكشاف أنه "نِمرٌ من ورق"، لم يعد الكيان الصهيوني قوة يعتمد عليها الغرب في الهيمنة على المنطقة، ولا قوة موثوقة تلجأ إليها دول المنطقة في حل نزاعاتها، وفي حسم صراعاتها مع أعدائها.
6. سقوط فرضية إمكانية إغلاق الملف الفلسطيني، بينما تتم عملية التطبيع مع البلدان العربية والإسلامية، بحيث يتم الاستفراد بالفلسطينيين وعزلهم عن بيئتهم العربية والإسلامية، وفرض الرؤية الصهيونية في تسوية الملف الفلسطيني.
التأثيرات الإستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى
بغضّ النظر عن النتائج النهائية التي ستؤول إليها المعركة، إلاّ أن تأثيراتها الإستراتيجية ستمتد لسنوات مقبلة على أقل تقدير، وفي عدة مستويات:
● التأثيرات في الكيان الصهيوني
● التأثيرات في المقاومة الفلسطينية
● التأثيرات في دول الإقليم
● التأثيرات في الواقع الدولي
أولًا... كيان الاحتلال الصهيوني
1. حفرت المعركة عميقًا في الوعي الصهيوني. فالكيان هُزِم في وعيه العسكري والأمني، وشلّت قدراته ومقدراته الدفاعية والجوية والهجومية.
2. أفقدت الكيان أهمّ عنصر من عناصر الأمان وهو الثقة بالجيش ومخابراته اللذين يعتبران منذ نشأة الكيان الغاصب عموده الفقري بل هما الكيان بحد ذاته. وعليه فإنّ استمرارية الكيان وديمومته ستبقى العلة الوحيدة فيه شعور المستوطنين بقدرة الجيش العدوّ الصهيوني على حمايتهم دون أيّ رعاية وتدخل.
3. سيزداد عدم استقرار حكومة العدوّ الحالية، وذلك بالنظر إلى فشلها في توقع هجوم المقاومة وعرقلة وقوعه، وذلك في مقابل تزايد شعبية ما تسمّى بالمعارضة "غانتس ولابيد". وربما يؤيد ذلك استطلاع الرأي الذي أجراه معهد “لازار” العبري، والذي أشار إلى أن 80 بالمئة يرون نتنياهو مسؤولًا عن هذا الإخفاق. وستتشكّل لجان محاسبة لقادة الكيان على غرار لجنة "فينو غراند" التي أطاحت بأولمرت وحكومته في العام 2006.
4. أدت إلى انهيار المقاربة القائمة على تثبيت أنّ الكيان أمرًا واقعًا. كما أنها ستؤدي إلى تمزيق مقولة، إن التطبيع البديل من حل القضية الفلسطينية سيجعل كيان الاحتلال أكثر اندماجًا في الشرق الأوسط وأكثر أمنًا، فالتهديد الحقيقي لم يكن من حلفاء أميركا والكيان الصهيوني، وإنما من الشعب الفلسطيني ومقاومته ومن محور المقاومة في المنطقة.
5. إجماع داخل دوائر القرار في الكيان الصهيوني، على أنّ ما بعد هذا الحدث لن يكون كما قبله، نظرًا لأنه يفوق الإخفاق الصهيوني في حرب تشرين أكتوبر 1973، وفق وصف تقارير نشرتها وسائل الإعلام العبرية.
6. تزايد خطر التغييرات الديمغرافية على دولة الاحتلال، ويتمثل ذلك في تراجع نسبة الهجرة إلى الكيان، مقابل ازدياد وتيرة الهجرة المعاكسة منه. وهي ظاهرة تعاني منها دولة الاحتلال منذ سنوات فعلى سبيل المثال، انخفضت الهجرة إلى “إسرائيل” بشكل حاد في النصف الأول من عام 2023، حيث تراجعت نسبة استقدام اليهود بنحو 20 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022. بل ذهبت جامعة “رايخمان” العبرية إلى وصف ذلك التغير الديمغرافي بـ "الانقلاب".
7. معاناة الكيان من تباطؤ اقتصادي حاد، نظرًا لفقدان زخمه الذي كان يتمتع به منذ عام 2022، بحسب موقع "غلوبس" المختص بالاقتصاد داخل الكيان. لضعف النشاط الاستهلاكي الخاص مع استمرار الحرب، واتساع العجز الحكومي بسبب ارتفاع الإنفاق وانخفاض الدخل، وهروب الاستثمارات من الكيان.
