آراء وتحليلات
بايدن.. دعم مطلق للكيان في حربه على غزة ومحاذير من جبهة الشمال
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
على وقع أنهار الدم التي يُسيلها الجيش النازي الاسرائيلي في غزة ـــ لم يكن آخر روافدها ذلك الناجم عن محرقة قصف المستشفى المعمداني والذي أدى الى استشهاد أكثر من 700 فلسطيني غالبيتهم من الاطفال ــــ وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن الى الكيان الغاصب.
ومن المطار المغتصبة أرضه، عبرت مواكب بايدن شوارع فلسطين المعبّدة بأشلاء الرّضع والنساء والعجزة (حتى الأسهم المرسومة على تلك الطرقات قد اصطبغت بالدم الأحمر القاني الذي سفكته إدارته الحالية، واسلافه المؤسسون لامبراطورية الشرّ امريكا منذ العام 1948) للقاء سفاح العصرّ رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وقياداته النازية المتوحشة، بعدما تم تعديل برنامج زيارته في أعقاب إلغاء عمان القمة الرباعية التي كانت من المقرر أن تجمع كل من الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس، إضافة إلى ملك الأردن عبد الله الثاني وذلك بعد مجزرة المستشفى.
لماذا قرر بايدن زيارة "اسرائيل" المشتعلة بصواريخ المقاومة؟
من المسلّم به أن توقيت زيارة جو بايدن ينطوي على أبعاد عدة، وفي مقدمتها منح صك براءة للجيش الاسرائيلي النازي عن مذبحة المستشفى، وهو ما حصل بعدما حمّل المقاومة مسؤولية القصف، إضافة الى تقديم الدعم السياسي والعسكري والمادي واللوجستي للكيان الغاصب، للمضي قدمًا في جرائمه المتواصلة.
من هنا، كان الحراك الأمريكي لافتًا ونوعيًا وغير مسبوقٍ مقارنة بأزمات سابقة، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على حجم المأزق الذي تعاني منه "اسرائيل" منذ عملية "طوفان الاقصى" في 7 الجاري، والذي ازداد مع توسع دائرة النار لصواريخ المقاومة الفلسطينية لتشمل كافة الرقعة الجغرافية لأرض الأنبياء المقدسة.
أما الأهم، فهو الخوف من الجبهة الشمالية التي دخلت على خط المواجهة بشكل مدروس ودقيق ومتوازن، وبالأسلوب والطريقة التي تراها المقاومة في لبنان مناسبة وفعّالة، ووفق توقيتها ومعطياتها وتقديراتها الخاصة والحكيمة، بعيدًا عن نظريات الرؤوس الحامية.
وتبعًا لذلك، كان فريق بايدن قد هرع إلى الشرق الأوسط، بعد ارتفاع الصرخة الإسرائيلية نتيجة الضربة التاريخية في منطقة غلاف غزة، والاستنجاد بواشنطن. حيث سافر وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى "إسرائيل" والأردن وجزء كبير من المنطقة في رحلة لتجريم وإدانة حركة "حماس" واستجلاب التعاطف مع "اسرائيل". تلاه وزير الحرب لويد أوستن للقاء نظرائه العسكريين في الكيان، كما فعل أكبر قائد عسكري أمريكي في الشرق الأوسط. وسبق ذلك نشر مجموعتين من حاملات الطائرات الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط لاشاعة جو من الاطمئنان، والتهدئة من روع القادة الصهاينة النازيين.
منذ عام 2008 كانت هناك خمس جولات من حروب "إسرائيل" على غزة. وفي كل عدوان عملت الولايات المتحدة على التفاوض على وقف إطلاق النار، لانقاذ هيبة "اسرائيل" وجيشها، ولضمان عدم توسع الحرب إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. ولكن هذه المرة، أصبحت الحرب بالفعل على نطاق أوسع وأكثر، فقد أدى الهجوم المفاجئ لكتائب عز الدين القسام إلى تدمير ونسف النظرية الأمنية الاسرائيلية التقليدية القائمة على الردع والحرب الاستباقية والنصر الحاسم والتفوق الاستخباراتي، وسلبت الصهاينة الامن والامان لعقود قادمة، وهو ما دفع "اسرائيل" العاجزة الخائبة المهزومة، الى الردّ بالمذابح والمحارق والمجازر، دون التجرؤ على مواجهة المقاومة وجهًا لوجه.
إلى جانب ذلك، فإن زيارة "تل أبيب" التي حفلت بمواقف مؤيدة للسياسة الإسرائيلية ومحارقها المستمرة في غزة، من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية على "اسرائيل" وامريكا، خصوصًا وأن إدارة بايدن تتطلب دعم الشركاء العرب، في توجهاتها، وقد ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في هذا الاطار أن جهود بلينكن لإقناع السعودية بإدانة هجوم حماس لم تنجح بعد.
ماذا عن تناقضات مواقف بايدن تجاه "اسرائيل"؟
عمليًا، بدا التناقض في نهج بايدن تجاه "إسرائيل" في الوقت الحالي. فهو يفتخر بكونه مناصراً قوياً للكيان، وقد استقبله الإسرائيليون بامتنان لتصريحاته الداعمة بعد عملية طوفان الاقصى. غير أنه واستنادًا لمصدر أمريكي مطلع على تفكير ادارة بايدن، يحتاج الرئيس ـــ وبعيدًا عن عبارات الدعم التي سيتفوه بها امام الاعلام ـــ إلى إيصال الحقيقة القاسية إلى نتنياهو ومجلسه الحربي، وهي أن المزيد من القصف على غزة، أو شن هجوم بري واسع النطاق، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأمور بالنسبة لـ"إسرائيل" وللشرق الأوسط ولواشنطن.
بايدن كان قد صرّح في وقت سابق أن غزو "إسرائيل" لغزة واحتلالها سيكون "خطأً كبيراً" وأنه "يجب أن تكون هناك سلطة فلسطينية، وأن يكون هناك طريق إلى الدولة الفلسطينية". ومع ذلك، أعرب اليوم، من ناحية أخرى عن دعمه الكامل لـ"إسرائيل".
وتعقيبًا على ذلك، قال ميراف زونسزين، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية إن "بايدن يؤكد أنه يدعم تدمير "إسرائيل" لحماس، لكنه لا يريد كارثة إنسانية. لا أعرف ما إذا كان يمكن لهذين الأمرين أن يتعايشا".
يدرك اللاعبون الرئيسيون في السياسة الخارجية لإدارة بايدن الآن مدى السوء الذي يمكن أن تصل إليه هذه الحرب، وكيف يمكن أن تمتد إلى دول أخرى في المنطقة وحتى خارجها. في هذا الاطار، ينصح خبراء عسكريون أمريكيون بايدن، بأن عليه أن يعلم أن التوغل البري الإسرائيلي سيتسبب في إحداث ضرر لا يمكن إصلاحه، سيعيق "إسرائيل" والولايات المتحدة لعقود من الزمن في الشرق الأوسط.
في كتابه الفرعي، شرح مارك لينش عالم السياسة في جامعة جورج واشنطن، بالتفصيل كيف سيكون مثل هذا الغزو "كارثة إنسانية واستراتيجية وأخلاقية" وهي كارثة يمكن أن يكون بايدن الوحيد القادر على منعها انطلاقًا من موقعه.
يقول لينش: "أود أن أتوسل إلى البيت الأبيض أن يتراجع ويعيد النظر حول ما اذا كان منح "إسرائيل" حصانة شاملة في الأيام المقبلة يخدم حقاً مصالح "إسرائيل" أو الولايات المتحدة".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024