آراء وتحليلات
تحرير بلدة بابيدا وأهمية خط الدفاع الروسي في التحولات الميدانية
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
يبدو أن وحدات الجيش الروسي، وبعد مرور عام على بقائها في حالة الدفاع النشط، انتقلت ولو ببطء إلى مرحلة الهجوم التكتيكي معتمدة أسلوب القضم للبلدات واحدة تلو الأخرى مستغلة وضعية الجيش الأوكراني الذي بات اقرب إلى فقدان زمام المبادرة ويتحضر للدخول في مرحلة الدفاع بسبب الخسائر الكبيرة التي مُني بها نتيجة عشرات الهجمات المضادة الفاشلة التي كلّفته حوالي 160 الف قتيل وهو عدد ليس بالهين إضافة إلى خسارته مئات الدبابات وآلاف الآليات وقطع المدفعية، وهي بمعظمها معدات غربية كان الغرب الجماعي يأمل من خلالها تحقيق هزيمة بالجيش الروسي، إلاّ أن قرار القيادة الروسية في هذا الشأن كان حكيمًا بالانتقال إلى الدفاع وبناء خطوط دفاع حصينة في فترة قياسية لم تتجاوز 8 أشهر وهو امر يشكّل بحد ذاته إنجازًا كبيرًا، علمًا بأن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قال إن فكرة إنشاء خط دفاع قوي أمام الهجوم المضاد الأوكراني تعود إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرًا إلى أن بوتين هو الذي أشرف على هذه المسألة.
وحول هذا الخط الدفاعي من المفيد القول إنه تم شق أكثر من 3600 كيلومتر من الخنادق وممرات الاتّصالات وأكثر من 150 ألف خندق ومخزن للمعدات، وأكثر من 45 ألف مخبأ، وتم تجهيز أكثر من 12 ألف هيكل خرساني مسلح مسبق الصنع.
وخلال ثمانية أشهر، وفي ظلّ الظروف الجوية والمناخية الصعبة، وكذلك في ظلّ ظروف الأعمال العدائية المستمرة، واستخدام العدوّ على نطاق واسع للأسلحة العالية الدقة والطائرات المسيرة في مناطق تجمع القوات، تم تجهيز أكثر من 400 منطقة دفاع.
وفي الوقت نفسه، تضمن نظام الخطوط والمواقع والمناطق الدفاعية خطين أو ثلاثة خطوط دفاعية. وللمقارنة، سأقدم مثالًا: تم بناء خط مانرهايم الذي يبلغ طوله 135 كيلومترا خلال 10 سنوات، وخط ماجينو المتقدم بطول 400 كيلومتر خلال 12 عامًا.
وفي وقت قصير لم يتجاوز اليومين تُكمل الوحدات الروسية توسيع نطاق التموضع في محيط مدينتي مارينكا وافدييفكا كإجراءات طبيعية لاستكمال السيطرة على مناطق مفيدة تخدم حركة الجيش الروسي.
حول تحرير بابيدا من المهم الإشارة إلى موقعها في جنوب غرب مدينة مارينكا والتي يمكن اعتبار السيطرة عليها خطوة ضرورية لإكمال التقدم نحو مدينة اوغليدار التي وقفت الوحدات الروسية على بواباتها الجنوبية.
ان اكمال الطريق نحو اوغليدار والتقدم من الجهة الشمالية الشرقية سيحتاج للسيطرة على بلدة كونستيانتينوفكا، علمًا بان وصول الجيش الروسي إلى المناطق الشرقية والشمالية لمدينة اوغليدار سيضع منطقة واسعة بين حدود السيطرة الحالية للجيش الروسي والسيطرة الجديدة المقبلة داخل الطوق وهو ما يجعلنا ننتبه إلى طبيعة السلوك التكتيكي الجديد للجيش الروسي الذي بات يعتمد أكثر على تطويق البلدات والمدن وعزل مربعاتها عن بعضها مع ترك ممرات هروب للقوات الأوكرانية وهو ما حصل في تحرير مارينكا وافدييفكا وسيحصل بتقديري مع أي بلدات أو مدن سيقترب منها الجيش الروسي لاحقًا.
امر آخر لا بدّ من الإشارة إليه ان تفعيل العمليات على الاتّجاه الغربي للجبهة يعني ان مدينة زاباروجيا هي الهدف الأهم مع عدم إهمال محاور القتال في الجبهة الشمالية ومحاور القتال المرتبطة بارتيوموفسك ( باخموت ) وهي اتّجاهات قتال معنية بالزحف نحو مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك وهما أكبر مدينيتن لا تزالان تحت سيطرة القوات الأوكرانية في جمهورية دونييتسك.
انطلاقًا من هذه الوضعية الجديدة وربطًا بمهارات الميدان التي يكتسبها الجيش الروسي في مقابل الإنهاك ونقص المعدات والذخائر التي يعاني منها الجيش الأوكراني سيكون النصر مستقبلًا لمن يمتلك القدرة على التعويض في العديد البشري والمعدات، وهو ما تبدو روسيا قادرة عليه مقابل مشاكل كبيرة في توريد الأسلحة لأوكرانيا إضافة إلى المشاكل المرتبطة بالتعبئة وتأمين العدد الكافي من الأفراد.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024