آراء وتحليلات
بين خطر وجودي على "إسرائيل" وعلى المقاومة في غزّة: من هو المنتصر ومن هو المهزوم؟
عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
في البعد السياسي:
بمرور 39 يوماً على عملية طوفان الأقصى يحاول بعض الخبراء الأميركيين والإسرائيليين تغيير توصيف نتائج العملية بالقول انها اكبر من عملية واقل من خطر وجودي وهو ما يخالف كل تصريحات القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو وكذلك مستوى التدخل الغربي السريع، حيث اتفق الجانبين الأميركي والإسرائيلي على ان ما حصل هو خطر وجودي تجاوز في مفاعيله وتداعياته كل ما سبق من جولات قتال بمواجهة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وبتقديري يبدو السبب الرئيسي لهذا التغيير في توصيف العملية محاولة للدخول في تبريرات تمهيدية للبدء في تنفيذ تراجع تدريجي عن تنفيذ الأهداف الثلاثة التي طرحها نتنياهو (القضاء على حماس وتحرير الأسرى ، والوصول الى حكم سياسي بديل لحماس)، علماً بأن الدخول في مرحلة التراجع سيكون بمثابة هزيمة مدوية لإسرائيل لا يمكن ابتلاعها او تجاوزها ما يعني ان هذا التراجع في التوصيف قد يكون حلاً بديلاً ببعد استباقي ومحاكاة محتملة لمرحلة اضطرارية قد تُفرض على أميركا وإسرائيل معاً.
ولاختصار ما يسوقه هؤلاء الخبراء يمكن تبسيط الفكرة بمختصر على الشكل التالي: "قد يمكن القول إن ما حصل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لا يُصنّف كخطر وجوديّ مباشر على "إسرائيل". وقد يمكن وصفه على الشكل التاليّ: هو أكثر من الخطر العاديّ، كما كان يحصل مع حروب " إسرائيل " ضدّ حماس منذ عام 2009. لكنه بالتأكيد أقلّ من خطر وجوديّ مباشر. لكن وفي حال التكرار، وخسارة "إسرائيل" منظومة الردع، قد يمكن القول إن "إسرائيل" قد تذهب إلى الزوال لكن بالتدريج، ومن ضمن مقولة «الموت بألف طعنة». هذا بالنسبة إلى " إسرائيل " . أما بالنسبة إلى حركة حماس، فهي تخوض الآن حرب حياة أو موت. فهي حرب وجوديّة حتى ولو نظّر البعض أن الأيديولوجيا لا تموت. فماذا تنفع الأيديولوجيا إذا لم تتجسّد فعليّاً على أرض الواقع؟
وانطلاقاً من هذا الإطار الفكريّ (Mental Framework)، قد يمكن رصد وفهم سير المعارك على الأرض، من المستوى الاستراتيجيّ، والعملانيّ، وحتى التكتيكيّ " .
فهل فعلاً تبدو الأمور في مساراتها على مسرح عمليات المعركة كما يقول هؤلاء الخبراء الأميركيين والإسرائيليون؟ مع التأكيد أن الجزم بزوال حماس هو الذي يراود رؤوس الأميركيين والإسرائيليين وأن بقاء " إسرائيل " هو الفكرة الثابتة في رؤوسهم مخالفين بذلك كل تجارب الشعوب والمقاومات عبر التاريخ ، ومصرون على الانحياز الأعمى بفوقية تعكس جبروتهم واستعلاءهم وعدم تقبل فكرة الخسارة أمام مقاومات متواضعة في تسليحها وتجهيزاتها ، لكنها قوية بعقيدتها ( الأيديولوجيا ) وهو ما ينفيه هؤلاء ويستخفون به كعامل من عوامل الاستمرار والتجدد.
في المقابل نقرأ العملية على أنها تحول في مسار الصراع لجهة مبادرة أحد فصائل المقاومة بتنفيذ عمل هجومي بمستوى عملية طوفان الأقصى، وإن كانت هذه العملية في البعد العسكري كتصنيف هي بمثابة إغارة لكن نتائجها رسمت الخط البياني لمستقبل الصراع وكشفت وهَن الجيش والمجتمع في "إسرائيل" وإمكانية تحقيق الهزيمة فيها.
وكردّ على ادعاءات الخبراء الواردة أقوالهم أعلاه لطالما اعترف قادة الاحتلال الإسرائيلي المؤسسين أن "إسرائيل" تعيش أزمة كيانية أي أزمة وجود، وهم يقصدون بذلك أن مشكلتها الأساسية هي قدرتها على الحفاظ على كيانها من الانهيار أو الاندثار، وقد وصلوا إلى نتيجة مفادها أن "إسرائيل" ستنتهي عند أول هزيمة حقيقية لها، وهو ما يجعل الأمن أهم ركن من أركان بقائها واهتماماتها وغير خاضع أو قابل لأيّ قصور كان في أي مرحلة كانت.
والسؤال الأبرز بعد عملية طوفان الأقصى: ألا تزال " إسرائيل" تحافظ على كونها أرض الميعاد وأرض السلام وأرض الأمان ليستمر المستوطنون الذين أتوا بهم من كل أصقاع الأرض في العيش فيها؟
وإن كنت أوافق الخبراء الأميركيين والإسرائيليين بأن "إسرائيل" ستتجه إلى الزوال بالتدريج وتحت مقولة "الموت بألف طعنة وطعنة" فكم طعنة تلقت، وهل طعنة طوفان الأقصى هي الطعنة الأخطر؟
الجواب: أن هذا الكيان تحوّل من جيش قادرٍ على إخضاع كل من حوله من دول إلى كيان محاصر بحزام من النار ومن الجهات كلها، بصواريخ اليمن من الجنوب، وصواريخ غزّة من الغرب، ومن صواريخ حزب الله من الشمال، وصواريخ العراق وسورية من الشرق، لتتحول هذه الصواريخ إلى ما يشبه حاملي سكاكين يطوقونه بدائرة ويتقدم كل واحد منهم لطعنه من الجهات كلها.
إذن هو كيان ينزف، وضع في العناية الفائقة وفقد وظيفته التي أنشئ من أجلها، فإلى متى يمكن للأميركي أن يتحمّل موظفاً غير قادرٍ على الاستمرار في أداء وظيفته، وهل بمقدور الأميركي أن يقاتل عنه إلى أبد الآبدين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024