آراء وتحليلات
هروب أميركي من شبح الهزيمة.. إلى الخطة البديلة
حيان نيوف
لم يعد خافياً على أحد من المتابعين للأحداث التي بدأت منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى بأن تلك الملحمة بكامل مجرياتها وتوقيتها لم تكن سوى عملية استباقية "استراتيجية وجيوسياسية" تهدف بالدرجة الأولى لإسقاط مخطط صهيو-أمريكي كان قد جرى إعداده لتصفية القضية الفلسطينية بالتعاون والتشارك مع دول عربية وإقليمية عديدة..
ملامح المخطط بدأت منذ قمة النقب الأولى التي عقدت في "سدي بوكر" بجوار قبر بن جوريون، وضمت دول التطبيع العربية والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ثم تبلور المخطط واتضح خلال زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للسعودية والقمة التي عقدها مع حكام دول التطبيع العربية، وقال رئيس الوزراء الصهيوني نفتالي بينيت في حينها إن زيارة بايدن الى السعودية تهدف إلى دمج "اسرائيل" في المنطقة.
ومنذ ذلك التاريخ جرت محاولات عدة لتصفية المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحديدًا حركة "الجهاد الإسلامي"، كما جرت لقاءات عدة بين أطراف دول حلف النقب، وتم إنشاء حلف للدفاع الجوي المشترك في الشرق الأوسط وتحالف عسكري بحري للسيطرة على البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي، ومؤخرًا جرى الإعلان عن مشروع الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي، وتم تكثيف الجهود لتسريع التطبيع السعودي الإسرائيلي، وكل ذلك لخدمة هدف واحد.
بالمختصر المخطط كان يهدف لإنشاء حلف اميركي - اسرائيلي - عربي في الإقليم تقوده واشنطن للسيطرة على المنطقة بعد فشل مشروع الربيع العربي وسقوطه في كل من سورية واليمن.
ملحمة طوفان الأقصى شكلت مفاجأة من العيار الثقيل لواضعي المخطط والمشاركين فيه، وأعادت خلط الأوراق الإقليمية والدولية، كما أنها تركت آثارها على الإصطفافات المحلية وحتى العالمية، وهو ما يفسر الهيستريا التي أصابت دول المخطط انطلاقًا من واشنطن و"تل أبيب" ووصولًا إلى القاهرة والرياض وعمّان وغيرها.
ومنذ اللحظة الأولى سارعت واشنطن لتولي قيادة المعركة سياسيًا وعسكريًا وسحبت القرار من أيدي قادة الكيان الصهيوني وقادة الدول الحليفة لها، وراحت توزع الأدوار بالسياسة والميدان، ولم تنقطع زيارات كبار المسؤولين الاميركيين للمنطقة بدءًا بالرئيس بايدن ومرورًا بوزير خارجيته ودفاعه ومدير وكالة المخابرات الامريكية، بهدف احتواء الهجوم الإستباقي المضاد الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في غزة، قبل أن يتوسع ويجهز على ما تبقى من المخطط الامريكي.
في هذا الإطار حرصت واشنطن على منع انهيار "اسرائيل" من الداخل، وعلى عدم انتفاض الشارع العربي وتحديدًا في مصر والأردن، ولجأت إلى التلويح بملف التهجير عبر قادة الكيان للضغط على الشارع العربي في كلتا الدولتين العربيتين للإصطفاف خلف مواقف وقرارات قيادتيهما ومنع انفلاته بوجه التخاذل والتواطؤ، واستقدمت قوة عسكرية هائلة إلى الإقليم خشية من توسيع الصراع، وقامت بالتغطية على الجرائم الوحشية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في غزة بل وشاركت بها.
حاولت واشنطن الإمساك بخيوط المعركة في الإقليم والضغط باتجاه تجميد الصراع في الإقليم ككل ليتسنى لها الحفاظ على مخططها من الإنهيار والإستمرار به لاحقًا، وهو ما برز بشكل واضح من خلال ما قدمته من طروحات لإدارة قطاع غزة ما بعد وقف إطلاق النار.
ولأن واشنطن أدركت بأن مخططها لم يعد قابلَا للتمرير بصيغته القديمة، كان لا بد من إعادة صياغته أو اللجوء إلى خطة بديلة لتمرير ذات الأهداف، وهو ما اعترف به بايدن شخصيًا عندما قال أكثر من مرة بأن طوفان الاقصى كانت تهدف لعرقلة التطبيع السعودي الإسرائيلي وعرقلة دمج "اسرائيل" في المنطقة.
