آراء وتحليلات
"طوفان الأقصى" يستنزف اقتصاد العدو
مريم يوسف
أثارت معركة طوفان الأقصى تحديات جديدة أمام الكيان الإسرائيلي. لم تعد معاركه كما السابق، خارج الأراضي المحتلة. فمعركة "طوفان الأقصى" فرضت عليه تحديات داخلية بنيوية جديدة على رأسها الاقتصاد. "إسرائيل" امتازت على مدى عقود بتفوقها الإنتاجي والمالي في المنطقة إلى جانب تفوقها العسكري. هذا التفوق شكل حجر أساس بنيت عليه اتفاقيات التطبيع مع أنظمة المنطقة. ولكن التفوق الاقتصادي بات أمام تحدي الاستمرار في ظل اللااستقرار المسيطر على الكيان الغاصب. القانون الاقتصادي الثابت، "الرأسمال الجبان"، سيدق أول مسمار في نعش الاقتصاد الإسرائيلي المزدهر.
إن تغيير قواعد الاشتباك بداية بالهجوم المفاجئ على المستوطنات واستمرارية الرشقات الصاروخية التي تعدت مستوطنات غلاف غزة وجعلت من تل أبيب هدفًا لها، إضافة الى الاستنفار الكبير على الجبهة الشمالية جعل الأمن الداخلي للكيان في أزمة، وبالتالي انخفاض قدرة الإنتاج شمالا وجنوبا وحتى في عمق الكيان.
تواجه "إسرائيل" كنتيجة لتغير قواعد الاشتباك أزمات في النزوح والانتاج والملاحة والتنقيب على الغاز وفي القطاعين المالي والمصرفي، وتتربع القيمة اليومية للحرب على رأس الأزمات. الإنتاج المحلي الإسرائيلي السنوي المقدر بـ 520 مليار دولار تتحداه غزة المحاصرة. فما هي الكلفة اليومية للعدوان الإسرائيلي على غزة؟
اعتاد "الإسرائيليون" على ارضاخ الشعوب عبر الاجرام الدموي اليومي، ولكن حتى الوقت بات سلاحًا بيد حركات المقاومة. فاستنزاف الاقتصاد "الإسرائيلي" لا بد من أن يكون على قائمة أهداف المقاومة. فلا استمرارية لمستوطنات بلا انتاج.
• النفقات الحكومية
قدر وزير مالية العدو سموتريش التكلفة المباشرة للحرب بنحو246 مليون دولار يوميًا على "إسرائيل"، وقال في تصريح لإذاعة جيش الاحتلال إنه "ليس لديه حتى الآن تقييم للتكاليف غير المباشرة على الاقتصاد المصاب بالشلل جزئيًا بسبب التعبئة الجماهيرية من جنود الاحتياط العسكريين والطلقات الصاروخية الفلسطينية واسعة النطاق".
ولكن عبر دراسة الواقع اليومي للحرب يمكن الوصول إلى كلفة تقريبية.
حشدت "اسرائيل" 350 ألف مقاتل قبل البدء بهجومها البري على قطاع غزة ما يعني إيقاف 8% من قوتها العاملة عن العمل. تقدر إنتاجية العامل "الإسرائيلي" ب 40$ في الساعة. وبالتالي "إسرائيل" تخسر يوميا إنتاجية هؤلاء العمال التي تقدر بـ 100 مليون دولار يوميا.
وبحسب مزراحي طفحوت، أحد كبار المقرضين تخسر الحكومة ما يعادل 2.5 مليار دولار شهرياً.
• السوق المالية والنقدية
خفض المصرف المركزي في الكيان توقعاته للنمو الاقتصادي هذا العام من 3% إلى 2.3% كما رفع توقعاته للديون والعجز بسبب الإنفاق العسكري والسياسة النقدية.
وتراجع الشيكل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2012.
أما على صعيد الأسهم الإسرائيلية فهي تعد الأسوأ أداء في العالم منذ اندلاع القتال، حيث انخفض المؤشر الرئيسي في "تل أبيب" بنسبة 15% من حيث القيمة الدولارية، أي ما يعادل 25 مليار دولار.
أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أنها خفضت نظرتها المستقبلية للديون السيادية الإسرائيلية من "مستقرة" إلى "سلبية". كما تتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 5% في الربع الأخير من عام 2023..
وحذرت وكالة "موديز" من أنها قد تخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" بسبب خطورة الصراع العسكري وسيسبب خفض التصنيف الائتماني إلى زيادة تكلفة الاقتراض بالنسبة لـ"إسرائيل" في الوقت الذي يستعد فيه الكيان لحرب طويلة الأمد.
وأشار تقرير فيتش إلى أن تصعيد الصراع الذي يحتمل أن يشمل حزب الله "يمكن أن يؤدي إلى إنفاق عسكري إضافي كبير وتدمير للبنية التحتية وتغيير مستدام في معنويات المستهلكين والاستثمارات، وبالتالي يؤدي إلى تضخم كبير وتدهور بالمقاييس الائتمانية لـ"إسرائيل"".
• لمحة عن الوضع الداخلي
قطاع السياحة تأثر بشكل كبير، فالفنادق نصف ممتلئة بالإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من المناطق الحدودية أما باقي الغرف فارغة.
أما قطاع الصناعة فقد استمر بالإنتاج، حتى المصانع القريبة من غزة استمرت بالإنتاج. ولكن النقص في سائقي الشاحنات يشكل عائقا لإتمام خدمة التسليم.
كما أن توقف العمل في مواقع البناء وحده يكلف الاقتصاد ما يقدر بنحو37 مليون دولار يوميا حسبما أفادت وكالة رويترز. وقد توقف وعاد للعمل تحت إجراءات حمائية أكبر.
علاوة على ذلك، انخفضت مشتريات بطاقات الائتمان بنسبة 12% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مع انخفاضات حادة في جميع الفئات تقريبًا باستثناء الارتفاع الكبير في التسوق في محال السوبر ماركت. وقد صرح كبير المستشارين الاقتصاديين لبنك هبوعليم أحد أكبر البنوك في "إسرائيل"، ليو ليدرمان، إن هناك "أزمة عاطفية" بين الجمهور الإسرائيلي وقد بدأت تؤثر سلباً بالفعل. وبما أن الإنفاق الاستهلاكي يمثل أكثر من نصف النشاط الاقتصادي في "إسرائيل"، فقد يكون الضرر الذي يلحق بالاقتصاد كبيرًا.
حاليًا، خسائر "إسرائيل" مرحلية حتى انتهاء الحرب. ولكن القدرة على الخروج من تبعات هذه الحرب ستكون أصعب بكثير. فتغير قواعد الاشتباك سيقلل إمكانية التعافي اقتصاديا. إن الدعم الغربي المستمر سيكون كما العادة أساس للعودة التامة والكاملة للحركة الاقتصادية ولكن التهديد الأمني وإمكانية الهجوم على الأراضي المحتلة سترافق أذهان المستثمرين، المقرضين، وحتى المستوطنون. وبالتالي، وكيفما انتهت هذه الحرب ستواجه "إسرائيل" تحديًا بنيويًا جديدًا حول كيفية حماية الاقتصاد؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024