آراء وتحليلات
الولايات المتحدة تحارب في الشرق الأوسط وعينها على الصين في شرق آسيا
د. جمال واكيم
فيما يستعر الصراع في منطقة الشرق الأوسط، حيث تشكل الحرب الإسرائيلية على غزّة ذروتها، فإن الولايات المتحدة لا تهمل موضوع مواجهة ما تعتبره تهديدات أميركية في منطقة شرق آسيا. فبالنسبة لها ما يجري في الشرق الأوسط يصب في إطار استراتيجيتها الأكبر والتي تقوم على محاصرة القوى الأوراسية وهي الصين وروسيا ومعهما إيران، وذلك لمنع هذه القوى من الخروج إلى طرق الملاحة البحرية. ومن ثم فإن ما يجري في الشرق الأوسط يجب ألا يلهينا عما يجري في شرق آسيا. بل إن ما يجري هناك قد يساعدنا على فهم ما يجري في منطقتنا.
في هذا الإطار تواصل الولايات المتحدة مناوراتها العسكرية في شرق آسيا بالتعاون مع حلفائها وعلى رأسهم أستراليا، بالإضافة إلى كندا وفرنسا واليابان ونيوزيلندا والمملكة المتحدة، والذي تضمن مناورات وتدريبات على التزود بالوقود الجوي وعمليات الإجلاء الطبي. وقد باتت أستراليا تلعب بالنسبة لواشنطن في منطقة جنوب المحيط الهادئ الدور الذي تلعبه بريطانيا في منطقة شمال المحيط الأطلسي. هذا يفسر لماذا تصدرت المناورات التي تجريها واشنطن وكانبيرا دوريا تحت عنوان "تاليسمان سابر" لمواجهة ما تعتبر خطر الصين التي يمكن أن تجتاح تايوان عسكريا في المستقبل.
وتفترض المناورات قيام الصين بقصف إمدادات وقود الطائرات أو إعادة تزويد السفن بالوقود الأميركية مما سيشل القوّة الجوية والبحرية الأميركية، وذلك ي خطوة تستبق اجتياحها المحتمل لجزيرة تايوان. وتحسبا لذلك فإن الولايات المتحدة تسعى لنشر مراكزها اللوجستية العسكرية في أنحاء المنطقة بما في ذلك أستراليا.
وفيما قامت قيادة النقل الأميركية، وهي الذراع اللوجستية للجيش الأميركي، بنقل أكثر من 660 مليون رطل من المعدات وأكثر من مليوني طلقة مدفعية إلى الجيش الأوكراني في حربه مع روسيا، إلا أنها تعتبر أنه في حالة غزو صيني لتايوان، الواقعة على بعد 100 ميل من ساحل الصين، فإنه سيكون من الصعب جدًّا تأمين نفس حجم الدعم العسكري. ويعتبر المسؤولون العسكريون الأميركيون بأن إمدادات الذخيرة يجب أن تكون على رأس قائمة الأولويات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يليها الوقود والغذاء وقطع غيار المعدات. وهم يحذرون من أنه في حالة اندلاع صراع كبير مع الصين في جنوب شرق آسيا، فإن الدفاعات الصاروخية ستنفذ بسرعة من السفن البحرية.
ويعتبر المفكرون الاستراتيجيون أن تحولا استراتيجيا قد حصل في تفكير المؤسسة العسكرية للولايات المتحدة. فبعدما كان تفكير الولايات المتحدة لا يعير انتباها لإمكانية استهداف قوة معادية لقواعدها اللوجستية، إن العقدين الماضيين شهدا تحولا مع صعود القوّة العسكرية الروسية وتنامي القوّة العسكرية الصينية. وقد سمح ذلك للمخطّطين بالتركيز على الكفاءة، واعتماد نموذج الخدمات اللوجستية في الوقت الملائم الشائع بين الشركات المصنعة للسلاح وساهم في اعتماد القرار بإنشاء قواعد ضخمة، مثل قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا.
وقد فعلت الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية في أوروبا بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014، حيث حفظت المخزونات مسبقًا والاستثمار في القواعد والمطارات التي يمكن أن تستخدمها القوات الأميركية إذا لزم الأمر، أو يمكن أن تقدمها كدعم لوجستي للجيش الأوكراني. وكان البنتاغون قد خصص نحو 12 مليار دولار أميركي لتخزين المعدات في السنوات التي سبقت انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
ويمكن للصراع المباشر مع الصين أن يجعل القواعد الأميركية الضخمة في شرق آسيا، ومن ضمنها معسكر "همفريز" بالقرب من سيول، أهدافًا محتملة للصين. هذا ما يدفع الولايات المتحدة إلى اعتماد عدد كبير من مراكز التخزين اللوجستي في عدد كبير من الدول الحليفة لها والتخزين المسبق للإمدادات في جميع أنحاء المنطقة.
ولمعالجة نقاط الضعف هذه، يتطلع الجيش الأميركي إلى إقامة مستودعات في عدد من الدول في شرق آسيا وتعزيز التعاون مع الفليبين واليابان. وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلنت في تموز يوليو الماضي أنها تعتزم إنشاء مركز لوجستي في بانديانا في أستراليا يمكن أن يستوعب أكثر من 300 قارب و800 منصة نقالة. ويخطط الجيش الأميركي لتخصيص 2.5 مليار دولار لتخزين المعدات والوقود وتحسين الخدمات اللوجستية في آسيا، علما أن ميزانية البنتاغون السنوية تبلغ حاليا نحو 842 مليار دولار.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024