جرى إعداد الخطة البديلة في اجتماع مجموعة السبع الأخير في اليابان منذ اسبوعين، حيث ركز بيان المجموعة على ضرورة إقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية، غير أن البيان لم يكشف في حينها عن تفاصيل الخطة الجديدة التي أوكل إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الإعلان عنها منذ يومين بحضور رئيس الوزراء الإسباني الذي تتولى بلاده رئاسة الإتحاد الاوروبي ورئيس الوزراء البلجيكي الذي تضم بلاده مقر رئاسة الإتحاد الاوروبي.
أرادت واشنطن إعطاء شرعية لخطتها الجديدة عبر إعلانها بشكل مشترك من القاهرة التي تضم مقر جامعة الدول العربية وبحضور رئاسة الإتحاد الاوروبي.
تضمنت تفاصيل الخطة الجديدة التي أعلنها السيسي (الإعتراف بدولة فلسطينية، وأن تكون على حدود الرابع من يونيو/حزيران دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، جنباً إلى جنب مع "إسرائيل"، استعدادنا أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح، وبضمانات بوجود قوات من الناتو أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أمريكية حتى نحقق الأمن لكلتا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب المجتمع الدولي وإدخالها إلى الأمم المتحدة).
وفي قراءة أولية لهذه الخطة التي أريد أن يتم إظهارها كمبادرة مصرية أوروبية يمكننا أن نوضح ما يلي:
أولاً - من حيث الشكل:
١- يتحدث السيسي في البند الثالث من مبادرته بصيغة الجمع، وهو ما يؤكد بأن المبادرة ليست اقتراحا مصريا فقط، بل إن السيسي هو من أعلنها فقط.
٢- إن حديث السيسي عن ضمانات بواسطة قوات من الناتو والأمم المتحدة أو قوات أميركية أو عربية، يؤكد بأن مبادرته مطروحة من قبل الأطراف الأربعة التي ذكرها السيسي، الناتو والامم متحدة وواشنطن وعرب التطبيع.. وبطبيعة الحال اوروبا.
٣- إن مبادرة السيسي تتجاهل بالمطلق أي دور أو رأي للمقاومة الفلسطينية، وبطبيعة الحال لمحور المقاومة.
٤- ليس من المصادفة أن تتزامن مبادرة السيسي مع أول أيام الهدنة.
ثانياً - من حيث المضمون:
١- إن عرب التطبيع انتقلوا من مسار التفاوض حول حلّ الدولتين إلى مسار الإعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح بضمانات ناتوية أمريكية أممية تطبيعية.
٢- يقولون إن تلك الدولة ستقوم على أراضي ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية! لكن حتى ذلك سيكون نظريًا برأيهم من خلال الإعتراف الشفهي ووفقًا للوضع القائم والحالي.
٣- إن المسار الجديد الذي أعلنه السيسي ليس سوى مرحلة جديدة من مراحل المخطط الأمريكي بغطاء عربي أريد له أن يصدر من القاهرة وليس من الرياض هذه المرة.
٤- بايدن في عجلة من أمره، والرياض في عجلة من أمرها، و"تل ابيب" في عجلة من أمرها.. الكل يستعجل التطبيع السعودي الإسرائيلي.. ولكلٌّ أسبابه، ولذلك فهم لا يريدون تفاوضًا الآن، بل يقررون نتائج نهائية والتفاوض يأتي لاحقًا حسب اعتقادهم.
٥- هم أرادوا إعلان نتائج مخططهم بلا تفاوض، ومن ثم سيضغطون للإعتراف بها دوليا. وأما الحدود والعاصمة والمستوطنات واللاجئين، فهي ملفات تأتي لاحقًا بين دولتين كما يظنون.
٦- يريدون تحويل الصراع الى صراع حدود بين دولتين اسرائيلية واخرى فلسطينية، واحدة تمتلك سلاحا نوويا وأخرى منزوعة السلاح، ويريدون تحويل اللاجئين الفلسطينيين في الخارج إلى مغتربين يمكنهم العودة لدولتهم الجديدة بشروط يحددونها.
أخيرا؛ نختصر بالقول إنهم واهمون، كبيرهم القاطن في البيت الأبيض أوهمهم أن سحره لا يُرَدّ، وأن عصا المقاومة غير قادرة على ابتلاع حبال خيانتهم، وأن فرعون مصر الجديد قادر على تمرير ما خططوا له.
إنهم واهمون، هذا ما تردده حناجر الشهداء والمقاومين والأطفال والنساء، هذا ما تردده حناجر الصواريخ والمسيّرات والبنادق، وهذا ما تردده عواصم المقاومة في القدس وبيروت ودمشق وصنعاء وبغداد وطهران.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024