8. احتمالية تأثر نسبة مبيعات الشركات الأمنية والشركات الدفاعية سلبًا، بالنظر إلى الفشل الأمني الكبير الذي مُني به كيان الاحتلال. والمسؤول السابق في مجلس الأمن القوميّ "يويل غوزانسكي"، كان قد صرّح "إننا ننفق المليارات على جمع المعلومات الاستخبارية عن المقاومة، ثمّ في ثانية واحدة انهار كلّ شيء كقطع الدومينو".
9. المعركة أنهت التاريخ السياسي لنتنياهو وحكومته الفاشية التي جاءت بأجندة أمنية على قاعدة يمينية متطرّفة متعهّدة ومتوعّدة بإنهاء الوجود الفلسطيني. فإذا بها تصحو على وقع هزيمة مدوّية تاريخية في كلّ تفاصيلها وإستراتيجية في كلّ نتائجها. وبدلًا من تصدير أزمتها الداخلية صوب غزّة صدّرت لها غزّة أزمة جديدة لن تتعافى منها إلا بالسقوط.
ثانيًا... المقاومة الفلسطينية
1. أعادت القضية الفلسطينية حضورها وألقها، بعدما جهد الكيان ومن خلفه الإدارة الأميركية العمل على تهميشها وصولًا إلى تصفيتها بموجب صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب"، واتفاقات التطبيع.
2. أبرزت قدرة الشعب الفلسطيني على اجتراح أدوات تعزز صموده وعصيانه على الانكسار.
3. أتاحت المعركة وبعد وقوع العشرات من جنود العدوّ وضباطه أسرى لدى المقاومة، فرصة تاريخية لإرغام كيان العدوّ على الرضوخ لتحقيق صفقة التبادل، بعد أن رفض عقدها مِرارًا وتكرارًا.
4. أحدثت تحولًا نوعيًا في مسار المقاومة في قطاع غزّة، على مستوى التصعيد مع الكيان الصهيوني. لجهة أولًا، اختيار التوقيت. وثانيًا، التوغل البري في الأراضي المحتلة. وثالثًا، من حيث الحجم والأسلوب. ورابعًا، من حيث الخداع التكتيكي والإستراتيجي. وخامسًا، التطور الاستخباراتي للمقاومة. وأخيرًا، وضع إستراتيجية عسكرية لأسر أكبر عدد من الجنود.
5. كسَّرت هيبة العدوّ لدى الرأي العام العالمي في يوم 7 أكتوبر تشرين الأول 2023. وفضحت حقيقته ككيان عنصري فاشي نازي، قام على الحديد والنار والمجازر منذ اغتصابه أرض فلسطين قبل 75 عامًا. وهو اليوم يُمعن عن سابق تصور وتصميم في تنفيذ حرب الإبادة الجماعية ضدّ الشعب الفلسطيني.
6. أثبتت جرأتَها وشجاعتها غير المسبوقة، بتخطيها كلّ الاعتبارات المتصلة إما بسقفها التنظيمي، أو تحالفاتها، بهدف إبقاء السرية والكتمان من عوامل إنجاح عنصر المفاجأة للعدو وجيشه ومخابراته.
7. كسَّرت كلَّ قواعد الاشتباك وموازين القوى لصالح القضية الفلسطينية، وهشَّمت الصورة المثالية عن الكيان، والذي يُسوَّق له دائمًا على أنه متحكِّم في العالم عبر الصُّهيونية وأدواتها. ويمتلك التقنية وأجهزة الاستخبارات الخارقة، ويتمتع بالقُدرات العسكرية القوية التي لا تُهزم، وهو القلعة الحصينة التي لا تُخترق، والقوّة المهيبة التي لا يتجرَّأ عليها أحد.
8. أحدثت جُرحًا عميقًا في كبرياء الكيان، وكسَّرت هيبته وهشَّمت صورته الأسطورية. فانفجر جنونه بوحشية متوقَّعة وغير مستغربة، فهو لا يحتاج إلى تبريرٍ حتّى يرتكب كلَّ هذه المجازر والمحارق. إذْ إنّ تاريخه شاهد عليه بأسوأ الفظائع، بسببٍ ومن غير سبب. وهذا تجسيد مطلق لتلك النظرة الدونية للفكر التلمودي للحركة الصهيونية تّجاه الآخرين.
