معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أمريكا ومحاولات توسيع خريطة التبعية
16/05/2019

أمريكا ومحاولات توسيع خريطة التبعية

إيهاب شوقي
من ينظر إلى خريطة الصراع بالعالم يرَ عدة مناطق من حيث العلاقات مع أمريكا ونشأتها وتحولاتها ومدى ثباتها، ويمكن تلخيص هذه المناطق في أربعة أنواع:

مناطق تقليدية للتبعية لأمريكا، وهذه المناطق تتميز بالرسوخ في التبعية والثبات في المعسكر الأمريكي، ويعود ذلك إما لتحالفات تقليدية عتيدة بنيت على مصائر مشتركة أو ذات أبعاد عرقية مثل التحالف على قاعدة الانجلو ساكسون، أو اتفاقيات حمائية انشئت على أساسها دول وكانت خاضعة للوصاية البريطانية، ثم انتقلت بالوراثة الإمبراطورية لأمريكا، وهي دول مضمونة لأمريكا وكل ما تفعله أمريكا هو إسباغ الحماية الدولية والعسكرية على نظمها مقابل ضمان المصالح وابتزاز الأموال.

مناطق تحولت من العداء والمقاومة للصداقة والتبعية، وتتميز بعدم الثبات والتأرجح، ويمكن لهذه الدول والمناطق التحول للنقيض عند تغير نظمها السياسية، ولهذا تحرص أمريكا على متابعتها جيدا وحماية الأنظمة التابعة لها بها وقطع الطريق على أي تغيير وعودة للمقاومة.
مناطق مقاومة وتتميز بتهديد المطامع الاستعمارية لأمريكا، وما تفعله أمريكا تجاهها هو الحصار والسعي لتغيير نظمها بكل الوسائل السياسية والعسكرية وفقا للظرف الدولي وموازين القوى.

وبين هذه المناطق الثلاث على خريطة العالم، هناك مناطق، لا نقول رمادية، ولكن يمكن أن نقول إنها لم تحسم أمرها، وتتأرجح في انحيازاتها، وهذه المناطق هي هدف أمريكي لإدخالها لحظيرة التبعية، إما بالترغيب أو الترهيب.

وعن اللحظة الدولية الراهنة، فبإمكان المتابع أن يرى لحظة دولية خطرة، مفادها حالة من استخدام نظرية "حافة الهاوية"، دون ضمانات لحرفية أمريكا، أو ضبط حركة أطراف ثالثة تريد حربا عالمية لأنها لا تتصور هزيمة مشروعها رغم ما قدمته من تنازلات ورغم قضاء عمرها الدولي في حالة التبعية لضمان بقائها!

أن ما تفعله أمريكا مع المعسكرات السابق ذكرها يمكن تلخيصه فيما يلي:

أولا: ومع معسكر التبعية الخالصة والراسخة، ومن نماذجه السعودية وجل دول الخليج، فهي تريد مرحلة يمكن أن يطلق عليها "ما بعد التبعية"، مفادها عدم المناقشة، وعدم السماح بأي تجميل أو أقنعة، فبعد التفريط في القضايا المركزية للأمة مع بعض وعود زائفة بالسلام وحفظ ماء الوجه، أصبحت الآن الاملاءات هي سيدة الموقف دون وعود ودون السماح بمداراة سوءات التفريط والخيانة، إضافة إلى الابتزاز العلني وتوجيه الإهانات بشكل غير مسبوق، والتصريح بأن التبعية والطاعة العمياء مقابل الحماية!

ثانيا: ومع الدول التابعة التي يمكن عودتها للمقاومة، وربما تكون مصر نموذجا مثاليا لذلك، فهي تعمل على حصار هذه الدول بخيارات انتحارية، تجعل التملص منها بمنزلة الإفلاس العلني والانكشاف الاستراتيجي، وتعمل على قطع الطريق على أي محاولات لسياسات مستقلة أو بروز قوى سياسية مقاومة، وتمارس مع هذه الدول سياسة الاحتواء عبر أذيالها الخليجية لقطع الطريق على العودة لمعسكر المقاومة.

ثالثا: ومع الدول المقاومة، فهي تحاول اسقاطها وفقا لموازين القوى والتوازنات، إما بعدوان عسكري مباشر أو عبر وكلاء ومرتزقة ومنظمات إرهابية وبتمويل خليجي، وإما عبر الحصار والخنق الاقتصادي ومحاولة زرع الفتن والدسائس الداخلية، كما يحدث مع فنزويلا، وبشكل مثالي مع إيران.

رابعا: تتعامل أمريكا مع المناطق التي لم تحسم أمرها بسياسة العصا والجزرة، وهي غالبا مناطق لا تجد مظلة للحماية، إما لأن أهميتها الاستراتيجية تراجعت، أو لزوال المظلات التي كانت تتبعها، مثل دول أفريقية ولاتينية، آسيوية، تشترك مصالحها مع جميع أطراف الصراع، وتريد أمريكا إرهاب هذه الدول عبر استعراض القوة مع دول المقاومة، كما تريد إغراءها عبر المساندة للأنظمة التابعة والضعيفة.

ما تفعله أمريكا هو محاولة لتوسيع دائرة التبعية، حتى مع حلفائها التقليديين في مثل غرب أوروبا وتركيا، فهي لا تريد تباينا واختلافا، وإنما تبعية وانقيادا أعمى.

ربما سر التهور الأمريكي والإصرار على المجازفة بسياسة "حافة الهاوية"، هو اقتراب انتهاء المدة الأولى للرئيس الأمريكي، الذي يريد خلالها تحقيق انجاز ملموس يسوغ ما فعله من انقلابات في السياسة الدولية، وهو لعب بالنار، لأن أي خطأ صغير، أو أي تصرف من طرف ثالث، قد يشعل الحرب التي لا يريدها أي معسكر، لعلم جميع المعسكرات بخطورتها وتداعياتها المدمرة وخسائرها الكبرى.

كل ما على الأمريكان وتوابعهم أن يدركوا الحقيقة الجلية، وهي أن تهديداتهم واستعراضاتهم لن تنتزع أي تنازل من محور المقاومة، وبالتالي، فإن سياسة حافة الهاوية تفقد معناها، وتتحول مع الوقت للسقوط في الهاوية، لأن الحافة لن تتسع لتفاوض على ثوابت المقاومة، ولأن الحافة لا مكان بها للذلة مع رافعي شعار "هيهات منا الذلة".

وعندما تدرك أمريكا وتوابعها أن التفاوض عبر التهديد وعبر حاملات الطائرات والقاذفات هو مرادف للحرب، فعليها حسم اختيارها، ولا نظن أن اختيارها الحرب لأنها تعلم أكثر من ذيولها قوة ايران والمقاومة وتعلم حجم الخسائر المترتبة والخصم الاستراتيجي من القوة الأمريكية لو اندلعت حرب كهذه.

ليس أمام أمريكا إلا احترام المقاومة والاعتراف بحقوقها، ثم إخطار توابعها بذلك لعلهم يفقهون.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل