آراء وتحليلات
هل "المسيحيون الكاثوليك" هم هدف أمريكا و"داعش" القادم؟
إيهاب شوقي
مبدئيا، هذا ليس مقالاً دينياً، وإنما محاولة لرصد توظيف الدين في السياسة الاستعمارية وما يتبع ذلك من جرائم ضد البشرية، ومبدئياً أيضاً، نحن مع حرية كل شخص في اعتناق أي عقيدة ولسنا ضد العقائد الدينية، وإنما ضد التطرف الفكري الذي يتخذ اشكالاً سياسية ترتدي قناع الدين، وهو موجود بكل الديانات، فكما ندينه لدى الوهابية، فإننا ندينه ونعاديه لدى اليهودية والأصولية المسيحية التي تتقاطع مع الصهيونية. والمدقق ربما يجد تقاطعات كثيرة بين الوهابية والصهيونية والأصولية المسيحية، فالجميع يخدم مصالح الاستعمار القائمة على حرف مسار الصراعات الرئيسية وتقسيم المجتمعات والقضاء على وحدتها، ولعل ذلك كان جوهر فكرة صدام الحضارات، حيث يتم تحريف الصراع الرئيسي بين قوي الاستعمار والاستكبار وبين الشعوب، وتصويره على أنه صراع حضاري وديني!
ويمكننا هنا رصد عدة تطورات وشواهد تقول إن الإعداد لحرب دينية ينبغي أن يتم رصده ومتابعته والانتباه له جيدا. وسوف نورد هذه الشواهد، ثم نتبعها بحقائق تاريخية تستدعي انتباها مضاعفا. وتتمثل الشواهد الجديدة فيما يلي:
1ـ الهجمات الإرهابية في نيوزيلندا وقتل المصلين العزل الأبرياء، والشواهد المريبة التي تلازمت مع الحادث والقناعة التي صاحبته أنها عملية عنصرية من متطرف ديني وأنها عمل فردي، ورغم صعوبة تصور أنها عمل فردي، إلا أن الأمر انتهى بهذه القناعة ومفادها صراع الأديان.
2ـ الهجمات الإرهابية على الكنائس في سريلانكا، وتصوير الأمر على أنه رد على هجمات نيوزيلندا، وإعلان داعش عن تبنيها للأمر. ورغم قناعتنا بأن الأمر مخطط له دوليا، وأن داعش لا تمثل الإسلام، إلا أن الأمر انتهى أيضا بترسيخ قناعة صراع الأديان.
3ـ التسجيل الأخير لزعيم العصابة الإرهابية، أبو بكر البغدادي، والذي أعلن فيه التحول في استراتيجية داعش، وأنها سوف تحارب المسيحيين، وبوصفه "الصليبيين"، هو تدشين لمرحلة جديدة، وبملاحظة داعش وتوظيفها، يمكننا قراءة ما يخطط له دوليا بعناية، وتتبعه والانتباه له.
وكي لا يكون الكلام مرسلا وانطباعيا، فمن المهم القاء الضوء على بعض المعلومات التاريخية والمعاصرة، ويمكننا في ذلك تسليط الضوء على ما يلي:
1ـ يشكل الكاثوليك أكثر من نصف المسيحيين وهو ما يقدر بنحو 1.2 مليار إنسان. و يتميز المذهب الكاثوليكي بوجود مرجعية وسلطة روحية عليا تتولى أموره، وفي قمة هذه السلطة البابا وهو رأس الكنيسة الكاثوليكية، وينتخب مدى الحياة، وهذا الأمر يعد سلطة روحية للشعوب الأوروبية وشعوب أمريكا اللاتينية وكذلك مسيحيي الشرق من الكاثوليك، وهو بلا شك يتعارض مع الاملاءات الأمريكية والاستعمارية بخصوص قيم وعقائد النظام العالمي والتي ترغب في السيطرة الفكرية والروحية كسبيل للسيطرة الاقتصادية.
2ـ ولكي لا تكون الأمور من قبيل سوء الظن أو عقدة المؤامرة، فإن الحقائق والوثائق تثبت أن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة لم تقتصر على المجال السياسي والعسكري والاقتصادي، ولكن شملت أيضا المجال الديني. ووفقا للتقارير فإن الاتحاد السوفيتي دعم لاهوت التحرير، بينما دعمت الولايات المتحدة تقدم الإنجيليين، حيث نظر الاتحاد السوفيتي إلى الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية كحليف طبيعي للماركسية، ورأت الولايات المتحدة في الكنائس البروتستانتية والعنصرية، التي قاومت دائمًا الماركسية، كحلفاء طبيعيين لحكومة الولايات المتحدة.
ولاهوت التحرير يؤمن بأن إنجيل المسيح يقول بأن تركز الكنيسة جهودها على تحرير الإنسان من الفقر والقهر، وإن المسيحيين يجب أن يعملوا من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية لجميع الناس.
وتقول التقارير إن توسيع البروتستانتية كان جزءًا من خطة CIA للحرب لأمريكا الجنوبية. ويذكر المدون الكاثوليكي خورخي روندون سانتوس مذكرة صدرت عام 1969 للرئيس ريتشارد نيكسون، وقد صاغها الجمهوري نيلسون روكفلر، وكانت الوثيقة بخصوص أمريكا اللاتينية وجاء فيها: "لقد توقفت الكنيسة الكاثوليكية عن أن تكون حليفة يمكن للولايات المتحدة أن تثق بها"، وقد أكد "واد كلارك روف"، في كتابه "النظام العالمي والدين" هذه الوثيقة، وقال سانتوس إن روكفلر والحكومة الأمريكية دعما التقدم البروتستانتي في أمريكا اللاتينية، وكانت استراتيجيتهم هي مواجهة لاهوت التحرير من خلال الترويج للكنائس البروتستانتية التي كانت منافسة للكنيسة الكاثوليكية.
3ـ من الشواهد الحديثة، نرى أن الرئيس البرازيلي بولسونارو هو عضو في الكنيسة الكاثوليكية، ولكن المعلومات تقول إنه اتبع كنيسة معمدانية بروتستانتية لمدة 10 سنوات. وقد حظي بولسونارو، وهو المفترض أنه كاثوليكي روماني، بدعم ملايين المسيحيين الإنجيليين، ومن المعروف موقفه بخصوص العدو الاسرائيلي وتبعيته التامة لترامب.
4ـ يعتبر الخبير ستان غرينسبيرغ أن صحوة الأصولية قد غيرت المشهد السياسي الأمريكي بصورة لا رجعة فيها. لكن الأصولية تتجاوز حدود هذه الدولة العظمى وتنتشر في أمريكا اللاتينية خاصة.
ويشير تحليل التوجه الانتخابي إلى أن محور الحزب الجمهوري الحاكم لم يعد منظروه من ذوي الوعي الاجتماعي مثل روكفلر، إذ يمثل الإنجيليون 40 في المائة من الناخبين الأمريكيين و60 في المائة من الناخبين الجمهوريين، وهو ما يفسر دعمهم للرئيس جورج بوش على سبيل المثال، والذي ينظر إلى العالم من أحد منظورين اثنين: أصدقاء الحرية وأعداء الحرية، الخير والشر.
