آراء وتحليلات
خيانة النظام البحريني ودعمه للعدو: السياق والتحليل
إيهاب شوقي
في توقيت يشهد فيه العدو الصهيوني أزمة مركبة ترتقي إلى مرتبة الأزمة الوجودية، تأتي خطوات خيانية لتحاول باستماتة فاشلة إعطاء قبلة حياة لكيان غريق.
لم تكن فضيحة تسريب خبر اللقاء بين وزير الخارجية الصهيوني ووزيرة خارجية ليبيا بالفضيحة الهينة، ولم تكن تداعياتها السياسية بسيطة، سواء على العدو الإسرائيلي أو أمريكا، ولا على المجلس الرئاسي الليبي، لدرجة أن نتنياهو وبايدن أعلنا استياءهما من تسريب اللقاء بدلًا من التفاخر به واعتباره انجازاً، وذلك لأن ردة الفعل الغاضبة أعادت إلى الأذهان زمن العنفوان العربي والغضب من التطبيع والذي ابتعد عن الشوارع العربية لفترة طويلة.
وقد أعاق هذا التسريب وما نتج عنه من ردة فعل غاضبة أي خطوة لتطوير العلاقات، وقد اعترف بذلك "بين فيشمان"، وهو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن، والذي قال نصًا في مقال له بمعهد واشنطن: "أدت الفضيحة التي أحاطت بالاجتماع المفاجئ بين وزيري خارجية إسرائيل وليبيا إلى تبديد الآمال بترقية العلاقات بين البلدين، علماً أنها قد تُسبب عواقب سياسية في ليبيا".
وفي هذا التوقيت نجد أن البحرين، والتي من المفترض أنها عربية، تفتح أحضانها للكيان وتفتتح سفارة له فيها، وللأسف هذه الدولة لها شعب عروبي إسلامي يرفض التطبيع ويتمسك بالثوابت ويرفض ممارسات النظام الخيانية التي قمعت الشعب وثورته ومطالبه العادلة مستقوية بقوات درع الجزيرة السعودية عسكريا، وبالغطاء السياسي الأمريكي والأممي الممنوح للخونة والمطبعين.
اللافت أن زيارة وزير الخارجية الصهيوني للمنامة، كانت قد أُرجئت من جانب البحرين في يوليو/تموز، وذلك في أعقاب اقتحام للمسجد الأقصى قام به وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المهووس إيتمار بن غفير، وبالتالي فإن هناك علامات استفهام كبرى حول إتمام الزيارة رغم تصعيد الكيان الصهيوني سياسة الاقتحامات والتنكيل والقتل للشعب الفلسطيني.
وقبل محاولة استكشاف الأسباب الخفية والسياق الذي جاءت به هذه الخطوة الخيانية، يجدر أن نتذكر أن علاقة البحرين مع "إسرائيل" سبقت اتفاقيات "أبراهام" المزعومة، ولم تكن سرية مثل علاقات السعودية الخفية مع الكيان، فقد أكد الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، في لقاء مع السفير الأمريكي في المنامة في فبراير/شباط 2005، وجود اتصالات بين البحرين والموساد، كما ألمح إلى استعداد البحرين لتعزيز علاقاتها مع العدو في مجالات أخرى، لكنه اعترف بأنه "سيكون من الصعب على البحرين أن تكون الأولى في هذا الأمر".
وفي عام 2017، ذكر آل خليفة أنه عارض المقاطعة العربية لـ"إسرائيل"، وبعدها بعامين، أصبحت العلاقات بين البحرين و"إسرائيل" شبه علنية، عندما تلقت ست وسائل إعلام إسرائيلية دعوات رسمية من النظام البحريني لتغطية مؤتمر ما يسمى بـ"السلام" الذي نظمته إدارة ترامب، تحت شعار "السلام من أجل الرخاء".
وهنا يمكننا رصد هذه الملاحظات كمحاولة لتفسير التوقيت واستكشاف السياق:
أولًا: لا تجرؤ البحرين على الإقدام على عمل سياسي دون التنسيق بل وبالأحرى أخذ الإذن والضوء الأخضر من السعودية، حيث تشتهر البحرين سياسيًا بأنها إحدى المحافظات السعودية تعبيرًا عن التبعية الكاملة من النظام البحريني للسعودية.
وبالتالي فإن هذه الخطوة يمكن ربطها بتطور المفاوضات السعودية الأمريكية حول ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي، ويمكن اعتبارها خطوة تمهيدية لتطبيع سعودي اسرائيلي مرتقب قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ثانيًا: شكلت زيارة وزير الخارجية ايلي كوهين للبحرين، الزيارة الأولى له إلى بلد عربي، ولا شك أن الإمارات كانت أولى بهذه الزيارة إذا ما قورنت بالبحرين من حيث الاندفاع الإماراتي والذي وصف بالمتهور نحو التطبيع وتعميقه.
وبالتالي فإن اختيار البحرين يؤكد أن الخطوة مربوطة بالسعودية والتي باتت خلافاتها معلنة مع الإمارات، وهو نوع من المغازلة للسعودية وإشارة إلى تفضيلها على الإمارات والتقرب من دولة محسوبة علنًا على المعسكر السعودي.
ثالثًا: تشكل خطوة افتتاح السفارة حفظًا لماء وجه العدو ومحاولة انقاذ سياسية له بعد الحرج الذي تعرض له سياسيًا في ليبيا، وبعد الحرج العسكري وتآكل الردع مع محور المقاومة، فجاءت كخطوة دعائية بأن العدو يقترب من حدود إيران عبر افتتاح سفارة على حدوده.
لا شك أن هذه الخطوة تعد في سياق الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، فهي خطوة دعائية تؤكد قاعدة أن العدو مأزوم ويبحث عن مخرج ليحفظ ماء وجهه، وهو مخرج رخيص لأنه تعاون مع نظام رخيص ولا يعد انجازًا سياسيًا.
كما أن التلكؤ السعودي في ملف اليمن واستمرار الحصار من جانب تحالف العدوان يشي بأن ملف اليمن هو ملف تفاوضي بين السعودية وأمريكا في سلة مفاوضات كبيرة يأتي التطبيع كملف متقدم فيها، وتأتي الأدوات السعودية والأمريكية بخطوات وظيفية بها مثل الأداة البحرينية التي أقدمت على هذه الخطوة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024