9. اتساع القاعدة الشعبية للمقاومة إقليميًا وعالميًا، حيث حازت معركة "طوفان الأقصى" اهتمامًا شعبيًا عربيًا وإسلاميًا واسعًا منذ اللحظة الأولى، وأبدت الشعوب تضامنًا مع المقاومة الفلسطينية بانت ملامحه في وسائل التواصل الاجتماعي وفي التظاهرات التي خرجت في العديد من المدن حول العالم.
10. شكلت فرصة حقيقية لإحياء القضية الفلسطينية، وشرح أبعادها للأجيال الجديدة التي تعرضت لقدر كبير من الدعاية الغربية ودعاية المطبعين خلال العقد الماضي على وجه الخصوص.
11. زيادة الوزن السياسي الإقليمي للمقاومة الفلسطينية بعد أن أثبتت أنها رقم صعب في الصراع، وأن بإمكانها عرقلة مخطّطات تصفية القضية الفلسطينية. الأمر الذي قد يدفع دولًا أخرى لفتح قنوات تواصل معها، ويجعل الدول المتواصلة معها بالفعل أكثر حرصًا على التواصل من ذي قبل.
12. دول العالم ستتّجه بشكل أكبر للتعامل مع حركات المقاومة بصفتها فاعلًا دوليًا قويًا في القضية الأهم في الشرق الأوسط. وسيزداد التفاعل من دول كبرى على خلاف مع واشنطن، مثل روسيا والصين، في إطار محاولات تلك القوى تهديد الهيمنة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
13. كشفت المعركة أنّ بنك الأهداف لدى العدو، لا يعدو كونه صفرًا كبيرًا، فبعد الهزيمة المدوّية والبحث عن الردع المتآكل وتحقيق غريزة القتل والانتقام خرج العدوّ لقصف الأبراج السكنية والمساجد والبيوت على رؤوس قاطنيها ولم يعطل مرابض الصواريخ والهواوين ولم يمنع الرشقات الصاروخية.
14. أفقدت العدوّ خاصية النكران التي يستخدمها في كلّ المعارك، ولم يعد بمقدوره أن يقول لا قتلى. فهذه المرة القتلى والأسرى هم من كبار الضباط. وقد شكلت الفيديوهات التي تبثها المقاومة لقتلى العدوّ ودباباته ومدرعاته وجرافاته المُدمرة، جزءًا أساسيًا من معركة الصورة والبث المباشر التي اعتمدتها المقاومة على مدار الحرب منذ 140 يوماً.
ثالثًا... دول الإقليم
1. إعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية، حيث ستُعطي الحرب الحالية دفعة - ولو إعلامية - للرؤية العربية المتمثلة في حل الدولتين، باعتبار أن تجاهل القضية الفلسطينية ومحاولة تجاوزها كان أحد الأسباب الرئيسية للمعركة.
2. أظهرت أن هناك محورًا يراكم الإنجازات وينتصر بالنقاط ويبحث عن إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. وهدفه الأبرز هو تحرير المنطقة من الهيمنة الأميركية، وإن كان هذا الهدف ليس سهل التحقق أو هدفاً منظور التحقق، إلا أنه هدف إستراتيجيّ تنطلق منه هذه القوى لتراكم الإنجازات فيه.
3. عرقلة مسارات التطبيع الجارية وتحديدًا بين السعودية والكيان. إذ ستصعّب "طوفان الأقصى" المحاولات المحمومة للكيان، للفصل بين اتفاقيات التطبيع وبين حل القضية الفلسطينية.
4. ستتراجع جدوى اتفاقات التطبيع مع الدول الإقليمية التي طبعت بالفعل، حيث يمكن أن تتباطأ وتيرة الاتفاقات مع بعض الدول المطبعة كالمغرب نتيجة الحراك الشعبي المتنامي والرافض للتطبيع. مع الترجيح أن دولًا أخرى ستستمر في التعامل مع الكيان بنفس الوتيرة "الإمارات". إلاّ أن الهدف الأميركي الصهيوني الأساسي من التطبيع أن يكون الكيان دولة طبيعية في الإقليم سيتراجع إلى حد كبير.
5. الإبقاء على القنوات الدبلوماسية مفتوحة وبوتيرة عالية بين الولايات المتحدة وباقي دول الإقليم، خاصة مصر وتركيا وقطر والأردن. وتحديدًا بعد وقف العدوان على قطاع غزّة في عناوين التفاوض لتبادل الأسرى، وإعادة إعمار غزّة، وكيفية التعامل مع المقاومة، وإدارة القطاع.
