آراء وتحليلات
دوافع خروج الإرهاب الاسرائيلي عن طوره.. المجازر بعد الفشل
شارل ابي نادر
ليس مستغربًا لجؤ "اسرائيل" الى تنفيذ عدوان وحشي مباشر على مراكز مدنية أو طبية أو على منشآت وأعيان محيدة ومحمية بموجب قانون الحرب والقوانين الدولية والانسانية المعروفة، فتاريخها مثقل بتجاوز كل الأعراف والقيم الأخلاقية والقوانين الدولية والانسانية وقوانين الحرب، ومسار تعاملها مع الشعب الفلسطيني خلال كامل فترة احتلالها لأراضيه، مطبوع بسمة الإجرام الوحشي بشكل واسع ودائم، ولكن..
أن تعمد إلى تنفيذ مجزرة شنيعة بهذا المستوى من الحقد والاجرام المجنون، عبر استهدافها مباشرة وبصواريخ موجهة وشديدة التدمير لباحة مستشفى المعمداني في غزة، في وقت تعج فيه بمئات الاطفال والنساء الجرحى والمصابين وبنفس الوقت النازحين بهدف الاحتماء من جحيم التدمير في كافة أحياء غزة، فهو أمر خارج عن الطبيعة ولا يمكن تصديقه أو تقبله أو تخيله، وهو لم يحصل حتى الآن في التاريخ ومع أكثر الجيوش اجراما، وحتى مع المجموعات الارهابية التي تأخذ من القتل والتفجير نظام حياة وأسلوب عمل.
فكيف يمكن تفسير لجؤ "إسرائيل" إلى هذه الجريمة الوحشية الاستثنائية وغير الطبيعية؟ وما هو الطارىء أو الدافع لكي تفقد أعصابها لهذه الدرجة وتقدم على هذا العمل غير المقبول حتى من حلفائها وداعميها؟
صحيح أن تداعيات طوفان الأقصى على "إسرائيل"، بما حملته من ضغوط داخلية على مسؤوليها جراء الصفعة التاريخية التي سببتها لها هذه العملية، هي التي تسيّر اليوم حربها الاجرامية التدميرية على غزة حاليًا، وبهذا الشكل الهستيري غير المتوازن، ولكن، يبدو أن مسار عملية ردها على هذه الصفعة جاء أكثر ايلامًا عليها من الطوفان نفسه، وتداعيات ما وصلت اليه خلال الاثني عشر يومًا من حربها هذه على غزة، وستكون أكثر تأثيرًا عليها من تداعيات عملية القسام التاريخية "طوفان الأقصى" في غلاف غزة.
اليوم، بعد أن استعادت "إسرائيل" بعضًا من توازنها الأمني والعسكري في مستوطنات غلاف غزة وعلى الحدود مع القطاع، وبعد أن أطلقت عملية الرد بمسمى "السيوف الحديدية"، تجد نفسها عاجزة وبشكل كامل عن تحقيق اي إنجاز ذو طابع عسكري أو ميداني ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، فقط استطاعت أن تتسبب بمستوى غير مسبوق من التدمير في أغلب أحياء ومدن القطاع، وفقط، نجحت في إسقاط عدد كبير وغير مسبوق أيضًا من المدنيين والأطفال بشكل خاص، من دون تحقيق أي هدف يتعلق بالمس الجدي ببنية حماس العسكرية، أو حتى ببنية باقي فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى في القطاع.
إضافة إلى هذا الفشل والعجز في تحقيق أي هدف عسكري أو ميداني، تعيش "إسرائيل" أيضًا هاجس الفشل المنتظر إذا قررت تنفيذ عملية توغل بري في القطاع. لدى الصهاينة اقتناع كامل أن التوغل البري هو الطريق الوحيد والاجباري لتحقيق هدف تدمير بنية المقاومة الفلسطينية في القطاع وبنية حركة "حماس" العسكرية بشكل خاص، لكنهم مقتنعون أيضًا بنصائح أغلب حلفائهم وخبرائهم العسكريين والاستعلاميين، بأن مصير العملية البرية هو حتمًا الفشل، مع وجود معطيات مؤكدة عن سقوط حجم ضخم من الخسائر في أرواح جنودهم، والذين تنتظرهم وحدات المقاومة بفارغ الصبر على أبواب القطاع وأمام مراكزها المحصنة وأنفاقها المدروسة بعناية لهكذا فرصة تاريخية.
النقطة الأخرى التي تضغط على "إسرائيل" ايضًا، وتجعلها فاقدة لتوازنها، غير الخوف الأكيد من فشل العملية البرية ضد القطاع، هي استمرار قواعد الأخير بإطلاق الصواريخ على كل مدن ومستوطنات الكيان في فلسطين المحتلة، وبشكل متصاعد ولافت، دون أن تتأثر وتيرة ومستوى هذا الإطلاق بجحيم التدمير غير المسبوق الذي تمارسه قاذفات الكيان ضد القطاع بكل مناطقه وبلداته ومدنه ومنشآته، وكأن هذا القصف الجنوني والتدمير الوحشي يحصل في منطقة بعيدة ومعزولة بالكامل عن اماكن قواعد إطلاق هذه الصواريخ.
النقطة الثالثة التي صدمت "إسرائيل" وجعلتها تفقد أي أمل بوجود خيار آخر يمكن أن يخرجها من ورطة الذل الذي أصابها بـ "طوفان الأقصى"، كانت ما أظهره محور المقاومة من تماسك وثبات في الموقف الجامع لكل اطرافه، إلى جانب غزة بكامل قدراته، رغم الضغوط الغربية والاميركية تحديدًا، والتي ترجمت من خلال نشر أكثر من حاملة طائرات مع السفن والمدمرات الداعمة لها في شرق المتوسط، ورغم التهديد الواضح والعلني لمحور المقاومة بهذه الحاملات والسفن الحربية، أعلن الاخير وبكل وضوح وجدية عن استعداده الكامل للذهاب بعيدًا في دعم وحماية موقف وموقع وقدرات كل فصائل المقاومة في غزة وفي كل فلسطين المحتلة، حتى لو تطلب الأمر مواجهة مفتوحة ضد حلفاء "إسرائيل" وداعميها.
وأخيرًا، ولكي تخسر "إسرائيل" نهائيًا فرصة رد الاعتبار في هذه المواجهة، الأمر الذي جعلها تتصرف بطريقة هستيرية تجاوزت من خلالها كل الخطوط والقيود القوانين، لجأت إلى جريمة وحشية فوق العادة، باستهداف مباشر لقاعات وباحات مستشفى المعمداني في غزة بما يحضنه من أطفال مصابين ولاجئين:
وقد جاء موقف وحراك حزب الله على جبهة الكيان الشمالية، والذي انخرط ضد "إسرائيل" في اشتباك دقيق وحساس على كامل الحدود الجنوبية للبنان، وبمستوى عنيف وصادم، وملتزمًا بقواعد الاشتباك المفروضة أساسًا مع العدو، ينفذ ضد وحداته وباتقان، مناورة اشغال واشتباك مدروسة أجبرته على وضع جهود ضخمة في كافة الاسلحة والامكانيات والوحدات لتغطية ومسك جبهته الشمالية التي تعيش حربًا شرسة بكل الجوانب، وليضغط على وحدات العدو بمواجهة غزة بطريقة غير مباشرة، مانحا للمقاومة الفلسطينية أرجحية في معركتها المصيرية على تلك الجبهة المصيرية جنوب فلسطين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024