آراء وتحليلات
نهاية الحرب.. سقوط لـ"اسرائيل" وأميركا
يونس عودة
يمكن أن يكون الصهيوني المتطرف وزير الحرب السابق ورئيس حزب "اسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان هو الأجرأ في الاعتراف بسقوط نظرية الأمن الإسرائيلي بأمها وأبيها، وأنها لم تعد تلبّي حاجات الكيان للبقاء على أرض فلسطين، وهو المحاط بالأعداء من كل حدب وصوب، وأن القوّة الشديدة التي كانت لسابقًا لدى "اسرائيل" هي التي أمّنت لها بالترويع حواضن عربية في الجوار، مثل مصر والأردن.
في هذا الإطار يقول ليبرمان: "يجب على المرء أن يكون مستعدًا دائمًا للحرب مع مصر والأردن رغم أن لدينا حاليًا حالة لا حرب معهما، لكن أنت لا تصل إلى مثل هذه الترتيبات هنا إلا بدافع القوة، فعندما تكون ضعيفًا لن يدوم شيء، وجزء من سمعتنا وعلامتنا التجارية هو الشدة، وقد تعرضت لضربة قوية في الآونة الأخيرة في غزة ويجب علينا استعادة ذلك والشعور بالأمن لدى المواطنين (المستوطنين) والإيمان بأن "إسرائيل" قادرة على توفير الأمن واستعادة الشرف الوطني" حسب تعبيره.
ليس المقصود بكلام ليبرمان حول استعادة "الشرف الوطني" الشرف بمعناه الدقيق، وإنما أن استعادة الهيبة والقوة أمام المستوطنين ليثقوا بكيانهم من جهة واستعادة حالة الترويع للحكام العرب، وللشعوب العربية التي تجاوزت الخوف وانتفضت وكذلك أمام شعوب العالم التي اكتشفت الصورة الحقيقية لدموية "اسرائيل" ولحماتها ومشغليها، لا سيما الولايات المتحدة والغرب الجماعي.
أما كيف يرى ليبرمان إعادة إنتاج المشهد الذي يصبو إليه فملخصه أن "على إسرائيل أن تبدأ من البداية، أي إعادة ضبط الساعة وإعادة بناء كل شيء في مفهوم الأمن، وبناء القوة، وترتيب الأولويات، والأوامر، والتعليمات، والإجراءات والأساليب، والشؤون المالية والموازنات الدفاعية، وهذا الآن وليس غدًا".
غاب عن بال المتطرف ليبرمان أن الزمن لا يعود إلى الوراء، وأن الزمن الذي كانت تتحكم به أميركا وضمنًا "اسرائيل" وغيرها قد ولّى مع الصحوة الشاملة والمتزايدة في العالم. وكان سابقًا هذا العالم ضحية الدعاية الغربية - الغوبلزية، التي سقطت أمام الوقائع اليومية، ولم تتمكن كل الآلة الإعلامية الغربية أن تحجب السقوط الأخلاقي أو تأخير إعلانه حتى.
إضافة إلى عدم اليقين بالنتائج التي يمكن أن تسفر عن أي تورط أميركي مباشر عبر الأساطيل بعمليات الإبادة التي ترتكبها "اسرائيل" بالأسلحة الأميركية، تسعى الولايات المتحدة إلى عدم توسيع رقعة العمليات العسكرية و"تقليص شدة قتل المدنيين في غزة"، لعل في ذلك كوّة يمكن للولايات المتحدة الساقطة أخلاقيًا أن تقول من خلالها: "انظروا إلينا إننا نعمل على تخفيف قتل المدنيين، لكن لا نريد أن يتوقف القتل، ولذلك نبقي على أمر العمليات بلا أي وقف للنار الذي وحده يحد من المجازر".
يتخيل البعض أن التعارض في وجهات النظر بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحكومة القتل والترويع والإرهاب التي يقودها بنيامين نتنياهو معطوفة على الحجج الأخلاقية، يمكن أن يبرر لا أخلاقية ولا إنسانية النظام الأميركي.
ترى مطبوعة بريطانية مرموقة أن "العلاقات بين الحليفين هو الكيفية التي وجهت بها تصرفات "إسرائيل" في غزة ضربة قوية لمساعي الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم والقيادة الأخلاقية، فتحت أنقاض غزة، دُفنت أخيراً الحجج الأخلاقية الأمريكية الضعيفة للهيمنة الإمبريالية"، ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالحجج الأخلاقية: فأميركا لم تعد قادرة على حماية العالم الذي خلقته على صورتها ومثالها.
إن النصر الاستراتيجي الذي حققته المقاومة الفلسطينية المعززة بثلاث جبهات إسناد من لبنان المنخرط في المواجهة منذ الساعات الأولى وقد قدم حتى الآن عشرات من خيرة فرسانه البواسل في المقاومة، إلى التأثير الذي النوعي أيضا في استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق كعوامل ضغط واستنزاف من جانب المقاومة الإسلامية في العراق، إلى اليمن الذي أعطى أمثلة رائعة في وحدة الساحات، وكشف الأعداء من خلال الضربات النوعية في البحر الأحمر وعلى مشارف باب المندب، هذا النصر غيّر كثيرا في المشهد العالمي من حيث صورة أميركا والغرب عموما، وكذلك الكيان كصنيع غربي، وبالأخص في الأبعاد الثقافية المندثرة أخلاقيا وإنسانيا. فضلًا عن إسقاط نظرية التفوق حتى عسكريًا وأمنيًا رغم البون الشاسع في القدرات المادية والتقنية على مختلف المستويات، وهذا كلّه يؤسس لبصمة كبيرة في النظام العالمي المأمول، والآتي حتمًا، إضافة إلى البصمة المهمة التي ستذيل الانتخابات الرئاسية الأميركية والمسبوقة بمواجهة ليست عابرة بين رؤساء جامعات في ولايات عدة، ورموز نظام بايدن الجزار، وإقالة رؤساء الجامعات عنوة، أكان بالترهيب وهو الأغلب، أو بغيره من أدوات الضغط.
إن الجانب الخاسر في الصراع الحالي، كما يرى الكثير من البحاثة والاستراتيجيين، لن يكون "تل أبيب" فقط. بل وحتمًا ستكون الولايات المتحدة وكل أعوانها وأدواتها في العالم، لمجرد إنهاء الأعمال القتالية قبل القضاء على المقاومة الفلسطينية بالكامل، وهو ما سيُعد في جميع أنحاء العالم انتصارًا لحماس ولفلسطين ولمحور المقاومة وهزيمة لكل من "إسرائيل" والولايات المتحدة. وإن غدا لناظره قريب.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024