6. احتمالية سقوط عدد من أنظمة الحكم العربية على خلفية حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة. وحالة الخذلان التي أرساها النظام العربي الرسمي في أغلبيته. في مشهد قد يعيد نفسه قبل 75 عامًا في نكبة فلسطين العام 1948.
رابعًا... الواقع الدولي
1. كشفت ترهّل المشروع الأميركي، بعد ضرب بنيان وأساسات قوة الردع لدى كيان الاحتلال، وتطوّر محور المقاومة الذي يحمل شعار مستقبل فلسطين، مع ما يؤشر ذلك إلى تحوّلات ستحصل في الخريطة السياسية ولربما الجيوسياسية.
2. ستُبقي الإدارة الأميركية على مساعيها لاحتواء إشعال حرب إقليمية، وإلى منع هزيمة "إسرائيل" كليًا وإعادة ترميم صورة الردع التي فقدتها في 7 تشرين على المستوى العسكري والأمني وحتّى السياسي. لأن الحرب الإقليمية إذا ما اندلعت ستطال مصالحها في الشرق الأوسط، ولربما في العالم في لحظة تراجع النفوذ الأميركي وتدنّي التأثير في النظام الدولي.
3. الواضح أنّ الولايات المتحدة الأميركية لن تقف مكتوفة اليدين، وبتقديري ستزداد وحشيتها دفاعاً عن مصالحها وهيمنتها. وهذا سيفتح آفاقًا في ارتفاع منسوب المواجهة على المسرح الإقليمي والدولي. خصوصًا أنّ روسيا والصين ومعهما تكتلات سياسية واقتصادية ولربما عسكرية أبرزها إيران، ستعملان على إعادة رسم العالم ذي الأقطاب المتعددة. من غير أن يعني ذلك أنه قد يتحقق في المدى المنظور.
4. دول العالم ستتّجه بشكل أكبر للتعامل مع حركات المقاومة بصفتها فاعلًا دوليًا قويًا في القضية الأهم في الشرق الأوسط. وسيزداد التفاعل من دول كبرى على خلاف مع واشنطن، مثل روسيا والصين، في إطار محاولات تلك القوى تهديد الهيمنة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
5. تنامي العداء لأميركا في المنطقة على خلفية مشاركتها في الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. ورفضها وقف الحرب من خلال استخدامها حق النقض الفيتو.
6. أميركا والغرب سقطا في حيادهما. حيث أثبتت ذلك الحرب على غزّة، كما الكثير من الشواهد على امتداد عمر القضية الفلسطينية.
7. أميركا ستعيش عزلة متزايدة في العالم/ بسبب دعمها وانحيازها الأعمى للكيان الصهيوني.
8. خريطة التحالفات على المسرح الدولي، ستشهد تحولات كبيرة.
9. فضحت ازدواجية المعايير الدولية، حيث تتم تغطية جرائم الكيان بمنع مساءلته الأخلاقية والتاريخية والقانونية عن كلّ سياساته الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني. في حين تعاقب وتحاصر الكثير من الدول على خلفية عدائها للولايات المتحدة الأميركية، وعدم انصياعها لإملاءاتها وسياساتها في الهيمنة والتسلط ونهب ثروات العالم.
10. ستخلق فرصة للصين لمزيد من التمدد في المنطقة، على وقع التراجع الأميركي.
الخاتمة
1. بغضّ النظر عن مآلات هذه المعركة وكيف ومتى ستنتهي، إلاّ أنها قد حققت مكتسبات ذات طابع إستراتيجي لن يكون من السهل تخطيها أو عكسها مهما كانت تفاصيل المستقبل القريب.
2. ستبقى فعلاً مقاوماً، متقناً ومبدِعاً، مثَّل علامةً فارقةً، وحَدثًا إستراتيجيًّا، ولحظةً استثنائيةً، وأداءً معقَّدًا، من خارج التوقُّع والنمطية التقليدية في الصراع.
3. سيكتب التاريخُ هذه المعركة بأحرفٍ من العزِّ والافتخار، ستتجاوز في تداعياتها المستقبلية النتائج المادية الآنية من الإنجازات أو الانكسارات.
4. كما بدأنا ننهي بالرحمة للشهداء والشفاء للجرحى، والمجد كلّ المجد لشعبنا الصامد والصابر، صاحب الإرادة الفولاذية العصية على الكسر أو الانكسار.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024