5ـ لم يجد دونالد ترامب قسا لمباركة افتتاح سفارته في القدس المحتلة سوى القس روبرت جيفرز المثير للجدل، والذي قال خلال الصلوات ما يلي: "نحن في حضرتك يا رب إبراهيم واسحق ويعقوب، نشكرك على تمكيننا من حضور هذه المناسبة الفريدة في حياة شعبك وتاريخ العالم". وأثنى على جهود نتنياهو والسفير الأمريكي لدى (اسرائيل) ديفيد فريدمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووصف (اسرائيل) بأنها نعمة للعالم برمته بفضل "اختراعاتها في مجالات الطب والعلوم والتقنية والطاقة لكن الأهم من هذا كله أنها دلت العالم على الإله الأوحد الحقيقي عبر أنبيائها والكتب المقدسة والمسيح". ووقف هذا القس إلى جانب ترامب وأيده بشدة خلال حملة الانتخابات الرئاسية وأقام صلاة خاصة في البيت الأبيض له ولأسرته قبل أداء ترامب القسم وتولي المنصب رسميا.
ومن المعلوم أن هذا القس الانجيلي له تاريخ حافل بالتصريحات المعادية للأديان الاخرى وحتى للكنائس الأخرى.
6ـ هناك توتر بين البابا فرنسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية وإدارة ترامب، وقد انتقد البابا إدارة ترامب في أكثر من موضوع، ومؤخرا انتقد سياسة ترامب التي تقضي بالفصل بين أفراد الأسرة الواحدة من المهاجرين على الحدود المكسيكية قائلا إن اللعب على شواغل الناس العاديين ليس هو الحل لمشاكل الهجرة في العالم.
ونلاحظ هنا أن انتقادات البابا تأتي في قضايا تشكل أهمية كبيرة لترامب، وخاصة في جواره الإقليمي.
وإذا نظرنا إلى المحيط الحيوي لأمريكا، وهو أمريكا اللاتينية، فإنه يوجد فيها أربعون في المئة من كاثوليك العالم، وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفقا للتقارير، سيطرت ديكتاتوريات عسكرية على الحكم هناك وانتشر الفقر والبؤس فنشأ تحالف بين الحركات السياسية الوطنية واليسارية مع بعض رجال الدين الذين تبنوا ما أسموه لاهوت التحرير. وعلى الرغم من أن لاهوت التحرير لم يشمل كل رجال الدين في أميركا اللاتينية لكن كانت له آثاره المباشرة على الكنيسة الكاثوليكية هناك والتي تميزت بالتقشف والتعاطف مع القضايا الإنسانية والإيمان بفكرة العدالة. من هذه البيئة، ومن الأرجنتين تحديدا، أتى البابا فرنسيس البابا السادس والستين بعد المئتين للكنيسة الكاثوليكية، وهو أول بابا من القارة الأميركية وأول بابا يأتي من الرهبنة اليسوعية.
ما نود قوله هنا، إن سياسات ترامب وفي إطار عدوانيتها واصطدامها بمصالح الشعوب، فإنها ترغب في تحطيم السلطات الروحية للأديان وما يمكن أن تشكله من تهديد وإعاقة لترامب، في عودة لسياسات الحرب الباردة، ومنها توظيف الدين للقضاء على الخصوم بشكل عملي يتخطى نطاق التشويش والبلبلة، وكما تم توظيف داعش في الفتنة الطائفية بين جناحي الإسلام، والسعي لحرب مذهبية، أفشلتها المقاومة بصمودها وحكمتها، فلا مانع من توظيف داعش لحرب مسيحية ـ اسلامية، ومسيحية ـ مسيحية، وخاصة أننا لم نر "داعش" تستهدف سوى المسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك، ولم تصطدم بالأصولية المسيحية الصهيونية التي تعمل لخدمة العدو الصهيوني. ولعل ترامب يحاول مجددا ابتزاز الفاتيكان كما فعلت امريكا سابقا، بمحاولة رونالد ريغان مقايضة البابا يوحنا بولس الثاني بالمساعدة في الحملة ضد الشيوعية في بولندا، مقابل صمت البابا بشأن الحملات الأمريكية ضد الكاثوليك اليساريين في أمريكا اللاتينية، ولهذا وجب الانتباه من مسيحيي الشرق والكاثوليك لمواجهة الابتزاز والحرص لما يخطط له.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024